"السامعون بأعينهم" يهزمون الإعاقة على المسرح (فيديو)
يقول مؤسس الفرقة إن الصم والبكم في مصر يبلغ عددهم 3 ملايين شخص، يعانون من ضعف التواصل الاجتماعي والثقافي مع المحيطين.

كوثر الخولي
القاهرة - الأناضول
في كواليس مسرح "مركز طلعت حرب الثقافي" بالقاهرة، يتجمعون.. يخفون توترهم بابتسامات وإشارات لا يفهمها سواهم.. تلمع عيونهم بشغف نحو اللحظة الحاسمة لانطلاق العرض.
30 شابًأ وفتاة في عمر الزهور من الصم والبكم، يستعدون لمواجهة الجمهور الذي حضر لمشاهدة العرض المسرحي الذي تقدمه فرقة الصامتون للأداء الحركي.
لم تفتر عزيمتهم بسبب طول المسافة بين مقر إقامتهم في مدينة المحلة الكبرى، والتي تبعد عن العاصمة المصرية 110 كيلومترات، بل زاد عناء السفر من حماسهم، فالقاهرة بالنسبة لأهل الفن والإبداع هي مركز الشهرة والنجومية.
وفي قاعة العرض المسرحي مختلطين بالجمهور ينتظرهم بعض من ذويهم، يملؤهم السرور والفخر بموهبة أبنائهم، فمع كل عرض جديد يمحى حزن قديم عالق في الذاكرة حينما تم اكتشاف أن الصغير محروم من نعمة السمع والكلام.
تقول والدة إحدى بطلات العرض والدموع تلمع في عينيها الطيبتين "لم يخرج الحزن من قلبي منذ أن علمت بإعاقتها، فكنت دائمة البكاء على مصيرها الذي تسطره إعاقتها، وكان ما يعتصر قلبي هو تقوقعها على ذاتها، وانفصالها عن من حولها".
وتضيف "تغيرت حياتها تماماً بعد انضمامها لفرقة الصامتون، فأصبحت أكثر انفتاحاً على العالم، وأكثر تواصلا مع المحيطين بها، وتفتحت البسمة في وجهها".
ويستقبل الجمهور المتطلع لمشاهدة التجربة المسرحية الجديدة أفراد الفرقة بتصفيق حاد تشجيعاً لهم، ولم يخفوا تأثرهم وإعجابهم بقدرة الفنانين الشباب على الاداء الحركي بتناغم وتناسق مع الموسيقى الصادرة في خلفية العرض والتي يسمعها الجمهور ولا تصل للراقصين أنفسهم، ورغم ذلك يستطيعون أداء اللوحات الراقصة عليها بقدرة وبراعة.
يقول المخرج رضا عبد العزيز مؤسس الفرقة لمراسلة الأناضول "بدأت رحلة الفرقة منذ عام 2005 في مدينة المحلة الكبرى، وكان عدد أعضائها 5 أفراد فقط، جمعتهم من إحدى المدارس المتخصصة للصم والبكم، والتي كنت أعمل بها في بداية تخرجي، وجاءت لي الفكرة حينما شاهدتهم يقومون بأداء بعض المواقف التمثيلية بلغة الإشارة في حصة الفنون بالمدرسة، فقررت أن أكون منهم فرقة للأداء الحركي على أنغام لا يسمعونها، مما دفع زملائي لاتهامي بالجنون"، ويضيف باسماً بثقة "ولكنني فعلتها".
ويناقش العرض المسرحي "رفقاً بالقوارير" والذي تقدمه الفرقة حالياً، وصورت الأناضول مقاطع منه، قضية العنف ضد المرأة وذلك من خلال عرض إنساني يلقي الضوء على ثلاث أشكال من العنف تمارس ضد النساء؛ وهي زواج القاصرات، الاغتصاب والتحرش الجنسي، وأخيرا العنف الجسدي.
ويقوم أعضاء الفرقة من الصم والبكم، بطرح القضية من خلال ثلاث لوحات تعبر عن هذه المعاني حيث تقف خلفهم ثلاثة فتيات يخرجن كفوفهن من فتحات صغيرة من تلك اللوحات، ثم يخرجن مرتديات الفساتين البيضاء من خلف اللوحات ويقدمن بعض الرقصات التي تعبر عن الفرحة والبراءة، ثم يأتي ثلاثة فتية يرتدون الأسود، يقومون بأداء رقصات تعبيرية توحي بالعنف تجاه هؤلاء الفتيات، ثم تظهر إحدى الفتيات التي ترتدي زي الملاك الحارس، وتأتي لهم بمرآة ليروا أنفسهم وما يفعلونه، فيشعرون بالندم ويرفعون أيديهم نحو السماء للاستغفار.
وحول الطريقة التي اجتاز بها صعوبات التواصل بينه وبين أعضاء الفرقة -باعتباره لا يعاني من أي إعاقة- يقول عبد العزيز "في البداية لم أكن أفهم لغة الإشارة، وكنت ألحظ حدة ذكائهم، والذي يظهر في بريق أعينهم، لهذا أطلقت عليهم لقب (السامعون بأعينهم)، ولإعجابي بهم ورغبة في التواصل معهم بدأت تعلم لغة الإشارة حتى أصبحت واحداً منهم، واستطعت تجاوز الحاجز الأول الذي يفصلني عنهم".
ويستطرد قائلا "بدأت في البحث عن فكرة لاجتياز الحاجز الثاني وهو كيف سأجعلهم يسمعون الموسيقى ليتمكنوا من الرقص عليها، فشاهدت فيلم أجنبي يحكي قصة حياة الموسيقار العالمي بيتهوفن الذي كان أصماً وبحث عن طريقة للتعلم الذاتي، حيث تغلب على ذلك باستخدام أسلوب (الاتصال العظمي)، فيقوم بوضع رأسه على جسم البيانو ليشعر عظم الجمجمة بالذبذبات الموسيقية الصادرة من البيانو نتيجة عزفه".
ويتابع متحمساً "قمت بعد ذلك بتطوير أسلوب بيتهوفن ليتناسب مع طبيعة إعاقتهم، حيث ولدوا صماً ولا يمتلكون ذاكرة صوتية وموسيقية كالتي كان يمتلكها بيتهوفن، فاعتمدت على أسلوب الاتصال العظمي، ولكن عن طريق النقر على الكفوف والأكتاف بحيث يشعر الصامتون بالزمن الموسيقي للمعزوفات المصاحبة لعروضهم، ومن ثم ترجمت إحساسهم إلى عروض فنية ذات رسائل تهم الإنسانية."
ويضيف "عبد العزيز" مؤلف كتاب "الدراما والطفل الأصم" الحائز على إشادة منظمة اليونيسف: "منذ الصبا وأنا مهتم بالفلسفة وعلم النفس والبحث في النفس البشرية، وهذا ما دفعني في الكبر إلى اقتحام عالم الصم بهدف التعرف عليه ولمسه عن قرب، لأني شعرت أن هذه الفئة والتي يقدر عددها في مصر فقط بنحو 3 مليون أصم وأبكم، لديهم مرارة الشعور بالغربة في مجتمعهم ، فأردت أن أذهب إلى عالمهم كمستكشف لأسرار النفس البشرية".
وشاركت "فرقة الصامتون" في العديد من المهرجانات المحلية والدولية، كان آخرها في الهند.
ويشير عبد العزيز إلى أنه يستعد حاليا لتطوير تجربة فرقة الصامتين عن طريق دمج المعاقين المكفوفين في أحد العروض الفنية ولكن بشكل مختلف، حيث يتم الآن تكوين مجموعة من الموسيقيين المكفوفين، وسيقوم الصامتون بتقديم أحد عروضهم الراقصة على أنغام فريق المكفوفين الموسيقي، في رسالة واضحة لتحدي الإعاقة بالفن والابداع.
وبجانب "رفقا بالقوارير"، قدمت الفرقة عدد من العروض الفنية الأخرى منها: "نيران صديقة"، "دموع الفرح"، "كليوباترا"، "ملكة الملكات"، "أجنحة صغيرة".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.