بيد النحّات منصور.. مشاعر اللبنانيين تنطقها وجوه من طين (تقرير)
الكاتب والنحات اللبناني سمير منصور: هذه المنحوتات ليست مجرد أعمال فنية بل وسيلة لنقل رسالة عن الحياة وسط الحرب
Lebanon
جنوب لبنان / وسيم سيف الدين / الأناضول
** الكاتب والنحات اللبناني سمير منصور:- هذه المنحوتات ليست مجرد أعمال فنية بل وسيلة لنقل رسالة عن الحياة وسط الحرب
- كل وجه من الوجوه المنحوتة علي الطين يحكي قصة معينة ويحمل عبرة
بشيء من أديم الأرض يترجم اللبناني سمير منصور إبداعه، بتشكيل مشاعر الناس وهموهم في بلدة الهبارية الحدودية التي تتعرض لقصف إسرائيلي يومي جراء المواجهات مع "حزب الله" منذ أكتوبر/تشرين أول الماضي.
منصور (50 عاما) الذي نشأ في البلدة (جنوب لبنان) التي عانت طويلاً من تداعيات الحرب، يواجه الواقع المرير باستخدام الطين وسيلة للتعبير عن مشاعر وأحاسيس الناس ممن يعيشون تحت وطأة الحرب.
ومراسل الأناضول زار الفنان اللبناني في منزله المتواضع، حيث يقضي ساعات طويلة في جمع الطين من الأرض المحيطة، ليحوله إلى وجوه تعبر عن واقع الحال في البلدة.
يقول الرجل إن كل وجه من الوجوه التي يشكلها بالطين يحكي قصة، بعضها يعكس الحزن واليأس، بينما تظهر وجوه أخرى تحدياً وإصراراً على الاستمرار.
ويوضح أن "هذه المنحوتات ليست مجرد أعمال فنية، بل هي وسيلة لنقل رسالة عن الحياة وسط الحرب، عن الخوف والأمل المختلطين في نفوس الناس".
مواهب منصور متعددة، تبدأ بالكتابة والمسرح والقصص الصغيرة، لتنتهي بإنجاز عشرات المنحوتات بأنواع مختلفة من الطين الموجود في مناطق محددة جنوب لبنان.
- اكتشاف الموهبة
أثناء وضعه اللمسات الأخيرة على أحد منحوتاته، يقول منصور إنه لم يخطر على باله أن يكون نحاتا، لكن الصدفة وحدها دفعته إلى المسيرة الفنية التي عشقها وباتت في مقدمة اهتماماته.
يوضح أنه بدأ حياته في كتابة الدواوين الشعرية والمسرحيات والقصص القصيرة، وأنه اكتشف نفسه بالنحت عندما كانت زوجته تعمل شيئا ما بالطين فأخذ قطعة منها وبدأ يشكلها ويعجنها.
أبدى منصور تعجبه من مرور كل هذا الوقت من عمره دون أن يكتشف الموهبة والهواية المدفونة داخله.
ويلفت إلى أن "عالم الطين متشعب ويفوق الخيال لأن أنواعه عديدة، عندما تعمل به يكون طيع بين يديك والشيء الذي لم تستطيع تغييره بالواقع يمكنك تغييره بيدك عنما تنحت أي منحوتة".
تحضير الطين من أرض لبنان
ويبيّن منصور أن "فن النحت عالم فسيح ومتعدد الأوجه، لكن النحت بالطين استهواني، خاصة وأن الحصول على هذه المادة متوفر في جنوب لبنان وبكلفة بسيطة".
ويقول إنه يعمل على جمع الطين بمختلف ألوانه وأنواعه من الحقول المحيطة ببلدتي راشيا الفخار والهبارية، ومن حفريات ورش البناء في جنوب لبنان.
ويعرب عن حرصه على تنظيف الطين من الشوائب بغسله بالماء ونقعه لأيام في أحواض خاصة ومن ثم تخميره، بالإضافة إلى وضعه داخل أكياس من النايلون لحفظه لفترة أطول قبل استعماله.
ويتابع: "نعمل على عجن الطين باليدين لتخليصه من فقاعات الهواء تجنبا لتشقق المنحوتة أو كسرها. يجب أن يكون الطين لزجا نظيفا ويتمتع بالمرونة وسرعة الجفاف والصلابة".
لكل وجه منحوت حكاية وعبرة
يقول الفنان إن "لكل وجه حكاية وكل حكاية فيها عبرة، عندما ننحت الوجوه تكون ترجمة لسلوكيات معينة تترك آثارها بعيوننا ونفسيتنا عندما تلتقي بأي شخص في البلدة".
ويضيف وهو يمسك أحد المنحوتات: "هذا الوجه لسيدة مسنة موجودة بالقرية، تستطيع أن تراها من زوايا مختلفة تراها بوجه الأم أو الجارة أو امرأة مسنة لديها خبرة في الحياة ولديها حكمة".
ويتابع: "تستطيع أن ترى بوجهها المنحوت في آن واحد وجه مبتسم وآخر حزين، ولكن ترى في خدودها المجعدة عاطفة".
ويردف وهو يمسك بمنحوتة لوجه إنسان يشبه جذع شجرة صنوبر، أنه مستوحى من مكان احتراق غابة الصنوبر في بلدة الهبارية بسبب القصف الفسفوري الإسرائيلي منذ شهر تقريبا.
ويستطرد: "هذا الجذع يتألم وعنده عتب ولوم، وكأنه يسأل هذا الوجه لماذا أنا أحترق وبأي ذنب أحرق".
كما نحت منصور وجها يجسد المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في بلدة الهبارية حيث استهدفت مركزا للإسعاف الصحي، في منحوتة تجسد رأس أحد المسعفين وتعابيره الحزينة لأنه ضحى بنفسه من أجل العمل الإنساني.
وفي 27 مارس/ آذار الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي 7 مسعفين لبنانيين وجرح آخرين في غارة استهدفت مركزا للجمعية الطبية الإسلامية في الهبارية، وفق وكالة أنباء لبنان الرسمية.
ومنذ 8 أكتوبر/تشرين الأول تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي قصفًا يوميًا عبر "الخط الأزرق" الفاصل، أسفر عن سقوط مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.
وتطالب الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، ما خلّف أكثر من 135 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود.
