الدول العربية, التقارير

في "بئر حمص".. إسكافيو مصر يصارعون من أجل البقاء (تقرير)

مع غزو الأحذية المستوردة وارتفاع أسعار الخامات، عقب تحرير أسعار الصرف بموجب قرار حكومي في نوفمبر / تشرين الثاني 2016.

01.11.2018 - محدث : 02.11.2018
في "بئر حمص".. إسكافيو مصر يصارعون من أجل البقاء (تقرير)

Al Qahirah

القاهرة / الأناضول

على سطح إحدى البنايات القديمة في قلب العاصمة المصرية، يقبع المصري سيد رأفت و5 آخرون في ورش صغيرة متجاورة تعمل في صناعة الأحذية اليدوية، بمهنة تواجه اندثارا بعدما غزا المستورد أرجاء البلاد.

في حارة "بئر حمص" التابعة لحي باب الشعرية (وسط القاهرة)، وفوق كرسي خشبي مثبتة أمامه آلة خياطة تقليدية بحجرة قديمة مسقوفة بالصاج والأخشاب، يجلس "رأفت" الإسكافي، يحيك ما بيده ويتابع ما يفعله زملاؤه، ويحفز هممهم للانتهاء من إحدى الشحنات من أجل تسليمها للمعارض.

العمال الخمسة الآخرون كل منهم يسابق الزمن لينجز مهمته، فيسلم أحدهم قطع الجلد التي في يده لزميله برشاقة بعد أن ينتهي منها، لتدخل مرحلة أخرى قبل أن تصبح في النهاية حذاء منمقا، صنع باليد لم تتدخل فيه الآلات إلا في خياطة ما يحتاجه وجهه فقط.

بلهجة واثقة ويد تمرر الجلد أسفل إبرة آلة الخياطة، يقول رأفت لـ "الأناضول"، إن أسرته تعمل في صناعة الأحذية اليدوية منذ عشرات السنين، إلا أن عمه أنشأ هذه الورشة قبل 25 عاما، قبلها كانوا يعملون في ورش ليست مملوكة لهم.

في "بئر حمص".. إسكافيو مصر يصارعون من أجل البقاء
على سطح إحدى البنايات القديمة في قلب العاصمة المصرية، يقبع المصري، سيد رأفت، و5 آخرين في ورش صغيرة متجاورة تعمل في صناعة الأحذية اليدوية بمهنة تواجه اندثارًا بعدما غزا المستورد أرجاء البلاد. في حارة "بئر حمص"، التابعة لحي باب الشعرية، (وسط القاهرة)، وفوق كرسٍ خشبي، مثبت أمامه ماكينة خياطة تقليدية بحجرة قديمة مسقوفة بالصاج والأخشاب، يجلس "رأفت"، الإسكافي، يحيك ما بيده ويتابع ما يفعله زملاؤه ويحفز هممهم للانتهاء من إحدى الشحنات من أجل تسليمها للمعارض. العمال الخمسة الآخرون كل منهم يسابق الزمن لينجز مهمته، فيسلم أحدهم قطع الجلد التي في يده لزميله برشاقة بعد أن ينتهي منها؛ لتدخل مرحلة أخرى قبل أن تصبح في النهاية حذاءً منمقًا، صنع باليد لم تتدخل فيه الآلات إلا في خياطة ما يحتاجة وجهه فقط. ( Ahmed Al Sayed - وكالة الأناضول )
01.11.2018 Ahmed Al Sayed
1 / 12

** 5 مراحل للتصنيع

يوضح "رأفت" أن المهنة تمر بعدة مراحل رئيسية تبدأ من "التفصيلجي" الذي يقوم بقص ما يحتاجه الحذاء من الجلد يقتطعه من أتواب (لفافات) جلدية عريضة، بواسطة "إسطمبات" يحدد عليها شكل الحذاء، مرورا بـ "المكنجي"، الذي يجمع الجلود مع بعضها ويرفق فيها "الإكسسوارات" اللازمة.

يذهب المنتج بعد ذلك إلى "الجزمجي" الذي يصنع ما تبقى من نعل الحذاء ويقص الزوائد فيه، ثم يودعه صندوقا ورقيا جاهزا للعرض.

وعلى مقعد خشبي متهالك في الجهة المقابلة لـ "رأفت"، يجلس عبد الله صالح (45 عاما) يحاول تجميع ما أنتجه زملاؤه وتركيب نعل بلاستيكي، وبطانة من القماش المرن، أو القطن، بواسطة مادة الغراء، وهي مستحضر لاصق فضي اللون يستعمل مع البلاستك.

مهنته في عرف صناع الأحذية يطلق عليها "جزمجي"، يقول لـ "الأناضول" إنه يعمل في هذه المهنة منذ أن تحمل المسؤولية وبدأ يشارك والده في الإنفاق على المنزل، ومن بعده أسرته المكونة من خمسة أفراد.

يمسك "صالح" حذاء أسود في يده ويقول: "نهاية هذه المهمة عندي، أُثبت النعل مع وجه الحذاء بمسامير صغيرة بواسطة مجسم خشبي يشبه القدم، مع إضافة مادة الغراء"، ثم يمرر الحذاء عدة مرات فوق شريط من لهب يخرج من موقد صغير أمامه.

ينتزع "صالح" المسامير التي وضعها، ويحاول قص الزوائد الموجودة بالحذاء، ويعيد دهن نعله بمادة "الكلا البيضاء" (مسحوق سائل يشبه اللبن) ثم ينتزع منها المجسم ويضعه في صندوق ورقي.

** الصناعي "يكسب"

كغيرها من الصناعات اليدوية في مصر، تعاني صناعة الأحذية من المنتجات المستوردة من دولة الصين، بسبب رخص أسعارها واتجاه أغلب الزبائن لها، وهو ما اضطر مالك الورشة إلى الاتجاه نحو الجلد الاصطناعي بديلا عن الطبيعي.

يقول "رأفت": "منذ 15 عاما اتجهنا للجلد الصناعي بسبب ارتفاع أسعار الطبيعي، وقلة المعروض منه في أسواق الجلد، وننتج حاليا 90 بالمائة من الجلد الصناعي والباقي طبيعي".

ويؤكد بلهجة يملؤها الحنين إلى الماضي، أن إنتاج أحذية الجلد الطبيعي بات مغامرة صعبة، لأن الحذاء الواحد يكلف قرابة 250 جنيها (14 دولارا أمريكا تقريبا)، وبعد المرور بعدة مراحل قد يصل إلى يد المستهلك بحوالي 450 جنيها (26 دولارا)، وهو ما يجعله قريبا من الأحذية الإيطالية المستوردة في الأسعار، وفي الوقت الحالي لا تقدر على شرائه إلا فئة قليلة من المصريين بسبب تراجع معدلات الدخل، والأزمة الاقتصادية.

وفي مصر يعيش نحو 5.3 بالمائة من السكان تحت خط الفقر المدقع أي 4.7 ملايين مواطن، ويبلغ متوسط دخل الفرد في هذه الفئة 322 جنيها شهريا، لتصل نسبة الفقراء إجمالا إلى 27.8 بالمائة في 2015، وفق إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صادر في 2016.

** مجاراة التكنولوجيا

يحاول "رأفت" ورفاقه مجاراة التكنولوجيا الصناعية قدر المستطاع بالتطوير في أشكال الأحذية وخاماتها، مؤكدا أن الأحذية اليدوية تتفوق على ما ينتجه المصنع في الخامة والجودة، فأغلب المستورد أو المصنوع آليا تدخل في خامته الأساسية منتجات بترولية تؤثر على الجلد، لذا يحرص في ورشته على أن يكون الحذاء من الجلد الصناعي ومبطنا بالقطن.

ويشير إلى أن ورشته تنتج 6 "طرائح" يوميا أي ما يساوي 60 حذاء، تراوح أسعار الطريحة الواحدة بين 700 و750 جنيها مصريا (39 إلى 42 دولارا تقريبا).

ويلفت أن المهنة كانت لفترة كبيرة تعاني قلة اليد العاملة، لكنهم الآن تغلبوا على ذلك بتدريب عدد كبير من الشباب.

إلا أن رأفت يشكو أنه مع ارتفاع أسعار الدولار أمام العملة المحلية، بموجب قرار حكومي حرر أسعار الصرف في نوفمبر / تشرين الثاني 2016، تراجعت مهنتهم بشكل كبير كون أغلب الخامات مستوردة، وهو ما ساهم في ارتفاع الأسعار، وبالتالي عزوف المستهلك.

ويعتمد صانعو الأحذية اليدوية (الإسكافيون) في القاهرة على تاريخ منطقة "باب الشعرية"، وفق رأفت، حيث إن 95 بالمائة من السكان هنا يعملون في الأحذية، لذا يقصدها أغلب الزبائن سواء التجار لشراء كميات كبيرة بنظام "الجملة"، أو حتى الأسر التي ترغب في اقتناء منتج متين وسعره مناسب.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın