archive, الدول العربية

"جمانة".. الأم متوفاة والأب في أسر إسرائيل

تقص عليها حكاية ما قبل النوم، تدندن لها كي تنعس، وبعد أن تطمئن لنومها تنسحب بهدوءٍ إلى الخارج، لكن فجأة يرتفع الصوت الصغير: "ماما، ابقي معي، أرجوكِ لا تتركيني وحيدة".

17.04.2013 - محدث : 17.04.2013
"جمانة".. الأم متوفاة والأب في أسر إسرائيل

علا عطا الله
غزة ـ الأناضول

تقص عليها حكاية ما قبل النوم، تدندن لها كي تنعس، وبعد أن تطمئن لنومها تنسحب بهدوءٍ إلى الخارج، لكن فجأة يرتفع الصوت الصغير: "ماما، ابقي معي، أرجوكِ لا تتركيني وحيدة"، تعود الأم إلى فراش صغيرتها ولا تغادره في هذه الليلة وما يليها من ليالٍ.

فالطفلة "جمانة أبو جزر"، صاحبة العشرة أعوام، باتت ترتعب من "الفراق"، بعد أن زجت إسرائيل بوالدها في الأسر، وتوفيت والدتها بمرض التهاب الكبد الوبائي.

قبل سنوات، عادت هذه الصغيرة الوحيدة من روضتها لتسأل جدتها بدهشة وذكاء: "كيف تكونين أمي وأم والدي؟".

حينها، باحت "الجدة الأم" بحكايتها لابنة الأربع سنوات، وكشفت عن السر الذي احتفظت به لأعوام كي تعوض الصغيرة "الحنان" الذي فقدته، فصارت لها "الأب" و"الأم".

تكبر الطفلة في أحضان جدتها، وعلى لسانها لا يتوقف نداء: "ماما ", لا بل هي "ماما, وبابا, وعمي, وأخي, وأختي، وكل الدنيا"، كما الصغيرة لـ"الأناضول".

وبلغة أكبر من عقدٍ واحد، هو عمرها، تتساءل بصوتٍ انعكست حرقته على عينيها اللتين بدتا كزهرة ذابلة: "جدتي مسنة ومصابة بالضغط والسكري، ولا تقوى على الحراك, ولا أب لي ولا أم ولا جد ولا أخ ولا أخت.. ليس لي بعد الله سوى جدتي، فماذا سيكون مصيري لو حدث لها أي مكروه؟!".

لا شيء تريده هذه الطفلة سوى أن تكون كبقية صغار العالم، الذين ينعمون بأم وأب، يقبلانها قبل النوم، ويشتريان لها الحلوى، وعلى باب المدرسة ينتظران طلتها.

وتقول "جمانة": "أمي توفيت وعمري أربعة أشهر، وفي العام ذاته أسر الاحتلال أبي، واستيقظت وأنا أنادي جدتي بماما.. أنا أحبها كثيرًا، وهي كل حياتي، لكن أخاف أن أفقدها، فهي مريضة جدًا".

وقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية "علاء أبو جزر"، وهو من محافظة رفح بقطاع غزة، في يناير/ كانون الثاني عام 2001، على معبر رفح، الذي كانت تسيطر عليه إسرائيل، بينما كان يرافق والده، المصاب بالفشل الكلوي، إلى رحلة علاج بالخارج، وفي عام 2003 قضت عليه محكمة إسرائيلية بالسجن 18 عامًا بتهمة المشاركة في أعمال عسكرية ضد الجيش الاسرائيلي.

وبعد اعتقاله بأشهر قليلة توفيت والدة "جمانة"، ليحملها الجد بين أحضانه كـ"أب" وتكون الجدة "أمها"، غير أن المرض باغت الجد، وخطفه الموت من "جومانة".

ثم توالت أحزان عائلة "أبو جزر" باستشهاد ابنه "أيمن" في فبراير/ شباط 2009، والذي كان الأب البديل للصغيرة.

تمسح "جمانة" دمعة سالت على خدها، وهي تمضي في سرد حكايتها لـ"الأناضول": "يحرمني الاحتلال من رؤية أبي ..لا أحفظ تفاصيل وجهه إلا من خلال صورة صغيرة.. كل صباح أقبل صورته، وأخبره بحصولي على العلامات الكاملة في كافة المواد الدراسية.. أتخيله يحضنني ويحمل لي الهدايا".

كم تتوق الصغيرة إلى زيارة والدها في سجن "نفحة" الإسرائيلي، ولكن في كل مرة ترفع إدارة مصلحة السجون في وجهها سيفاً عنوانه "مرفوضة أمنياً".

هذا الرفض المذيل بذاك التوقيع يدفعها إلى الابتسام بسخرية: "هل أشكل أنا خطرًا على أمنهم ! بأي حق يتم منعي من رؤية أبي، واحتضانه!".

طيلة أعوام أسره لم تتمكن حتى أم الأسير من رؤيته سوى مرة واحدة انتهت بسقوطها على الأرض.

"أم علاء"، جدة جمانة وأم الأسير المثقلة بالشوق لابنها وبأمراض تنخر جسدها، تقول لـ"الأناضول": "ذهبت إلى زيارته بعد تسعة أعوام لم أره فيها، فلقد كنت على قوائم المنع، وبعد أن تم السماح لي تشبثت بي جمانة وأخذت تصرخ: خذيني معك أرجوكِ ماما.. أريد أن أراه.. في السجن، وما إن رأيت ابني حتى طلت صورة جمانة أمامي، وهي تصرخ، فسقطت أرضًا".

صاحبة العقد السابع تصف جمانة بـ"الأميرة والطفلة الذكية جدًا والحساسة، دائمة السؤال عن أبيها".

وتمضى الجدة في حسرة: "ومن لها بعدي؟.. أريد أن أسلم ابني الأمانة (جمانة)، فالمرض يشتد بي، وجمانة وحيدة، لا أحد لها إلا الله.. كلما أصابتني وعكة صحية أقعدتني الفراش تمسك جمانة بيدي ولا تتركها.. وتظل تبكي وهي تقول: لا ترحلي كما فعلوا وتتركيني وحيدة".

وإن كان جرح "يتيمة الأم، أسيرة الأب" يبدو أكثر وجعًا، فإن الآلاف من أبناء الأسرى يرددون أيضًا النداء ذاته، ويصرخون في وجه زنازين الموت والانفراد لرؤية آبائهم.

ووسط صيحات التحذير، التي تطلقها المؤسسات الحقوقية والإنسانية الفلسطينية والدولية، يأمل الفلسطينيون في الإفراج عن 4750 أسيرًا يعانون التعذيب اليومي والإهمال الطبي.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın