"القطار العثمانى" فى سيناء.. لا يزال حاضرًا!
مشروع لا تزال آثاره باقية، وكان بدأ في آواخر الدولة العثمانية للربط بين مصر وفلسطين بخاصة وبين الدول العربية في آسيا وأفريقيا بشكل عام.

محمد أبو عيطة
سيناء (مصر) - الأناضول
على مسار وادي السيسب التابع لمركز الحسنة بوسط شبه جزيرة سيناء المصرية، ترى آثارًا تعود لقرن مضى، تحكي عن محاولة عثمانية طموح لم تكتمل لوصل الأقطار العربية.
عام 1916 كانت بداية ونهاية هذه المحاولة التي تمثلت في خط للسكك الحديدية استهدف الربط بين فلسطين ومصر بشكل خاص ولتسهيل التواصل بين البلاد العربية في آسيا وأفريقيا بشكل عام.
والربط بين تلك البلدان لم يكن الفائدة الوحيدة لذلك الخط العثماني حيث كان سيصير أيضا شريانًا للحياة في صحراء سيناء القاحلة، وربما كانت الصورة تتغير في سيناء وتمتلئ بالحياة لو اكتمل ذلك المشروع آنذاك.
لكن أصحاب فكرة المشروع رحلوا فجأة عن المكان لأسباب تتعلق بدخول تركيا في الحرب العالمية الأولى.
ويبدو أن العام 1916 كان عامًا حزينًا على أحلام العثمانيين لخلق قنوات اتصال من السكك الحديدية بين الدول العربية، ففي نفس العام أيضا توقفت عن العمل، بعد تعرضها للتخريب بسبب معارك الحرب العالمية الأولى، "سكة حديد الحجاز" التي أنشأتها الدولة العثمانية لتربط بين العاصمة السورية دمشق والمدينة المنورة بأرض الحجاز، لخدمة حجاج بيت الله الحرام.
عام 1900 بدأ العمل بسكة الحجاز وافتتحتها الدولة العثمانية عام 1908، لكنها لم تمكث لأكثر من 8 سنوات، كانت تعمل خلالها على ذلك الخط 132 قاطرة و1700 شاحنة، وتمت عدة محاولات لم تكتمل لإعادة إحياء الخط في القرن الماضي، بينما تعمل بعض قاطراته التاريخية حتى الآن في سوريا والأردن، فيما يعاني من إهمال شديد في السعودية وتكاد تمحى آثاره.
وبالعودة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وفي منطقة فضاء شاسع لا تقطع الرؤية فيه إلا جبال بعيدة، في وادى السيسب الذى يعتبر أحد أهم الأودية الجافة بسيناء، رصد مراسل "الأناضول" ما تبقى من إنشاءات الخط العثماني التي لا تزال تتحدى الزمن بمتانتها.
تلك المشاهد وصفها جمعة أبو الندا، وهو باحث ومدون من أبناء وسط سيناء، بأنها "عبارة عن كباري شيّدت فوق مسار وادى السيسب، ليعبر من عليها القطار، إضافة إلى مواقع أفران كانت تستخدم لتقطيع الأحجار وإعادة تشكيلها وخلط الإسمنت، وأكوام من الحجارة المحروقة".
ويضيف أبو الندا متحدثا لمراسل وكالة "الأناضول" أن المتواتر بين الأهالي حتى الآن أن "الأتراك قدموا إلى هذا المكان حوالى عام 1916، وأقاموا معسكرًا للعمل، بجواره فرن كبير يستخدم لإنتاج الإسمنت، ويتم البناء بحجارة تنقل من الجبال المجاورة على ظهور الجمال والبغال، وكان يشرف على العمل مجموعات متفرقة من المهندسين، يستعينون في أعمالهم ببعض البدو".
ويلفت إلى أن المهندسين المشرفين على المشروع كانوا "يعتمدون على إنشاء مسارات (كباري) فوق مجارى الوديان، وشق الجبال أمام الطريق المقرر لسير القطار، وكل تلك الأعمال آثارها باقية إلى اليوم لكن المشروع توقف فجأة، ورحل الأتراك عن المكان، وتركوا إنشاءاتهم وأفرانهم مشتعلة بخليط الإسمنت، ومما يؤكده البدو قاطنو المكان أن النيران ظلت مشتعلة والأحجار تحتفظ بحرارتها لعدة شهور، وهذا دلالة على دقة المهارة".
يضيف الباحث السيناوي أن هذا المشروع "كان ضمن مراحل عدة لتوصيل خط السكة الحديد من فلسطين إلى مصر، ولو تم كان سيغيّر كثيرًا من معالم المنطقة التي تخلو تمامًا من مرافق الخدمات العامة، وكل من يصل إلى هذا الموقع يتعجب كيف وصل إليه الأتراك واستطاعوا أن يقيموا تلك المباني في طبيعة تغلب عليها صعوبة التضاريس وفي وقت لم تكن وسائل النقل والإعاشة بالسهولة الممكنة اليوم".
أكوام الصخور والإنشاءات الباقية إلى اليوم كما عاينتها "الأناضول"، تحولت إلى مساكن للبدو القاطنين في تلك المناطق، الذين يقاسون ظروفًا معيشية صعبة.
وقام بعضهم باستكمال الحوائط، وكونوا منها غرفًا للمعيشة، وآخرون استفادوا من أحجارها الضخمة، ونقلوها إلى مواقع أخرى مكونين منها بيوتا إسمنتية.
اشتيوى أبو سليمان الترابين، أحد سكان وادي السيسب، قال لمراسل الأناضول: "قمت بتحويل أحد تلك الإنشاءات إلى منزل خاص بي مكون من غرفتين، مستفيدًا من قوة أحجاره الصلدة، وهناك من أهل المنطقة كثيرون قاموا بنفس العمل".
بدورهم، نقل أبناء قرية المنبطح، التي تبعد عن هذا المواقع بنحو 15 كيلومترًا، كميات كبيرة من أحجار تلك الإنشاءات، وبنوا منها مسجد القرية الوحيد في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وبقيت الآثار تطل على مجرى وادى السيسب في سيناء، تراقب السيول القادمة من منحدرات جبال "قديس" الحدودية مع فلسطين لتصب بالوادي في موسم الأمطار.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.