الدول العربية, التقارير, تونس

"النهضة" التونسية: "أسقطنا أسطورة التفويض الشعبي للانقلاب" (مقابلة)

"النهضة" وكل الأطراف الفاعلة وعلى رأسها رئيس الجمهورية "تتحمّل المسؤولية" عن الوضع المتردي في البلاد

27.10.2021 - محدث : 27.10.2021
"النهضة" التونسية: "أسقطنا أسطورة التفويض الشعبي للانقلاب" (مقابلة)

Tunisia

تونس / عادل الثابتي / الأناضول

رياض الشعيبي المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة"، للأناضول:

ـ اتبعنا 3 خطوات: إسقاط "أسطورة" التفويض الشعبي و"التعبئة السياسية" وحشد دعم "ديمقراطي" عالمي
ـ الغالبية العظمى من الشعب "متمسكون" باستكمال بقية مراحل الانتقال السياسي
ـ المؤسسة العسكرية تصرفت بمقتضى القانون ونتمنى أن تحافظ على دورها الوطني
ـ القوى الداعمة لإجراءات الرئيس لن تستطيع فرض مصداقيتها في الساحة التونسية
ـ ما يطرحه الرئيس ليس حوارا بل شبيه بـ"المؤتمرات الشعبية" التي كانت تحصل في بعض دول الجوار
ـ استقالات "النهضة" ليست مرتبطة بـ"الانقلاب" فقط، بل كانت هناك خلافات داخل الحركة
ـ نفكر جديا في "إرجاع المستقيلين" إلى مواقعهم المتقدمة داخل الحركة
ـ "النهضة" وكل الأطراف الفاعلة وعلى رأسها رئيس الجمهورية "تتحمّل المسؤولية" عن الوضع المتردي في البلاد

قال رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة" في تونس، إن استراتيجية حركته في مواجهة إجراءات الرئيس قيس سعيد "الاستثنائية" بُنيت على ثلاث خطوات.

وأضاف الشعيبي في مقابلة مع الأناضول، أن حركته (صاحبة أكبر كتلة برلمانية) اعتمدت في استراتيجيتها على "إسقاط أسطورة التفويض الشعبي للانقلاب، وتعبئة القوى الداخلية المناهضة له، وحشد دعم الديمقراطيين في العالم وهو ما نجحت فيه" وفق تقديره.

ومنذ 25 يوليو/ تموز الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حيث بدأ سعيد اتخاذ قرارات منها: تجميد اختصاصات البرلمان (برئاسة راشد الغنوشي رئيس حركة "النهضة") ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة عَيَّنَ رئيستها.

وترفض غالبية القوى السياسية قرارات سعيد الاستثنائية، وتعتبرها "انقلابًا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحًا لمسار ثورة 2011"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وجائحة كورونا. وأطاحت هذه الثورة بنظام الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).

وفي أكثر من مناسبة، قال سعيد، الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، إن قراراته الاستثنائية ليست انقلابا، وإنما تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من "خطر داهم"، وفق تعبيره.

** استراتيجية "النهضة"

وأوضح الشعيبي، أن حركته "عملت لتبيّن لكل العالم أن الغالبية العظمى من الشعب التونسي لا يوافقون على هذه التمشيات (إجراءات سعيد)، وإن كانوا يحملون ملاحظات نقدية للمسار الديمقراطي قبل 25 يوليو، فإنهم متمسكون باستمرار هذا المسار واستكمال بقية مراحل الانتقال السياسي".

وتابع: "التحدي الأول أمام النهضة (53 نائبا من أصل 217 في البرلمان) كان إسقاط أسطورة التفويض الشعبي التي أرادت أن تشتغل عليها منظومة الانقلاب، وهو الخطوة الأولى في استراتيجية الحركة".

أما الخطوة الثانية، وفق الشعيبي، فكانت "على مستوى التعبئة السياسية من خلال عديد الاتصالات بأحزاب سياسية ومنظمات وطنية لتحميلها مسؤوليتها في إبداء موقفها مما يحدث".

وأضاف: "عندما نعود بالذاكرة إلى يوم 25 يوليو، نكاد نجد النهضة وحيدة تصف ما حصل بأنه انقلاب، لكن بعد شهرين تقريبا وفي 26 سبتمبر (أيلول) كان التحرك الشعبي الأول المهم الذي نزل للشارع وفيه طيف واسع من الشعب التونسي والأحزاب السياسية".

وأردف: "جاء موعد 10 أكتوبر (تشرين الأول) حيث كانت المظاهرة الشعبية الكبيرة في تونس (العاصمة) التي شارك فيها أكثر من 15 حزبا سياسيا وعديد المجموعات والجمعيات المدنية، لتقول بصوت واحد: لا لا للانقلاب، ونطالب بالعودة للمسار الديمقراطي".

أما الخطوة الثالثة، بحسب الشعيبي، "فكانت حشد دعم الديمقراطيين في العالم للوقوف ضد الانقلاب".

** المؤسسة العسكرية

وبخصوص دور الجيش يوم 25 يوليو قال الشعيبي: "لا أعتقد أن المؤسسة العسكرية تصرفت في التمشيات التي أعلن عنها الانقلاب بمقتضى الحماس لإنهاء التجربة الديمقراطية، بل تصرفت بمقتضى القانون باعتبار أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكان يجب عليها إطاعة أوامر قيادتها".

وأعرب عن "أمله بأن تكون هذه القراءة هي الصحيحة لما حصل، ولعل الأيام القادمة تبيّن بوضوح أكثر دور المؤسسة العسكرية في استئناف المسار الديمقراطي وفي كبح كل محاولة للانحراف بهذا المسار عن أهدافه التي وضعت له في دستور 2014".

وشدد على أن المؤسسة العسكرية "هي الضامن لمبادئ الدستور وقيمه، ونتمنى أن تحافظ على هذا الدور الوطني في دعم التجربة الديمقراطية".

أما بشأن المؤسسة الأمنية فقال الشعيبي: "حتى الآن نحيّي التزامها إلى حد كبير بضبط النفس وعدم التورط في الإجراءات التعسفية التي يحاول الانقلاب تمريرها".

وزاد: "حتى على مستوى التحركات الشعبية، لاحظنا نوعا من الإيجابية في تعاطي القوات الأمنية مع الحق في التعبير والتظاهر".

** مواقف القوى والمنظمات

وحول مواقف القوى السياسية المساندة لإجراءات سعيد قال الشعيبي: "كانت هناك قوى سياسية وبعض المنظمات والنقابات التي أبدت مواقف لينة وحتى التفهّم، وبعض القوى السياسية أيّدت، وربما البعض منها ما زال يؤيد إلى الآن هذه التمشيات".

واعتبر أن التعامل مع ما حصل يوم 25 يوليو بما سماه "انتهازية لن يساعد هذه القوى السياسية والمنظمات والجمعيات على فرض مصداقيتها في الساحة التونسية أو أن تنتزع نوعا من الثقة الشعبية".

وأبدى أسفه لأن "بعض الأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية مارست وما زالت تمارس نوعا من الانتهازية مع ما حصل، لأنها تريد أن تحقق مكاسب سياسية وتموقعات داخل الدولة بالانتصار لما حصل يوم 25 يوليو".

واستطرد: "فريق آخر يريد أن يستعمل الانقلاب أداة لتصفية خصومهم السياسيين والعودة لمنطق الإقصاء الذي طالما عانى منه المجتمع.. رأينا أن الرئيس لم يستجب لهذه الدعوات لإقصاء جزء مهم من الشعب (..) وحتى الآن لم يدخل في هذا المسار الإقصائي".

** الحوار الوطني

وبشأن ما أعلنه سعيد، قبل أيام حول اعتزامه إطلاق "حوار وطني" مع الشباب، رأى الشعيبي أن "الذي يطرحه رئيس الجمهورية ليس حوارا، هو شبيه بالمؤتمرات الشعبية التي كانت تحصل في بعض دول الجوار في زمن قريب"، في إشارة إلى النظام السياسي في ليبيا خلال حكم العقيد معمر القذافي (1969 ـ 2011).

وأضاف: "قد أثبتت التجربة فشل هذه الحوارات، وفشل نظام المؤتمرات الشعبية".

وأكمل: "الآن ليس هناك في العالم من نموذج سياسي متطور ومزدهر آخر غير الديمقراطية التمثيلية، ونحن متمسكون بهذا النموذج ونعتبره الأنسب في المرحلة الحالية لإدارة البلاد".

والخميس، أعلن سعيد أنه يعتزم إطلاق حوار وطني عبارة عن "نوع جديد من الاستفتاء، ولن يكون بمفهومه التقليدي، وسيخصص للاستماع إلى مقترحات الشعب التّونسي في كل المجالات"، وبينها "النظامان السياسي والانتخابي" في البلاد.

** حركة "النهضة"

على مستوى الوضع الداخلي لـ"النهضة" واستقالة أكثر من مئة من قياداتها، أبرزهم وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي، قال الشعيبي، إن الحركة "جزء من الواقع التونسي، والزلزال السياسي أثّر عليها مثلما أثّر على كل الأحزاب السياسية".

وأوضح: "ربما المشكلة في النهضة أن الأمر ليس مرتبطا فقط بما حصل في الانقلاب، بل كانت هناك خلافات حقيقية داخل الحركة منذ مدّة، وكانت تبحث عن حلول تستطيع من خلالها تجاوز هذه الخلافات".

وأضاف: "داخل النهضة وداخل الأحزاب السياسية ليس هناك آلية أخرى لحسم الخلاف عند بلوغ الحوار مستواه النهائي إلا التصويت".

وبيّن أن "الأسباب المباشرة التي دفعت بعض الإخوة للاستقالة أنهم لم يتمكنوا من الحصول على الأغلبية في التصويت داخل مجلس الشورى (بالحركة) بعد الانقلاب، فكان ذلك دافعا مباشرا لاستقالتهم".

وتابع: "نشعر بالأسف لهذا الموضوع، والنهضة أخذت المسألة على محمل الجد، وتفكر جديا في تلافي حصول مثل هذه الظواهر مستقبلا، ومحاولة استعادة المستقيلين وإرجاعهم إلى مواقعهم المتقدمة داخل الحركة في المرحلة القادمة".

** "مسؤولية مشتركة"

وحول ما يروج له من تحميل حركته مسؤولية فشل 10 سنوات منذ ثورة 2011، قال الشعيبي، إن النهضة "تعترف بالجزء الذي يخصها من المسؤولية عن الوضع المتردي الذي وصلته البلاد قبل 25 يوليو، ولكنها ليست المسؤولة الوحيدة، وكل الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية تتحمّل المسؤولية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية".

واتهم الشعيبي سعيد، بأنه "تحوّل إلى قوة تعطيلية على امتداد السنتين (منذ انتخابه في 2019)، وعطل كل مناحي الدولة، سواء على مستوى رئاسة الحكومة أو على مستوى الوزراء، فضلا عن خطابه الذي يثير كثيرا من الريبة والشك لدى أجهزة الدولة ولدى المستثمرين الأجانب".

واعتبر أن "الاتهامات التي يوجهها سعيد لمعارضيه بالاستقواء بالخارج تجاه ما يتخذه من قرارات هي شعارات ترفعها الشعبوية"، محذرا من "خطورتها على التجربة الديمقراطية".

وقال إن "ما يحصل في الواقع هو أن هناك نظاما يريد أن يستبد بالسلطة تحت مسمى أن الديمقراطية عجزت عن تقديم حلول للناس.. الانقلاب والاستبداد لا يمكن أن يحققا تنمية ولا ازدهارا اقتصاديا".

وتابع: "تونس مرتبطة بمعاهدات دولية، ودستورها ينص على أن القانون الدولي ملهم لهذا الدستور الذي يستمد بعض مبادئه من القانون الدولي".

وأردف الشعيبي، أن "الالتزام بالاتفاقيات الدولية كانت فيها نصوص وفصول واضحة تنص على أن هذه الاتفاقيات مشروطة بالتزام الدولة التونسية بالمنهج الديمقراطي في إدارة البلاد".

ورأى أن "الإخلال بالالتزام بالديمقراطية من قبل سعيد كان واضحا لدى المجتمع الدولي، وهو ما يستوجب مراجعة العلاقات المالية والاقتصادية مع الدولة التونسية، وتقريبا هذا ما حصل".

واعتبر أن "المواقف الدولية الرافضة لإجراءات سعيد طبيعية بالنظر إلى الاتفاقيات، فتونس عضو في منظومة ديمقراطية دولية، وهذا النادي الديمقراطي الدولي عندما تأخذ فيه بطاقة انخراط يوجب عليك حقوقا ويفرض عليك واجبات".

ورأى أن "واجب التضامن الدولي مع الديمقراطية التونسية تمّ التعبير عنه بكل قوة، لعل آخرها ما صدر منذ أيام من لائحة عن الاتحاد الأوروبي تدعو رئيس الجمهورية والسلط التونسية إلى العودة إلى المسار الديمقراطي".

وأكد سعيد في أكثر من مناسبة أن بلاده "منفتحة على التشاور والتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة ورفض كل أشكال الوصاية أو التدخل في شؤونها الداخلية أو التربص بمصالحها".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.