"ناس الغيوان" المغربية.. موسيقى بنبض الشباب "المتمرد" (فيديو)
على إيقاع اللحن الصوفي، وكلمات تنتقد الحال السياسي والاجتماعي، وأخرى تتغنى بأصالة المغرب وتراثه، ماتزال فرقة "ناس الغيوان'' الموسيقية، تحظى بشعبية واسعة، بل ويعدها المغاربة رمزا من رموزهم الموسيقية.

سارة آيت خرصة
الرباط ـ الأناضول
على إيقاع اللحن الصوفي، وكلمات تنتقد الحال السياسي والاجتماعي، وأخرى تتغنى بأصالة المغرب وتراثه، ماتزال فرقة "ناس الغيوان'' الموسيقية، تحظى بشعبية واسعة، بل ويعدها المغاربة رمزا من رموزهم الموسيقية.
ففي نهاية السيتينات القرن الماضي، ومع بداية حقبة سياسية مضطربة في تاريخ المغرب اتسمت بالاستقطاب الحاد بين المعارضة اليسارية والملكية، ظهرت فرقة "ناس الغيوان" في ضواحي مدينة الدار البيضاء (وسط) كأول مجموعة غنائية في المغرب تنخرط في النقد السياسي.
وأسسها عدد من الأصدقاء جعلوا من الموسيقى وعزفهم على آلات موسيقية قريبة من النغم الإفريقي ولموسيقى "كناوة" القادمة من جنوب الصحراء، وسيلة لمواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية التي عاشها المغرب خلال تلك المرحلة.
ولم يخطر على بال الرفاق المؤسسين أن القصائد والألحان التي كانوا يكتبونها ويستوحون معانيها من واقع الحال، سيكون لها وقع "شديد" على الجمهور، لتصير فرقة "ناس الغيوان" بعد سنوات قليلة إحدى أشهر المجموعات، حيث ستحيي حفلات في كافة ربوع المغرب وتستقطب آلاف المعجبين.
وبأسلوب مختلف عن المعتاد، بدت الفرقة المغربية متمردة على بعض قيم مجتمعاتها، مطالبة بمزيد من الحرية؛ ما أهلها لتكون لسانا ناطقا بحال الكثير من أوجاع الشباب المغربي، وآماله.
كان الرفاق، بوجميع أحكور، العربي باطما، وعلال يعلي، وعمر السيد، عبد الرحمن قيروش "باكو"، يعتلون خشبات المسارح، تارة يسخرون من واقعهم السياسي، وتارة يفصحون عن تضامنهم المطلق مع القضايا العربية الكبرى، وحينا آخر يغنون لحياة جميلة ولأحلام الشباب في غد أفضل.
ومن أبرز أغانيها التي عبرت عن هذه الحالات: "سبحان الله"، "ضايعين"، و"مهمومة".
يقول عمر السيد، أحد مؤسسي الفرقة لمراسلة الأناضول، إن المجموعة "انخرطت في التعبير عن هموم الشارع المغربي، وواكبت كل الانعطافات التاريخية التي شهدها، كانت أغانيها اللغة المنطوقة للشباب الذي كان يأمل في غد أفضل، لكنها لم تعبر يوما عن قناعة سياسية، بل شدت ألحانها حزن المغربي وفرحه".
وعبر السيد عن إعجابه بالأشكال الجديدة التي يفصح بها شباب اليوم عن أنفسهم كموسيقى "الهيب هوب" وغيرها من الأنماط الموسيقية الحديثة، التي رغم الجدل المثار حولها، تبقى "طريقة تبوح بها الأجيال الحالية بما يعتمل صدورها وما يخامر بالها".
وأعضاء الفرقة الذين أسسوا لونا غنائيا خاصا في المغرب، غيبهم الموت تباعا، ولم يبقَ منهم سوى الفنان عمر السيد الذي يقول إنه حريص على الحفاظ على إرث هذه المجموعة والوفاء لذكرى أصدقائه.
ويلقبه فنانون مغاربة ب"حارس الغيوان".
وعن تأثير "موسيقى الغيوان" في الشارع المغربي يقول عبد الجليل، سائق سيارة أجرة في الرباط، ويبلغ من العمر 56 عاما إنها "جزء من هوية المغرب الثقافية.. أتذكر تلك الحشود الغفيرة التي كان تستمع بنوع من الوجد الصوفي إلى ألحان موسيقاهم الروحية".
ويضيف عبد الجليل للأناضول، أنه طوال يوم عمله، يجول شوارع المدينة يستمع لموسيقى الغيوان، يرخي السمع متأملا ومتذكرا زمن الشباب الذي انقضى، والذي ارتبط لديه بالشغف لملاحقة السهرات الحاشدة التي كانت تقيمها المجموعة.
أما محمد الطالب بكلية القانون في جامعة محمد الخامس (27 سنة) في الرباط فيقول إن "أن أجواء الحراك السياسي الذي شهده المغرب مع بداية الربيع العربي، أعادت للساحة الفنية والثقافية المغربية، حضور الأغنية الملتزمة ذات البعد السياسي والاجتماعي.. لتظهر أصوات موسيقية تنتقد الأوضاع السياسية وتسلط الضوء على طموح الشباب المغربي في مستقبل أفضل".
ويعتبر محمد أن ظاهرة مجموعة "ناس الغيوان" ليست فريدة في تاريخ الموسيقى المغربية "بل متى انعطف المجتمع والساسة استعدادا لمرحلة انتقالية ظهرت موسيقى من أبناء الشعب وبأصواتهم تعبر عن خصوصية كل مرحلة".
وفي إحدى المقاهي الشعبية بالعاصمة الرباط، تتسلل إلى مسامع المارة نغمات آلة "البانجو" ذات الأصول الإفريقية، تليها موسيقى صاخبة على الإيقاع المغربي، وتتبعها كلمات الأغنية الغيوانية: "مهمومة هذه الدنيا مهمومة...مات الرجال برسائل ملغومة".
ثم يرتفع إيقاع الموسيقى لتصير أقرب لعبارات احتجاج تردد تباعا، ممزوجة بتصفيق متلاحق.
وتذيع الإذاعات المغربية في أوقات متفرقة من اليوم مقاطع من أغاني الغيوان، فما تزال موسيقاهم تؤسس فضاءات المقاهي الشعبية، وتلهم ذاكرة كل من عاصر فترات أوجهم.