ناج من الإبادة.. فنان فلسطيني يحكي بلوحاته مكابدة الألم في غزة (تقرير)
الرسام محمد المغاري: عشت بين الناس في المخيمات واطلعت عن قرب على معاناتهم، ومن داخل الخيمة بدأت أرسم كل ما يمر به الفلسطينيون في غزة
Gazze
غزة / محمد ماجد / الأناضول
** الرسام محمد المغاري:ـ عشت بين الناس في المخيمات واطلعت عن قرب على معاناتهم، ومن داخل الخيمة بدأت أرسم كل ما يمر به الفلسطينيون في غزة
ـ خصصت أعمالا جسدت رمزية الخيمة باعتبارها شاهدا على المعاناة الفلسطينية الممتدة منذ عام 1948 وحتى اليوم
ـ لوحاتي تناولت تفاصيل الحياة تحت القصف والحصار والنزوح، وكل ما عايشه الناس من ألم وحرمان
في زاوية مخيم مكتظ بالنازحين في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تعلو غرفة صغيرة من الصفيح أحد المنازل، قد تبدو للوهلة الأولى عادية، إلا أن الداخل إليها يكتشف مرسما يضيء بألوان الحياة ويحكي عن تداعيات الإبادة الإسرائيلية.
الرسام الفلسطيني محمد المغاري، الحاصل على بكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة الأقصى، قال في حديث للأناضول إنه يوثق برسوماته ولوحاته داخل هذه الغرفة معاناة فلسطينيي غزة جراء الإبادة الإسرائيلية.
وأنهى اتفاق وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الإبادة الإسرائيلية التي استمرت عامين في غزة وخلفت أكثر من 70 ألف قتيل فلسطيني وما يزيد على 171 ألف جريح معظمهم أطفال ونساء، مع إعادة إعمار قدرت الأمم المتحدة كلفتها بنحو 70 مليار دولار.
** وجوه الجوع ترسم
وعلى امتداد جدران الغرفة، تتناثر لوحات تروي قصصا يومية من عمق معاناة الفلسطينيين بغزة.
إحدى تلك اللوحات جسدت طفلا بملامح منهكة، يحمل وعاء فارغا في تعبير عن المجاعة التي ضربت مفاصل القطاع خلال الحرب وما زالت تداعياتها تنهش أجساد الفلسطينيين رغم وقف إطلاق النار.
وفيها أيضا امرأة فلسطينية تشق طريقها بين الركام وهي تسحب غالونات المياه الثقيلة، ورجل مسن يطوف في طرقات المخيم بحثا عن طعام لأطفاله.
وفي زاوية أخرى، لوحة لطفل مصاب في رأسه، وأخرى تظهر خياما منهارة على رؤوس ساكنيها تحت المطر والقصف، بينما تكشف لوحة ثالثة عن فرن بدائي تخبز عليه الأرغفة فوق الحطب في غياب الوقود.
وضمت تلك الغرفة الصغيرة لوحات للمغاري الذي شارك سابقا في معارض ومهرجانات محلية ودولية منها مشاهد يومية لوجوه الإرهاق والجوع، وطوابير طويلة بحثا عن طعام، ورحلات شاقة لجلب الماء، وأطفال أنهكتهم المجاعة، وخيام ملطخة بالدم والتراب، ومدن تحولت إلى ركام.
وخلال حرب الإبادة الإسرائيلية، عانى الفلسطينيون شحا حادا في المياه والطعام والدواء، ما أدى إلى وفاة عشرات منهم جراء المجاعة.
ووسط الانقطاع التام للمواد الأساسية، اضطر كثير من الفلسطينيين في القطاع المحاصر إلى تناول أوراق الشجر وطعام الحيوانات والطيور للبقاء على قيد الحياة.
وفي 22 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت "المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي"، عبر تقرير، "حدوث المجاعة في مدينة غزة (شمال)"، وتوقعت أن "تمتد إلى مدينتي دير البلح (وسط) وخان يونس (جنوب) بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول (2025)".
وعلى جانب آخر، علقت لوحة "سيد الصبر"، فتضع الحمار في مقدمة المشهد رفيق بقاء لا بوصفه حيوانا، بعدما أصبح وسيلة النقل الوحيدة التي ظلت تحمل على ظهرها أغراض النزوح والمساعدات.
** غزة بلا حياة
وخلفت الإبادة الجماعية واقعا مأساويا يعيشه 2.4 مليون فلسطيني في مختلف مناطق القطاع، وسط انعدام مقومات الحياة الأساسية وصعوبة الوصول إلى الخدمات، بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية.
ورغم مرور أكثر من شهر على انتهاء الحرب، لم يشعر الفلسطينيون بأي تحسن ملحوظ في ظروف حياتهم، إذ ما زالوا يعيشون في خيام مهترئة غرق آلاف منها مع أول هطل للأمطار ما فاقم معاناتهم.
** رمزية الخيمة
وقال المغاري للأناضول، وهو يشير إلى لوحاته: "عشت بين الناس في المخيمات واطلعت عن قرب على معاناتهم داخل الخيام، ومن هنا بدأت أرسم كل ما يمر به الفلسطينيون في غزة".
وأوضح أنه خصص جزءا من أعماله لتجسيد رمزية الخيمة، باعتبارها شاهدا على المعاناة الفلسطينية الممتدة منذ عام 1948، في إشارة إلى نكبة تهجير مئات آلاف الفلسطينيين من أراضيهم.
وتابع: "رسمت الخيمة لأنها رمز الألم منذ النكبة وحتى اليوم، فالتاريخ دار دورته بنا وعاد ليجتمع مجددا داخل هذه الخيام، وكأن مشاهد التهجير الأولى تتكرر".
** ذاكرة الحرب
وبين المغاري أن لوحاته تناولت تفاصيل الحياة تحت القصف والحصار والتهجير، من مشاهد نقل المياه في طوابير طويلة، إلى لحظات الموت، وإصابات الجرحى، وانهيار الخيام فوق رؤوس النازحين.
وأوضح أنه جسد هذه التفاصيل كما عاشها ورآها داخل المخيمات بهدف التوثيق وحفظ الذاكرة الإنسانية للحرب.
وأضاف أن مساره الفني تغير بالكامل بعد الحرب، بعدما كان يركز سابقا على إبراز الهوية الفلسطينية وتراثها ومدنها وطبيعتها.
وأكمل الفنان المغاري: "قبل الحرب كنت أرسم التراث الفلسطيني، وأظهر جمال الطبيعة وتاريخ المدن".
واستدرك: "لكن بعد الحرب تغير كل شيء، أصبحت صرخات الناس ومعاناتهم موضوع لوحاتي، في محاولة لإيصال رسالتهم إلى العالم".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
