تركيا, السياسة, التقارير

من أزمة لأخرى.. كيف أثبتت تركيا جدارتها بالوساطة الدولية؟ (تقرير)

- تستعد إسطنبول لاستضافة جولة جديدة من محادثات السلام المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، الخميس المقبل، قد تسفر عن نتائج مهمة

Rabia Ali, Muhammed Kılıç  | 12.05.2025 - محدث : 13.05.2025
من أزمة لأخرى.. كيف أثبتت تركيا جدارتها بالوساطة الدولية؟ (تقرير)

Istanbul

إسطنبول/ رابعة علي/ الأناضول

- تستعد إسطنبول لاستضافة جولة جديدة من محادثات السلام المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، الخميس المقبل، قد تسفر عن نتائج مهمة
- يمتد دور أنقرة الدبلوماسي النشط عبر مناطق صراع مختلفة، بما في ذلك إثيوبيا والصومال، وأذربيجان وأرمينيا، والنزاعات المعقدة في البلقان
- تقود تركيا كثيرا من المبادرات في مناطق أخرى بما في ذلك الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الداخلية في العراق ولبنان وفلسطين وقيرغيزيا

أثبتت تركيا أنها وسيط موثوق به في كثير من النزاعات الإقليمية والدولية، بفضل سياستها المتوازنة وشبكة علاقاتها الواسعة.

وتبرز تركيا مجددا وسيطا دوليا، إذ تستعد إسطنبول لاستضافة جولة جديدة من محادثات السلام المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، الخميس المقبل، قد تسفر عن نتائج مهمة.

ومؤخرا أبدى كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعدادهما للقاء شخصي في إسطنبول لاستئناف المحادثات، الأمر الذي لفت انتباه العالم إلى مكانة تركيا بصفتها لاعبا محوريا في الدبلوماسية الإقليمية والدولية.

ومن تسهيل صادرات الحبوب من أوكرانيا خلال الحرب الدائرة، إلى استضافة محادثات السلام بين الدول الإفريقية وغيرها، برزت تركيا وسيطا موثوقا قادرا على توجيه المفاوضات عالية المخاطر، وفقا لمحللين.

ويمتد دور أنقرة الدبلوماسي النشط عبر مناطق صراع مختلفة، بما في ذلك إثيوبيا والصومال، وأذربيجان وأرمينيا، وعمليات تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وروسيا، والنزاعات المعقدة في البلقان.

في حديث للأناضول، قالت ألام أيريجا تبجيكلي أوغلو، الأكاديمية في جامعة العلوم الاجتماعية في أنقرة: "برزت تركيا بصفتها وسيطا في سياقات إقليمية مختلفة. ففي الحرب بين أوكرانيا وروسيا، سهّلت تصدير الحبوب الأوكرانية، وهو تطور شديد الأهمية".

وبرزت تركيا شخصيةً دبلوماسيةً محوريةً بين كييف وموسكو منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ففي 10 مارس/آذار 2022، وبعد أيام قليلة من تصاعد التوتر، استضافت أنقرة بنجاح وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، مسجلةً بذلك لقاء على أعلى مستوى بين البلدين منذ اندلاع الحرب.

وفي إطار جهودها في الوساطة، سهّلت تركيا اجتماعا حاسما آخر لوفود التفاوض الروسية والأوكرانية في إسطنبول بين 28 و30 مارس/آذار 2022.

وكان أبرز إنجاز دبلوماسي لأنقرة هو التوسط في مبادرة حبوب البحر الأسود إلى جانب الأمم المتحدة في 22 يوليو/تموز 2022.

وحظيت هذه الاتفاقية، التي هدفت إلى التخفيف من تهديدات الأمن الغذائي العالمي الناجمة عن الحرب، بإشادة دولية واسعة النطاق، وأسفرت عن إنشاء مركز تنسيق مشترك في إسطنبول.

وحافظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو وكييف. وبزيارته التاريخية إلى لفيف الأوكرانية في 18 أغسطس/آب 2022، أصبح أردوغان الزعيم الوحيد في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي زار روسيا وأوكرانيا منذ اندلاع الحرب بينهما، وهو ما عكس مكانة تركيا الفريدة.

وإضافة إلى ذلك، نجحت تركيا في تسهيل عملية تبادل أسرى هامة بين روسيا وأوكرانيا في 22 سبتمبر/أيلول 2022.

- حل النزاع بين إثيوبيا والصومال

في إنجاز دبلوماسي كبير، أسهمت تركيا في التوسط للتوصل إلى حل تاريخي بين الصومال وإثيوبيا في ديسمبر/كانون الأول 2024.

واستطاع الاتفاق التاريخي الذي توسطت فيه تركيا حل التوترات التي أثارها الاتفاق الذي أبرمته إثيوبيا في يناير/كانون الثاني 2024 مع إقليم أرض الصومال (صوماليلاند) المنشق عن الصومال بشأن ميناء بربرة على البحر الأحمر.

وتم التوصل إلى الاتفاق بعد مفاوضات ماراثونية استمرت 7 ساعات، كما أكد الرئيس أردوغان لاحقا.

وفي "إعلان أنقرة" بين البلدين، شدد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على "احترام والتزام كل طرف بسيادة الطرف الآخر ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه".

- التوتر بين أذربيجان وأرمينيا

وفي جنوب القوقاز، كان لتركيا تأثير كبير على النزاع الأذربيجاني الأرميني المستمر منذ عقود بشأن إقليم قرة باغ الأذربيجاني.

وفي سبتمبر/ أيلول 2023، نجحت أذربيجان في استعادة السيطرة على إقليم "قرة باغ" بحملة عسكرية سريعة استمرت 44 يوما، اندلعت بسبب الاستفزازات والهجمات الأرمينية.

ولعبت تركيا دورا داعما وحاسما طوال الصراع، إذ قدمت تعاونا واسع النطاق في مجال الصناعات الدفاعية، ونقل التكنولوجيا، ودعما دبلوماسيا استراتيجيا أسهم بصورة كبيرة في النجاح العسكري لأذربيجان وجهود السلام لاحقا.

- تبادل دولي تاريخي للأسرى

وتجاوزت جهود الوساطة التركية النزاعات التقليدية، ففي أغسطس/آب 2024، نظّم جهاز الاستخبارات الوطني التركي واحدة من أوسع عمليات تبادل الأسرى نطاقا، بمشاركة 7 دول.

ووفقا لمصادر أمنية، تم تبادل 26 شخصا ونقلهم إلى أنقرة على متن 7 طائرات، واحدة من كل من ألمانيا، وبولندا، وسلوفينيا، والنرويج، وروسيا، وطائرتان من الولايات المتحدة.

وفي هذه العملية، نُقل 10 رهائن، بينهم طفلان، إلى روسيا، بينما أُرسل 13 رهينة إلى ألمانيا، و3 إلى الولايات المتحدة.

البلقان.. تسهيل الحوار والاستقرار الإقليمي

يعكس دور تركيا في البلقان التزامها بالاستقرار والمصالحة الإقليمية، ففي عام 2010، أطلقت تركيا جهود تعاون ثلاثية تشمل البوسنة والهرسك، وصربيا، وكرواتيا، وهي 3 دول ما زالت تعاني من إرث "حروب يوغوسلافيا".

وتسعى هذه المبادرة التركية المرتكزة على الحوار والمصالحة الإقليمية، إلى رأب الانقسامات العرقية والسياسية الراسخة، وتعميق التعاون الاقتصادي، وتعزيز التكامل الإقليمي.

وفي هذا السياق، عُقدت حتى الآن 9 اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية، كان آخرها في 29 يونيو/حزيران 2024، في إطار منتدى دوبروفنيك في كرواتيا.

- خطوات وساطة رئيسية أخرى

تمتد المناطق الجغرافية الأخرى التي تركت فيها أنقرة بصمتها وسيطة، من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا وما وراءها.

ووفقا لوزارة الخارجية التركية، عملت تركيا بنشاط على حل النزاعات سلميا، وتقود كثيرا من المبادرات في هذا الصدد، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الداخلية في العراق ولبنان وفلسطين وقيرغيزيا.

في عام 2011، أطلقت تركيا عملية "قلب آسيا – إسطنبول" إلى جانب أفغانستان وباكستان، سعيا منها إلى تعزيز المسؤولية الإقليمية عن استقرار أفغانستان. وركزت الصيغة الثلاثية لأنقرة مع كابل وإسلام آباد على مكافحة الإرهاب، والتجارة، والتعاون في مجال البنية التحتية.

كما سهّلت تركيا جهود بناء الثقة بين السودان وجنوب السودان من خلال مشاريع اقتصادية مشتركة، سعيا منها لتخفيف التوترات بين البلدين اللذين شهدا خلافات منذ انفصال جنوب السودان عام 2011.

وشجعت أنقرة على إيجاد حل سلمي للبرنامج النووي الإيراني من خلال الحوار، ودعمت أيضا عملية السلام في جنوب الفلبين، وفقا لوزارة الخارجية التركية.

- التزام تركيا بالوساطة ممتد لعقود

يؤكد خبراء أن استراتيجية الوساطة التي تنتهجها تركيا ليست ظاهرة حديثة، بل هي ثمرة مبادرة في السياسة الخارجية امتدت لعقود.

وأشارت تبجيكلي أوغلو الأستاذة في قسم الدراسات الإفريقية بالجامعة، إلى الدور الاستباقي الذي لعبته تركيا في إطلاق مبادرة الوساطة من أجل السلام ضمن إطار الأمم المتحدة عام 2010، مما زاد بصورة كبيرة من الوعي الدولي بدور الوساطة في حل النزاعات.

وقالت: "أدى ذلك إلى توسيع نطاق مجموعة أصدقاء الوساطة (الأممية)، التي تضمّ أيضا العديد من الدول الإفريقية".

من جانبها، أشارت إسراء جوخدار، وهي مستشارة سابقة في الوساطات العليا، في حديث للأناضول، إلى أنه على الرغم من استمرار جهود الوساطة التي تبذلها تركيا منذ سنوات طويلة، إلا أن النجاحات الأخيرة زادت من أهميتها العالمية.

وأضافت جوخدار: "قدّمت تركيا مساهمات كبيرة في صنع السياسات المتعلقة بالوساطة على المستويين العالمي والإقليمي، وهذا مستمرّ أيضا منذ عقود".

ولفتت إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه تركيا في منظمات مثل "مجموعة أصدقاء الوساطة" في الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة التعاون الإسلامي.

لماذا تعد تركيا وسيطا موثوقا به؟

ترى تبجيكلي أوغلو أن موقف تركيا المحايد وعلاقاتها الراسخة مع مختلف الدول يعزز مصداقيتها في مجال الوساطة.

وأكدت أن الوساطة الناجحة لتركيا بين الصومال وإثيوبيا استفادت من العلاقات التاريخية القوية التي تربط أنقرة بكلا البلدين.

وأوضحت أن إثيوبيا طلبت تحديدا وساطة تركيا، وهو ما رحب به الصومال ترحيبا حارا.

وأضافت: "الصومال حليف رئيسي في سياسة تركيا تجاه أفريقيا، وتربطها علاقات بإثيوبيا تعود إلى عهد الإمبراطورية العثمانية".

وتنبع مكانة تركيا بصفتها وسيطا موثوقا به من سياستها الإفريقية الشاملة التي تشمل مشاريع إنسانية وتنموية واسعة النطاق، وفرصا تعليمية للطلاب الأفارقة، وروابط تجارية واستثمارية قوية.

وذكرت تبجيكلي أوغلو أن لتركيا سفارات كثيرة في الدول الإفريقية، وتُسيّر خطوطها الجوية رحلات إلى وجهات متعددة في أنحاء القارة.

ولفتت إلى أن منظمات غير حكومية ومؤسسات عامة تركية تشارك أيضا في مشاريع إنسانية وتنموية واسعة النطاق، بما في ذلك توفير فرص تعليمية للطلاب الأفارقة.

وقالت الأكاديمية: "إذن، لم يحدث هذا بين عشية وضحاها. إنه نتاج استراتيجية تركيا تجاه إفريقيا، وهي استراتيجية شاملة، تغطي العلاقات التجارية، وعلاقات الاستثمار، والتعاون الأمني، ومرافق التدريب، وغيرها".

وتابعت: "هذا جعل تركيا جهة فاعلة موثوقة لدى العديد من الدول الإفريقية".

في حين، أكدت جوخدار على عنصرين أساسيين يجب أن يتمتع بهما الوسطاء يتمثلان في "الحياد والموارد".

وأوضحت أن وساطة تركيا تتعزز بحياديتها وقدرتها على تقديم موارد وحلول فعّالة.

وأشارت إلى أن من العوامل الأخرى التي تُحفز الأطراف المتنازعة على طلب وساطة تركيا موقعها الجغرافي وقربها من مناطق النزاع.

وأشارت إلى أن العوامل المتعلقة بالهوية، كالروابط الثقافية والتاريخية، تسهم بصورة كبيرة في نجاح جهود الوساطة التركية.

وأردفت: "كانت هذه إلى حد كبير المزايا التي قدمناها للوساطة بين أفغانستان وباكستان، على سبيل المثال".

ويعكس دور تركيا في الوساطة العالمية استراتيجيةً طويلة الأمد، مدعومة بالحيادية، والروابط التاريخية، والإبداع الدبلوماسي، والموقع الجغرافي الاستراتيجي.

ومع استمرار الصراعات العالمية، يرى محللون أن مساعي أنقرة الدبلوماسية تبرز القيمة الحاسمة للوساطة الفعالة، وتوضِّح بروز تركيا لاعبا لا غنى عنه في جهود بناء السلام الدولية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın