تونس تغرق في جدل حول "وثيقة انقلاب" (تحليل)
-رئاسة الجمهورية تتبرأ من الوثيقة المسرّبة، وتعتبرها مفبركة - مستشار الرئيس وليد الحجام: توقيت نشرها غير بريء، وتقف وراءها جهات تريد مسّ هيبة الدولة

Tunisia
تونس/ يسرى ونّاس/ الأناضول
-رئاسة الجمهورية تتبرأ من الوثيقة المسرّبة، وتعتبرها مفبركة
- مستشار الرئيس وليد الحجام: توقيت نشرها غير بريء، وتقف وراءها جهات تريد مسّ هيبة الدولة
-المحلل طارق الكحلاوي: أولوية من سرّب الوثيقة هي الاستثمار في الصراع السياسي في تونس
-المحلل كمال الشارني: ننتظر لنتأكد أن هناك تغييرا حقيقيا في خطب الرئيس المقبلة تجاه خصومه ومنافسيه
من داخل قصر الرئاسة بقرطاج، يُثار جدل بعدما نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، الأحد، وثيقة "مسرَّبة" تحدثت عن مزاعم "انقلاب" تدبره الرئاسة التونسية ضد الحكومة الحالية.
وثيقة سُرِّبت في وقت بدأت فيه ملامح انفراج الأزمة السياسية تلوح في الأفق، بعد قبول الرئيس قيس سعيد أواخر الشهر الماضي بالحوار الوطني، وهو ما وصفه كثيرون "بالخطوة الإيجابية".
وعلى الرغم من أن الوثيقة المسرّبة وضعت الرئاسة مجدداً في محل "إحراج"، فإن الأخيرة نفت صحتها وأي علاقة بها.
رئيس الجمهورية خرج عن صمته بعد أيام من نشر الوثيقة، وأكد خلال لقاء جمعه بوزير الدفاع إبراهيم البرتاجي وبرئيس الحكومة والمكلف شؤون وزارة الداخلية هشام مشيشي، أنهم (الرئاسة) "ليسوا دعاة انقلاب ولا دعاة خروج عن الشرعية"، بل "دعاة تكامل بين المؤسسات".
أما مستشار الرئيس وليد الحجام، فاعتبر أن توقيت نشر هذه الوثيقة "غير بريء" و"تقف وراءه جهات لا تريد الخير لتونس وتعمل على التشويش وعلى "ترذيل" مؤسسة رئاسة الجمهورية ومس هيبة الدولة.
وأضاف أن "الوثيقة المزعومة تتضمن أخطاء شكلية لا يمكن أن تصدر عن الرئاسة ولم ترد عليها، ونحن ننفي نفيا تاما ما ورد في مضمونها، وننزه أنفسنا عن مثل هذه الأساليب التافهة والساذجة".
** دفاع عن النفس
وفي حدبث لـ "الأناضول"، قال المحلل السياسي طارق الكحلاوي إنّ "الرئيس قيس سعيد أراد قطع النّقاش حول موضوع الوثيقة المسربة حتى لا يذهب في اتجاهات أخرى، خاصّة لجهة التّشكيك في تمسكه بتطبيق الدّستور".
وأوضح: "هناك نقطة كثيرا ما ركز عليها الرئيس، وهي أنه وعلى الرغم من عدم اتفاقه مع الدستور الحالي، فإنه أقسم على احترامه".
وزاد: "سياسيا، فإن سعيد في موقع دفاعي أمام هذه الحملة ضده، ولكنه في الوقت ذاته حافظ على التسلسل الوظيفي حتى أنه استقبل هشام مشيشي كوزير داخلية".
ورأى الكحلاوي أن "سعيد في موقف دفاعي، وقد يحمل تغير لهجته تكتيكا أو انحناء في وجه العاصفة، لا سيما أنه قبل أسبوعين كان هناك قبول واتجاه نحو إجراء حوار وطني للخروج من الأزمة الحالية".
وأشار إلى أن لرئيس الجمهورية "رؤية ما زالت واضحة للأزمة، وتفيد بأن الفريق الحكومي الحالي غير قادر وغير مؤهل لمواجهة الأزمات التّي تمر بها البلاد، وهو رأي جزء من التونسيين".
في السياق ذاته، اعتبر المحلل السياسي كمال الشارني، لـ "الأناضول"، أن "سعيّد الآن في موقف دفاع، إذ الأصل كان على الرئاسة المسارعة بالنفي وطلب نشر تكذيب رسمي في الصحيفة البريطانية إذا كانت الرسالة مزورة أو أن الرئاسة لم تتلقها أصلا."
وتابع الشارني أن "تغير اللهجة والخطاب، وحتى المفردات لدى الرئيس ليس عفويا، وليس لدي شك في أن هناك من نصحه بذلك لما تخلفه خطبه عادة من إحساس بالتشنج والغموض والتهديد وتقسيم التونسيين."
وقال: "علينا أن ننتظر لنتأكد أن هناك تغييرا حقيقيا وعميقا في خطب الرئيس المقبلة تجاه خصومه ومنافسيه."
** استثمار في الصراع السياسي
غير أن الكحلاوي رأى أن "أولوية من سرّب الوثيقة هي الاستثمار في الصراع السياسي في تونس، إذ كانت هناك بوادر حوار بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان في الفترة الأخيرة، ومن شأن مثل هذه التسريبات أن تعطل ذلك، ومن نشرها لا يريد أن تحدث توافقات سياسية في البلاد."
ولفت إلى أن "من يعتبر أن تصريحات الرّئيس تحمل اعترافات ضمنية بصحة الوثيقة فهو يمارس مغالطات.. فسعيد أخذ مسافة من الوثيقة، وقال إنه لا علاقة لها بمؤسسة الرئاسة".
وتابع الكحلاوي: "حتى وإن أرسلت الوثيقة من خارج الديوان الرئاسي، فمن الواضح أن من أرسلها أضاف عليها بعض المؤثرات كعبارة سري مطلق (شكليا لا تتطابق مع ما هو معتمد في وثائق الرّئاسة)".
وفي هذا الصدد، قال الشارني: "صحيح أن الرسالة لا تحمل أي علامة رسمية أو مرجعا إدارياً على مصدرها أو متلقيها، لكنها مثيرة للشبهات والشكوك في ظل اللغط القوي الذي نسمعه عن توسيع صلاحيات الرئيس في قانون الطوارئ والفصل 80 من الدستور، وكان على الرئاسة أن تتبرأ منها بقوة ووضوح."
** نصف اعتراف
وأضاف الشارني: "فوجئنا بنصف اعتراف من الرئيس بأن ما يسمى بوثيقة "مشروع الانقلاب" قد تكون تسربت من القصر، وذلك حين هون من مسؤوليتها بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية، على أساس أن تلقي رسالة لا يحمل متلقيها مسؤولية ما فيها."
وأضاف: "شخصيا، لم أستغرب هذا الاعتراف الجزئي حين نتذكر أن الرئاسة لم تسارع بالإعلان عن نيتها مقاضاة مروجي الخبر أو الإشاعة أو عن تتبع الصحيفة البريطانية".
وتابع: "لم يصل سعيد إلى إقرار واضح بأن هذه الوثيقة تسربت من قصر قرطاج، لكنه قال إن تلقي الرسائل لا يحمله أية مسؤولية، وهو نصف اعتراف بأن هذه الرسالة قد تكون وردت فعلا على مصالح رئاسة الجمهورية."
وزاد: "أعتقد أنه (رئيس الجمهورية) لا يجيب على السؤال الحقيقي، وهو هل طلبت الرئاسة مثل تلك الاستشارة من أحد ما؟ وهنا تمكن خطورة المسؤولية".
** صراعات داخلية
كما اعتبر الشارني أن "العلاقة بين الرئاسة وبقية مؤسسات الدولة لا تخلو من صراعات مباشرة وخفية، وضرب تحت الحزام بالوكالة. هذا أصبح عاديا في ظل تنامي التسريبات والوثائق منذ أعوام في إطار الحروب بين السياسيين والمتنفذين في البلاد."
وتابع: "إن تسريب مثل هذه الوثيقة يهدف إلى إحراج الرئيس وخصوصا من حوله من المستشارين والحلفاء السياسيين بإظهارهم في صورة من يتآمر على الانتقال الديمقراطي ويعمل على نصب الفخاخ والمكائد لخصومه السياسيين، خصوصا حين يحدث ذلك في ظل الانقلاب على الديموقراطيات الناشئة وآخرها في مالي".
واعتبر الشارني أن "الصراع داخل القصر الرئاسي موجود وعادي، وقد بدأ مع بداية فترة الرئاسة، وتمثل جليا في رحيل مجموعة كبيرة من المستشارين كانوا مقربين من قيس سعيد".
"وعلى الرغم من الصمت الذي أحاط باستقالاتهم والتزامهم واجب التحفظ الذي نحترمه، فإننا لا نفهم تلك الاستقالات إلا أنها نتيجة صراعات عميقة في القصر"، وفق تعبير الشارني.
وعبر الكحلاوي، في السياق ذاته، عن أمله بأن "لا يضرب الجدل حول الوثيقة المسربة مسار الحوار الوطني. فلا يمكن تغيير هذه الحكومة من دون حوار بين الأطراف الرئيسية المنتخبة".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.