دولي, أخبار تحليلية, التقارير

وسط انقلابات وضعف مؤسسات.. الجماعات المسلحة تتوسع بدول الساحل (تقرير)

** تعاني مالي والنيجر وبوركينا فاسو من توسع أنشطة التنظيمات المسلحة بمنطقة الساحل

Khalid Mejdoub  | 25.11.2025 - محدث : 25.11.2025
وسط انقلابات وضعف مؤسسات.. الجماعات المسلحة تتوسع بدول الساحل (تقرير) أرشيفية

Rabat

الرباط/ الأناضول

** تعاني مالي والنيجر وبوركينا فاسو من توسع أنشطة التنظيمات المسلحة بمنطقة الساحل
** محمد الطيار، الخبير الأمني المغربي المتخصص في منطقة الساحل والصحراء:
- الانقلابات العسكرية المتكررة بتلك الدول ساهمت في إرباك عمل المؤسسات الأمنية
- التنظيمات تستمد قوتها من شبكة واسعة من مصادر التمويل مثل الفديات والضرائب والتجارة غير الشرعية
- التدخلات الأجنبية المتضاربة عمقت الصراع وحولت البلدان إلى ساحات تنافس دولي

تواصل التنظيمات المسلحة مثل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، فرع تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل الإفريقي، تفرض وجودها مستفيدة من غياب الاستقرار وضعف مؤسسات الدولة وانقلابات عسكرية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

ومنذ سبتمبر/ أيلول الماضي، تمنع الجماعة دخول شاحنات الوقود إلى مالي، حيث تهاجم الشاحنات وتضرم النيران فيها، خاصة القادمة من السنغال وساحل العاج.

ومؤخرا، باتت الجماعة على مشارف العاصمة باماكو، حيث تعتمد في فرض سيطرتها على العمل المسلح والحكم المحلي عبر محاكم وفرض الرسوم على التنقل.

وتشكلت الجماعة عام 2017، بعد تكتل حركات "أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا" و"المرابطون" وجناح الصحراء التابع لـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

وتوجد في منطقة الساحل الكثير من الحركات الموصوفة بأنها "جهادية" النشطة بدولها الثلاث، مثل "تنظيم الدولة في بلاد المغرب الإسلامي" الذي تأسس في يناير/ كانون الثاني 2007.

وفي شمال مالي، تنشط حركة "أنصار الدين" التي تأسست في ديسمبر/ كانون الأول 2011.

** فراغ أمني

محمد الطيار، الخبير الأمني المغربي المتخصص في منطقة الساحل والصحراء، حذر من تحول بعض الأماكن بالمنطقة إلى "ملآذات آمنة للتنظيمات الإرهابية".

وفي حوار مع الأناضول، قال الطيار إن "الانقلابات العسكرية المتكررة بدول الساحل ساهمت في إرباك عمل المؤسسات الأمنية، في وقت تتفاقم فيه معدلات الفقر والتهميش خصوصا في المناطق النائية التي تشعر بالقطيعة مع السلطة المركزية".

ولفت إلى أن "الجماعات الإرهابية تستغل الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب القوات الدولية" من المنطقة.

وفي 7 يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية مغادرتها أراضي مالي بعد قتالها هناك لأكثر من 3 أعوام، واستبدالها بقوات "الفيلق الإفريقي" الذي تشكل بدعم من وزارة الدفاع الروسية.

كما أنهت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي "مينوسما" مهامها في البلاد في يونيو الماضي، استجابة لطلب القادة العسكريون الذين استولوا على السلطة في انقلاب عام 2020، والذين اتهموا قواتها بـ"تأجيج التوترات المجتمعيّة".

وكانت فرنسا قد أعلنت في أغسطس 2022، انسحاب آخر جنودها من مالي بعد تواجدها في البلد الإفريقي دام تسعة أعوام، وذلك على خلفية توتر علاقاتها مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد.

** مشاكل داخلية

الخبير الأمني قال إن دول الساحل "تعاني من أزمة بنيوية عميقة ناتجة عن هشاشة الدولة الوطنية منذ الاستقلال، حيث وُلدت هذه الدول بحدود استعمارية لا تعكس الامتدادات القبلية والعرقية، ما أنتج دولا تجد صعوبة في تحقيق الانسجام الداخلي".

وأوضح أن "تفشي الفساد وضعف الحكم أدى إلى تعطيل التنمية وتراجع ثقة المواطن في الدولة، بينما عمقت التدخلات الأجنبية المتضاربة الصراع عبر تحويل هذه البلدان إلى ساحات تنافس دولي بين فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، ما أدى إلى مزيد من إضعاف المؤسسات بدل دعمها".

وبحسب تقرير مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي) صدر في مارس/ آذار 2025، ظلت منطقة الساحل "المسرح الأكثر فتكا في القارة لعام 2024، وللعام الرابع على التوالي، بسبب عنف الجماعات المتشددة".

وأضاف التقرير أن التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى المرتبط بـ"العنف المتشدد" في منطقة الساحل بلغ نحو 10 آلاف و400 شخص في عام 2024، ما يمثل 55 بالمائة من إجمالي الوفيات ذات الصلة في القارة.

** مصادر القوة

ويرى الطيار أن الجماعات النشطة بالمنطقة "تستمد قوتها من شبكة واسعة من مصادر التمويل تشمل الفديات الناتجة عن عمليات الاختطاف، والضرائب التي تفرض على السكان، والتجارة غير الشرعية في الذهب والمخدرات والوقود".

وأوضح أن "الفديات تعد من أهم المصادر المالية للجماعات، إذ تدر عليها ملايين الدولارات سنويا، تمكّنها من شراء الأسلحة واستقطاب المقاتلين وشراء ولاء زعماء المجتمعات المحلية".

كما تعتمد الجماعات على "تحالفات محلية مع بعض القبائل التي تشعر بالتهميش أو التي تبحث عن حماية في ظل غياب الدولة"، بحسب الطيار.

وأوضح الخبير الأمني أن هذه التنظيمات "تتقن أساليب حرب العصابات، فتشن هجمات مباغتة وكمائن بدل المواجهة المباشرة، ما يضعف قدرة الجيوش التقليدية على مواجهتها".

كما تسيطر الجماعات كذلك على طرق التهريب العابرة للصحراء، خاصة تهريب مواد الكوكايين والبنزين والمواد الغدائية وقطع الغيار، "الأمر الذي يمكنها من تمويل عملياتها ويمنحها نفوذا واسعا"، على حد تعبير الخبير المغربي.

وأوضح الطيار أن الجماعات "تستفيد من بيئة اجتماعية متوترة تغذيها النزاعات العرقية، ما يجعل بعض الفئات ترى في هذه الجماعات قوة بديلة عن الدولة لحماية مصالحها".

وإلى جانب ذلك، تعتمد هذه التنظيمات، وفق الطيار، على ارتباطها الأيديولوجي واللوجستي بتنظيمات عالمية مثل "القاعدة" و"داعش"، وتستفيد من خبرة مقاتلين قادمين من ليبيا وتشاد.

ولفت الطيار إلى أن "الجغرافيا الصحراوية الواسعة والحدود المفتوحة تمنحها حرية حركة استثنائية، يصعب على أي جيش تقليدي الحد منها، خاصة مع عجز دول الساحل في تأمين حدودها".

** انقلابات متتالية

وقال الخبير الأمني إن "الجماعات الإرهابية تحصل على أسلحتها عبر قنوات متعددة تشمل نهب مخازن الجيوش خلال الهجمات أو عقب الانقلابات".

وأوضح أن "المخازن التي تعاني من ضعف المراقبة ويتم المتاجرة بها بسبب انتشار الفساد، تعد مصدرا آخر للسلاح، إضافة إلى تدفق السلاح القادم من ليبيا بعد سقوط نظام القذافي سنة 2011".

وشهدت مالي انقلابا عسكريا في أغسطس/ آب 2020 أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، ثم انقلاب مايو/أيار 2021 ضد الحكومة الانتقالية.

في 30 سبتمبر/ كانون الأول 2022 قاد النقيب إبراهيم تراوري، انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس المؤقت بول هنري سانداوغو داميبا، بدعوى "الفشل في التعامل مع تمرد جماعات إسلامية".

وفي النيجر، احتجز الحرس الرئاسي، في 26 يوليو/ حزيران 2023، الرئيس محمد بازوم، وأعلن قائد الحرس الجنرال عبد الرحمن تشياني، نفسه قائدا للمجلس العسكري الجديد.

** مستقبل الجماعات بالمنطقة

واعتبر الطيار أن "مستقبل الجماعات الإرهابية في الساحل مرشح لمزيد من التعقيد".

وأوضح أن خروج القوات الفرنسية والأممية من مالي أدى إلى "خلخلة ميزان القوى، ما سمح لهذه الجماعات بتعزيز حضورها بشكل كبير في الشمال والوسط، وسط عجز الحكومة الانتقالية عن بسط سيطرتها".

وبشأن بوركينا فاسو، قال الطيار: "ما تزال مساحة نصف البلاد تقريبا خارج السيطرة الكاملة للسلطة المركزية".

كما أن تراجع الدعم الغربي في النيجر بعد انقلاب 2023، دفع الجماعات إلى توسيع هجماتها بالبلاد، خصوصا على الحدود مع مالي وبنين، وفق الخبير.

واستدرك قائلا:" هناك صراعات داخلية بين هذه التنظيمات، وتنافس واقتتال بين تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى من جهة، وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين الذي أعلن ولاءه للقاعدة من جهة أخرى، ما قد يضعفها تدريجيا ويحد من قدرتها على التوسع اللامحدود".​​​​​​​

وفي 17 سبتمبر/ أيلول 2023، وقعت مالي والنيجر وبوركينا فاسو اتفاقا أسس تحالف دول الساحل الثلاث، مع إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك والمساعدة (الاقتصادية) المتبادلة".

ومؤخرا، أعلنت دول الساحل الثلاث تفعيل القوة الموحدة لمحاربة الجريمة المنظمة والإرهاب، وسط تخوفات من ضعف المبادرة في تحقيق الاستقرار، في ظل تحذيرات أممية من ارتفاع وتيرة النازحين بالمنطقة.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.