بعد استيلاء "الدعم السريع".. نزوح ومأساة إنسانية بالفاشر السودانية (تقرير)
- نازحون سودانيون قالوا للأناضول إن المدينة أصبحت شبه خالية دون أسواق أو مظاهر حياة
Sudan
عادل عبد الرحيم / الأناضول
- في 26 أكتوبر الماضي استولت "الدعم السريع" على الفاشر التي كانت تحاصرها منذ مايو 2024- نازحون سودانيون قالوا للأناضول إن المدينة أصبحت شبه خالية دون أسواق أو مظاهر حياة
- شهود عيان تحدثوا عن تمدد الحواجز العسكرية وزيادة عمليات التفتيش والمصادرة والاعتقال
- خلال شهر نزح من المدينة 106 آلاف شخص فر معظمهم لولايات قريبة وبعضهم إلى تشاد
شهر يمر على استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، التي كانت تعد آخر معقل للجيش في كبرى مدن الإقليم، لتغرق المدينة في مأساة إنسانية متجددة، مع انعدام الأمن والخدمات العامة وشح المياه واستمرار نزوح المدنيين منها.
وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استولت "الدعم السريع" على الفاشر التي كانت تحاصرها منذ مايو/ أيار 2024، لكن مأساة المدينة تعمقت مع تدهور الأوضاع الأمنية ونزوح عشرات الآلاف خوفا من انتهاكات جسيمة اتّهمت هذه القوات بارتكابها.
ولم يكن وقوع الفاشر بيد قوات الدعم السريع حدثا عسكريا محدودا، إذ شكّل نقطة تحول للحرب في السودان بتغيّر المعادلة في إقليم دارفور لغير صالح الجيش.
واشتدت منذ ذلك الوقت، المعارك في إقليم كردفان المتاخم بولاياته الثلاث (شمال وغرب وجنوب)، حيث يسعى الجيش عبر هجمات مضادة إلى التقدم غربا من كردفان نحو دارفور.
وبعد استيلاء "الدعم السريع" على الفاشر، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن القيادة العسكرية قررت مغادرة قوات الجيش للمدينة بسبب "التدمير الممنهج" ولتجنيب المدنيين القتل.
وقبل الاستيلاء عليها، شنت "الدعم السريع" أكثر من 267 هجوماً على الفاشر، ما أدى إلى حصار مئات الآلاف، وحرمانهم من الغذاء والدواء، واضطرار سكانها إلى الاعتماد على أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.
وتتفاقم المعاناة الإنسانية جراء الحرب بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" منذ أبريل/ نيسان 2023 بسبب خلاف بشأن توحيد المؤسسة العسكرية، ما تسبب بمقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص.
** مدينة بلا ملامح
وفي الفاشر، لا تزال الأوضاع الأمنية تتسم بعدم الاستقرار وانقطاع الاتصالات، وسط غياب شبه كامل للمؤسسات الخدمية والصحية وتزايد أعداد الفارين.
وشحّت المعلومات الواردة من المدينة بعد استيلاء "الدعم السريع"، فرغم خفوت المعارك واختفاء صوت السلاح، لم تعد مظاهر الحياة بعد.
ومن بقي فيها وجد نفسه أمام واقع قاسٍ: شحّ المياه، وانعدام الكهرباء، وغياب الخدمات الصحية والعلاج.
ووفق نازحين حديثا من المدينة تحدّثوا للأناضول مفضلين عدم ذكر أسمائهم، فإن الحواجز العسكرية تمددت في الطرق الرئيسية، وتجرى فيها عمليات تفتيش ومصادرة واعتقال، وتسجل حالات انتهاكات بشكل مستمر.
وأفاد المتحدثون بأن المدينة أصبحت شبه خالية، واختفت كل مظاهر الحياة فيها، إذ لا توجد محال تجارية أو أسواق تعمل.
في المقابل، نشرت "الدعم السريع" مقاطع مصورة على تلغرام، قالت إنها للمدينة، وادعت خلالها إدخال مساعدات إنسانية للمدنيين، كما ادعت أن مستشفى الفاشر باشر العمل لمعالجة المصابين والمرضى.
** انتهاكات إنسانية
وبعد استيلاء "الدعم السريع" على المدينة ظهرت مقاطع مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي، التقط معظمها عناصر تلك القوات عبر هواتفهم المحمولة، وانتشرت بشكل مكثف "مشاهد لهتافات عنصرية وعمليات قتل جماعي وانتهاكات ضد المدنيين".
وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، ادعى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" اعتزامه محاسبة أي شخص ارتكب جرائم وانتهاكات بحق المدنيين في الفاشر "مهما كان موقعه أو منصبه".
ورغم إقراره بحدوث "تجاوزات" من قواته في الفاشر، وادعائه تشكيل لجان تحقيق، واصلت قوات "حميدتي" انتهاكاتها بحق المدنيين في مدن كردفان ودارفور، وفق منظمات محلية ودولية.
** مقابر جماعية
وفي 23 نوفمبر الجاري، أظهرت صور أقمار صناعية نشرها مختبر الشؤون الإنسانية التابع لجامعة ييل الأمريكية، استمرار "الدعم السريع" في عمليات التخلص الجماعي من الجثث بالفاشر، في محاولة، بحسب التقرير، لطمس الأدلة على الانتهاكات.
وقال المختبر، إنه يقيّم أن "الدعم السريع" تواصل تنفيذ عمليات التخلص من الجثث في مناطق كانت تضم أعدادا كبيرة من المدنيين قبل عمليات القتل الجماعي التي بدأت في 26 أكتوبر الماضي.
وأشار إلى أن صور الأقمار الصناعية رصدت عمليات تخلص من الجثث في موقعين: أحدهما في "المستشفى السعودي"، والآخر في "حي الدرجة الأولى"، إذ سبق أن حدّد المختبر أدلة تتفق مع عمليات قتل جماعي في الموقعين.
كما أفاد المختبر بعدم وجود أي نشاط مرئي في صور الأقمار الصناعية لسبعة أسواق مهمة بمدينة الفاشر منذ استيلاء "الدعم السريع" عليها، بما في ذلك "السوق الكبير، وأم دفسو، ونيفاشا، وأبوجا، وسوقا المواشي".
ووثقت مصادر شعبية وحقوقية سودانية وصور أقمار صناعية، ارتكاب "الدعم السريع" مجزرة كبيرة في المستشفى السعودي بالفاشر يوم 28 أكتوبر الماضي، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 460 شخصا من المرضى والمرافقين، ودفنهم لاحقًا في مقبرة جماعية، إضافة إلى خطف عدد من الكوادر الطبية.
** نزوح واسع
استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر، أفرز أزمة نزوح كبيرة، بخروج عشرات الآلاف بينهم أطفال ونساء من المدينة، منهكين وجائعين، بحثا عن الأمان.
كما اعتقل وفقد الآلاف في الفاشر، التي كان عدد سكانها قبل دخول "الدعم السريع" يراوح بحسب آخر إحصائية أممية بين 260 و300 ألف نسمة.
وفي 24 نوفمبر الجاري، أعلنت منظمة الهجرة الدولية نزوح أكثر من 106 آلاف شخص من الفاشر منذ 26 أكتوبر الماضي.
وفرّ هؤلاء النازحون إلى 9 من أصل 18 ولاية سودانية، بينما عبر بعضهم إلى دولة تشاد، وفق الأمم المتحدة.
لكن معظمهم اتجهوا إلى منطقة طويلة بشمال دارفور، التي تسيطر عليها قوات الحركة الشعبية بقيادة عبد الواحد نور، وإلى مدينة الدبة بالولاية الشمالية.
وفي 21 نوفمبر الحالي، أعلنت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في السودان (حكومية) تسجيل 5300 إصابة بسوء التغذية الحاد بين أطفال ومسنين نزحوا مؤخرا من الفاشر إلى مخيم "طويلة".
** صدمة دولية
وعلى المستوى الدولي، أعادت أحداث الفاشر حرب السودان إلى الواجهة، ولفتت أنظار العالم إلى المأساة التي يعيشها السودانيون جراء الانتهاكات والمرض والجوع.
ووجّه قادة دول ومنظمات دولية إدانات للجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين العزل، مع الدعوة لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.
كما دعت منظمات إنسانية وحقوقية للضغط من أجل تسهيل دخول المساعدات والمطالبة بوقف الانتهاكات والتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
في السياق، دعا تحرك دولي بقيادة الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، لإيجاد حل للأزمة في السودان، من خلال الدعوة إلى هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر لوقف إطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
