Cape Town
كيب تاون/ مراد أوزغور كوندك/ الأناضول
- الجزيرة تعد من أبرز رموز المسار الذي انتقلت فيه جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري القمعي إلى الديمقراطية- سجن فيها إبان الفصل العنصري ثلاثة زعماء أصبحوا لاحقا رؤساء للبلاد نيلسون مانديلا وكاليما موتلانثي وجاكوب زوما
- باتت تستقبل آلاف الزوار سنويًا، لتأخذهم في رحلة داخل ذاكرة جنوب إفريقيا المجبولة بالألم والمقاومة
**توم موزس الذي سجن في الجزيرة:
- كانت منطقة عزل مطلق يُعاد فيها إنتاج العنف الجسدي والنفسي يوميا
- السجناء كانوا يعيشون في زنازين باردة، ويتعرّضون لسوء التغذية، ويُجبرون على العمل القاسي
- لم يكن مسموحا لنا بالتحدث داخل الزنازين، وللتواصل، كنا نطرق على الجدران
تُعد جزيرة "روبن آيلاند"، التي أمضى فيها رئيس جنوب إفريقيا الراحل نيلسون مانديلا 18 عاما من أصل 27 عاما في السجن، واحدة من أبرز الرموز الحية للمسار الذي انتقلت فيه البلاد من نظام الفصل العنصري القمعي إلى الديمقراطية، وباتت تستقبل آلاف الزوار سنويًا، لتأخذهم في رحلة داخل ذاكرة جنوب إفريقيا المجبولة بالألم والمقاومة.
الجزيرة الواقعة قبالة سواحل العاصمة كيب تاون احتضنت سجونا ذات حراسة مشددة، عاش فيها قادة النضال في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري تحت وطأة العزل والتنكيل، وهو ما جعلها شاهدًا على إحدى أكثر الحقب قتامة في تاريخ البلاد.
وجرى إدراج الجزيرة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 1999، وأصبحت وجهة تستقطب آلاف الزوار سنويا.
وأُقر نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا منذ 1948 ولم ينته إلا عام 1991، وحكمت من خلاله الأقلية البيضاء -المنحدرة من أصول أوروبية والتي تمثل ما بين 15 و20 في المئة فقط من السكان- الأغلبية السوداء ذات الأصول الإفريقية والهندية.

** سجنٌ ضمّ 3 زعماء بجنوب إفريقيا
تقع الجزيرة على بعد 11 كيلومترا من شواطئ كيب تاون، وتمتد على مساحة تناهز 5 كيلومترات مربعة، وتتسم بمناخها العاصف وصخورها الحادة وخلوّها من الغطاء النباتي، ما يجعلها معزولة تماما وسط مياه المحيط الأطلسي.
ومنذ القرن السابع عشر، استخدمها المستعمرون الأوروبيون موقعا للنفي السياسي، ومحجرا للحجر الجيري، ومركزا للحجر الصحي، ومستعمرة لمرضى الجذام، ومستشفى للأمراض العقلية، وقاعدة عسكرية.
أما في عهد الفصل العنصري، فتحولت إلى سجن شديد الحراسة لاحتجاز أبرز قادة النضال مثل أحمد كاثرادا، ووالتر سيسولو، وغوفان مبِكي، وروبرت سوبوكوي، كما شهدت سجونها اعتقال ثلاثة زعماء أصبحوا لاحقا رؤساء للبلاد وهم نيلسون مانديلا ( مايو 1994- يونيو 1999)، وكاليما موتلانثي (سبتمبر/ أيلول 2008 - مايو/ أيار 2009)، وجاكوب زوما (مايو 2009 - فبراير/شباط 2018).
ومع نهاية عهد الفصل العنصري، تحولت الجزيرة عام 1997 إلى متحف مفتوح يوثق شهادات تلك المرحلة السوداء.

**البعض أُعدم فقط لأنه طرق على الجدار
توم موزس، الذي سُجن في الجزيرة بين عامي 1976 و1985 ويعمل اليوم موظفًا فيها، روى في حديث للأناضول بعضًا مما عاشه السجناء من قمع وتعذيب.
وقال موزس إن الجزيرة كانت "منطقة عزل مطلق" يُعاد فيها إنتاج العنف الجسدي والنفسي يوميًا، فالسجناء كانوا يعيشون في زنازين باردة، ويتعرّضون لسوء التغذية، ويُجبرون على العمل القاسي تحت تهديد الحرمان من الكلام.
وأضاف: "لم يكن مسموحا لنا بالتحدث داخل الزنازين، وللتواصل، كنا نطرق على الجدران".
وتابع موزس: "كانت هذه الطرقات تُسجّل وتُرسل لعناصر الأمن لتحليلها وإذا اعتُبر أنها تحتوي على معلومات مشبوهة أو تنظيمية، كان السجين يُسحب إلى البر الرئيسي، وبعضهم أُعدم فقط لأنه طرق على الجدار".
وأشار إلى أن "السجناء الذين يرفضون العمل في المحجر كانوا يُحبسون 22 إلى 23 ساعة يوميًا في زنزاناتهم"، لافتا إلى أن "الصخور في المحجر تمثل الألم والإذلال والموت الذي تعرض له من سبقوا"، وأن "إحدى الصخور هناك تعود لمانديلا نفسه".

** الإيمان وحده أبقانا على قيد الحياة
وحول الأمراض التي أصابت السجناء نتيجة ظروف العمل القاسية قال موزس: "مانديلا عندما نُقل من الجزيرة عام 1982 كان رجلًا مريضًا؛ عانى السل وسرطان البروستاتا".
وأضاف: "اليوم يعاني الناجون من أمراض الرئة والكلى والبصر، وهي تركات سنوات العذاب".
وأردف موزس: "السجناء كانوا يسرقون الجرائد من العيادة كي يعرفوا ما يحدث خارج الأسوار"، وقال: "لو لم نفعل ذلك لكنا جاهلين تمامًا. كنا نخاطر لأن المعرفة كانت ضرورة للبقاء".
وختم موزس حديثه بالقول: "مع كل الإهانات والعنف والتعذيب، لم يبقَ معنا سوى الإيمان، هذا وحده هو ما أبقانا واقفين على أقدامنا".

**جزيرة تحتضن ضريحًا إسلاميًا
ووفق المصادر التاريخية، كانت جزيرة "روبن آيلاند" محطة للنفي القسري للمسلمين الذين جلبهم المستعمر الهولندي من منطقة الملايو، ومن بينهم العالم الجليل توان غورو، الذي أصبح أحد مؤسسي المجتمع المسلم في جنوب إفريقيا.
ولا يزال ضريحه قائمًا في الجزيرة، ويُعد من أبرز "الكَرامات" التي يزورها المسلمون في كيب تاون.

**زنزانة مانديلا.. الوجهة الأكثر جذبًا
ومن بين أكثر المواقع زيارة في الجزيرة زنزانة مانديلا الصغيرة التي عاش فيها 18 عامًا كاملة، وتبلغ مساحتها حوالي 5 أمتار مربعة، وتضم فرشًا بسيطًا للغاية مكون من بطانية على الأرض، وطاولة صغيرة، ووعاء طعام، ودلوًا يُستخدم كمرحاض.
كما تستقطب زيارة محجر الحجر الجيري اهتمامًا كبيرًا، إذ عمل فيه مانديلا ورفاقه لسنوات طويلة إلى أن فقد الكثير منهم قدراتهم الصحية.

**الوصول إلى الجزيرة
تبدأ الرحلة إلى روبن آيلاند من رصيف "ووترفرونت" في كيب تاون، حيث تُقلع القوارب على فترات منتظمة.
ويستمتع الركاب خلال الرحلة الممتدة لنحو 30 دقيقة بمناظر جبل الطاولة والمحيط الأطلسي، قبل الوصول إلى الجزيرة للقيام بجولة بالحافلة حول مرافقها، ثم جولة داخل السجن برفقة سجناء سابقين.
تستغرق الزيارة حوالي 4 ساعات، وتبلغ تكلفتها 600 راند (نحو 35 دولارًا) للبالغين و310 راند (18 دولارًا) للأطفال.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
