من داكار إلى نجامينا.. عواصم إفريقية تحمي منشآتها السياحية من الإرهاب
- الهجمات الإرهابية التي ضربت فنادقا في كلّ من باماكو وواغادوغو كانت بمثابة الصدمة التي نبّهت بقية العواصم الإفريقية إلى ضرورة التوقّي من ضربات مماثلة

Tunisia
تونس/ أسماء بن سعيد بالتعاون مع محمد رمضان/ باباكار ديون/ فولبارت ياو/ بيتر كوم
الهجمات الإرهابية التي استهدفت فندقا في باماكو عاصمة مالي في 20 نوفمبر/تشرين الماضي، وآخر في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، وخلّفت عشرات القتلى في البلدين، كانت بمثابة الصدمة التي نبّهت بقية العواصم الإفريقية إلى ضرورة التوقّي من ضربات مماثلة، من خلال تكثيف الحماية حول منشآتها السياحية.
فمن العاصمة السنغالية داكار إلى الكاميرونية ياوندي، مرورا بنجامينا عاصمة تشاد وأبيدجان العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار، وغيرها من المدن التي أعلنت في الأيام القليلة الماضية حالة التأهّب القصوى في ظلّ تنامي الشائعات والاستفهامات حول المحطّة الإفريقية القادمة للإرهابيين. نقاط تفتيش صارمة، وماسحات ضوئية وأجهزة لكشف المعادن، غزت فجأة الفنادق وعددا من المؤسسات السياحية في مختلف هذه العواصم الإفريقية.
تدابير تأتي كردّ طبيعي على تنامي الإرهاب في القارة السمراء، وفي وقت بدأت فيه الظاهرة بالزحف تدريجيا نحو مناطق مختلفة، فحتى رواندا التي استطاعت أن تبقى – حتى وقت قريب- بمنأى عن الإرهاب، استيقظت الأسبوع الماضي، على وقع تورّط إمام مسجد في "تجنيد شباب لحساب تنظيم داعش"، بحسب الشرطة الرواندية.
ووفقا لمراقبين، فإنّ التنظيمات الإرهابية المتمركزة في المنطقة، على غرار "القاعدة في المغرب الإسلامي"، والتي تبنّت هجوم واغادوغو (بما أنّ الشقّ الموالي لهذا التنظيم من جماعة "المرابطون" التي نفّذت العملية هي من أعلن مسؤوليته عنها)، في حين أعلن الفصيل الثاني المنشقّ عنها والموالي لـ "داعش" مسؤوليته عن هجوم باماكو، تلعب ورقة المزايدات وتتنافس في إثارة أكبر قدر من الذعر والخوف، مستثمرة الهشاشة الأمنية التي تعاني منها معظم البلدان الإفريقية جنوب الصحراء.
طرح عقّب عليه الخبير الجيواستراتيجي الكاميروني، كودجي أرنست، قائلا إنّ "الدول الإفريقية التي تحظى بعلاقات جيدة مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، مثل السنغال وكوت ديفوار، يرجّح أن تكون الأهداف المقبلة لتلك التنظيمات المسلّحة التي تسعى لضرب مصالح القوى (الغربية) المتواجدة في الساحل (الإفريقي)، وذلك عبر استهداف الأماكن التي يرتادها الأجانب".
فالسنغال التي لا زالت، حتى الآن، بمنأى عن الهجمات الإرهابية، قررت، مؤخرا، أن تتعامل مع أي طارئ، حيث عمدت قواتها الأمنية إلى القيام، نهاية الأسبوع الماضي، بعمليات تمشيط واسعة، شملت العاصمة داكار ومدينة تييس الواقعة على بعد 70 كيلومترا شرق داكار)، بإعتبارهما من المدن التي تضم فنادق ومنتجعات سياحية يرتادها عدد كبير من الأجانب.
وبحسب بيان للشرطة السنغالية، تلقت الأناضول نسخة منه، فإنّ قوات الأمن في البلاد أوقفت 900 شخص، من أجل التحقّق، في معظم الحالات، من هويتهم، وذلك "في إطار خاص من أجل التوقّي والتصدي للتهديدات الإرهابية".
ومن جانبه، قال وزير الداخلية السنغالي، عبد الله داودا ديالو، الأسبوع الماضي، أمام أعضاء المجلس الوطني (البرلمان)، "أصدرت تعليمات لمديري الفنادق، الهامة منها على وجه الخصوص، لتأمين منشآتهم وإلاّ فإنه سيقع إغلاقها"، معلنا إنشاء "خلية لمكافحة الإرهاب بالتنسيق مع وزير الداخلية".
وفي الوقت الذي أقرت فيه السنغال الطابع الإلزامي والوجوبي للمعايير الأمنية الجديدة، الرامية إلى حماية المنشآت السياحية في البلاد، كشفت تشاد، بدورها، عن "تدابير جديدة لمكافحة الإرهاب داخل المدن".
وبحسب وثيقة حكومية صادرة عن وزارة الأمن العام في تشاد، فإنّ "البلاد قرّرت المساهمة في التدابير الوقائية، وذلك بالتواجد داخل كل مؤسسة سياحية، من خلال حضور عناصر تابعة للأمن الجهوي وللوكالة الوطنية للأمن الداخلي من أجل رصد التحركات في هذه الأماكن".
وأضاف المصدر نفسه أنه "ينبغي تثبيت تجهيزات مثل كاميرات المراقبة والماسحات الضوئية وأجهزة الإنذار، داخل كل منشأة، كما يتوجب على إدارة المرافق السياحية تحديث خطط إجلاء الزبائن في حالات الطوارئ...".
إجراءات وقائية أكّدها الناطق الرسمي باسم الشرطة التشادية، بول مانغا، بالقول: " لدينا أوامر بفرض رقابة صارمة على منافذ دخول وخروج الزبائن والموظفين وضيوف الملتقيات، وكذلك بمراقبة حفلات الاستقبال ومآدب العشاء الخاصة، كما ينبغي أن تخضع، وبشكل آلي، جميع السيارات الرابضة أو القادمة إلى الأماكن السياحية، للمراقبة من قبل قوات الشرطة وعناصر أمن تلك المنشآت".
وأضاف مانغا، في تصريح للأناضول، إنّ "هذه التدابير الجديدة ستطمئن موظفي وزبائن المنشآت السياحية، طالما أنه لن يكون بوسع أحد الإفلات من عمليات التفتيش التي تقوم بها عناصر الشرطة".
وفي داكار كما في نجامينا، حذرت السلطات أصحاب المؤسسات السياحية من مغبّة عدم الإمتثال لجميع التدابير الوقائية المذكورة، والذي قد يؤدّي إلى غلق منشآتهم.
وبالنسبة لـ "دجيمتيباي هونوري"، المسؤول الإداري بمجمع "فندق داملار"، والذي يعتبر من أبرز المراكز السياحية في العاصمة التشادية، فإنّ الإجراءات الحكومية الأخيرة لمكافحة الإرهاب في الأماكن الحضرية "تتطابق مع سياسة أمن المؤسسات السياحية القائمة"، مضيفا "لقد أسهمنا في إعداد هذه الإجراءات بالتعاون مع الجهات الأمنية المسؤولة، وأستطيع التأكيد على أنها تحظى بإجماع القائمين على المنشآت السياحية في البلاد، لأنها لن تؤمن مؤسساتنا، فقط، بل ستعمل على طمأنة السياح الأجانب".
أما في أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار، فقد اتّخذت السلطات تدابير أمنية جديدة عقب هجمات باماكو وواغادوغو، إلا أن البلاد لا تزال في حالة "تأهب قصوى"، وذلك منذ يونيو/حزيران الماضي، أي عقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت بلدة تقع على حدودها مع مالي.
ومؤخرا، ارتفع منسوب الإحتقان في شوارع هذه المدينة، على خلفية انتشار شائعات مفادها أنّ الشوارع الرئيسية للمدينة، والتي تعدّ الأكثر ارتيادا من قبل الجانب، ستكون الهدف التالي والوشيك للإرهابيين. هلع يتغذّى من خبر تداولته الصحافة المحلية، في الفترة الأخيرة، مفاده أن واشنطن نبهت كوت ديفوار (والسنغال) من خطر إرهابي محتمل يستهدف أراضيهما، محذرة رعاياها المتواجدين في هذين البلدين، وهو ما نفاه بشدّة، في بيان له، البيت الأبيض الأمريكي.
وغير بعيد عن كوت ديفوار، وتحديدا في بنين التي قالت إنها "اهتزت" بسبب الهجوم الذي ضرب بوركينا فاسو المجاورة، ما دفعها إلى جعل تأمين الفنادق الراقية من بين أوكد أولوياتها في حربها ضد الإرهاب.
ومن هذا المنطلق، دعت السلطات في البلاد أصحاب الفنادق إلى تجهيز منشآتهم بالماسحات الضوئية في أجل أقصاه شهر، وإلى تسجيل جميع زبائنهم، بهدف منع وقوع هجمات إرهابية، بحسب بيان حكومي، صدر الاثنين الماضي، في كوتونو العاصمة الإقتصادية للبلاد.
أما الكاميرون، والتي تدفع غاليا، منذ 2013، فاتورة الإرهاب، جراء هجمات "بوكو حرام" المتكررة، والتي تستهدف منطقة أقصى الشمال، قررت سلطات البلاد تشديد إجراءاتها الأمنية في العاصمة ياوندي.
وبحسب مراسل الأناضول، فإنّ جميع السيارات والزبائن يخضعون، في الفنادق الكبرى بالعاصمة الكاميرونية، لعمليات تفتيش دقيقة من قبل رجال الأمن المدعمين بأجهزة لكشف المعادن، والمنتشرين في جميع المواقع السياحية.
جهود جبارة تبذلها العواصم الإفريقية التي تسدّد باهظا فاتورة الإرهاب المستشري على أراضيها أو في البلدان المجاورة أو حتى في المنطقة بأسرها، على أمل أن تتمكّن، على الأقل، من حماية الأرواح البشرية.