الضفة.. مخطط إسرائيلي يحاصر "قريوت" ويبتلع أراضيها (تقرير ميداني)
تعمل الآليات الإسرائيلية منذ الأحد على تجريف وتسوية الأراضي الزراعية واقتلاع أشجار الزيتون منها في محاولة "لمحو تاريخ القرية" أمام أعين سكانها..
Ramallah
نابلس/ قيس أبو سمرة/ الأناضول
-الفلسطينية "أم مجدي" عبد الغني: الأرض والزيتون مثل أولادي، وإحساس العجز قاتل
-الفلسطيني محمد عبد الغني: عندي 10 دونمات، وأُبلغت بمصادرة نصفها لأمر محكمة إسرائيلية.. هذا فعل إجرامي
-الناشط في مواجهة الاستيطان بشار القريوتي: إسرائيل تمهد لمصادرة 400 دونم ضمن مشروع استيطاني ضخم
-المنطقة التي يتم فيها التجريف استراتيجية وتضم مئات أشجار الزيتون المعمرة
في مشهد يصفه الفلسطينيون بأنه "الأقسى منذ سنوات"، يقف سكان قرية "قريوت" جنوب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، أمام أراضيهم يراقبون الجرافات الإسرائيلية وهي تسارع الخُطى لاقتلاع أشجارهم المُعمّرة، في خطوة يقولون إنها تهدف لابتلاع وسرقة ما تبقى من أراضيهم.
فيما تقول هيئة "مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية، إن إسرائيل استولت على 70 ألفا و147 دونما من خلال أمر "وضع يد لأغراض عسكرية وأمنية" من أراضي قرى قريوت اللبن الشرقية والساوية بنابلس، لصالح إقامة منطقة عازلة، وفق تقرير نشرته في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتعمل الآليات منذ الأحد، على تسوية مساحات زراعية واسعة لتنفيذ المخطط الإسرائيلي، حيث تقتلع أشجار زيتون معمرة قضى أصحابها عقودا في رعايتها في مهنة توارثوها عن الأجداد.
ويوضح أهالي القرية في أحاديث منفصلة للأناضول، أن عملية اقتلاع أشجار الزيتون تهدف "لمحو تاريخ القرية أمام أعينهم".
ولأشجار الزيتون في فلسطين قيمة رمزية واقتصادية، إذ تمثل ارتباط الفلسطينيين بأرضهم وذكرياتهم وهويتهم، كما أنها تعد مورد رزق لآلاف العائلات.
وتقول دراسات فلسطينية إنه مع بداية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967، أصبح استهداف أشجار الزيتون هدفا ممنهجا في إطار السياسات الاستعمارية الإسرائيلية التي تهدف إلى تفكيك علاقة الفلسطيني بأرضه وتاريخه.
** "الزيتون مثل أولادي"
بجوار منزلها، وقفت الفلسطينية "أم مجدي" عبد الغني، تراقب عمليات اقتلاع أشجار الزيتون، وتقول بصوت يختلط بين القهر والبكاء: "الأرض والزيتون مثل أولادي".
وتابعت في حديثها للأناضول: "تعب عمري يذهب بثواني، هذه الأشجار مثل الروح في الصدر، واليوم تُقتلع أمامي وأعجز عن فعل أي شيء".
وتشير بيدها إلى مساحة واسعة قُلبت الآليات الإسرائيلية تربتها بالكامل، قائلة: "هذا الزيتون عمره من عمرنا.. حياتنا مبنية عليه.. إحساس العجز قاتل".
وفي تعبيرها عن قساوة هذا المشهد، فقد أوضحت "أم مجدي" أن الموت "أهون" عليها من رؤية اقتلاع أشجار الزيتون.
** هوية وذكريات
يقف إلى جانبها، زوجها محمد الذي تجاوز السبعين عاما، مستندا إلى عكازه ويقول: "عندي 10 دونمات، قالوا (الجيش الإسرائيلي) إن نصف مساحة الأرض سيتم مصادرته لأمر محكمة".
وتابع متهكما: "لا يوجد أمر محكمة. لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟، لقد شرعوا بعملية اقتلاع الأشجار ودخلوا في ذلك إلى (المنطقة) جوار المنزل".
ووصف أشجار الزيتون بأنها "حياته"، متابعا: "عمري 70 عاما، أمضيتها وأنا أعمل في الأرض. وتربيت عليها مع جدي ووالدي. واليوم أرى حياتي تُمحى أمامي".
ويكمل بصوت مختنق: "نحو ألف شجرة دمرت هنا. ألف شجرة يعني ألف ذكرى وألف موسم. هذا فعل إجرامي، وكأنهم يقطعوا قلبي".
**اعتداءات متواصلة
المسنة صدقية خروش، تقف على بقايا جذور أشجار زيتون مقتلعة، وتقول: "لم يتركوا أرضا (سليمة)".
وتابعت في حديثها للأناضول: "إنهم استيقظوا صباح الأحد، مفزوعين على صوت الآليات الإسرائيلية وهي تقتلع أراضيهم وتخلع أشجارهم المعمرة".
وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين هددوا سكان القرية أكثر من مرة بشأن أراضيهم "فتارة يحرقونها، وتارة يمنعون وصولهم إليها، وأخيرا يقتلعونها كلها".
وذكرت أن أشجار الزيتون كان آخر ما يمتلكونه في هذه القرية، التي شهدت انتهاكات إسرائيلية متعددة، لافتة إلى أن إسرائيل استولت "حتى على المياه".
وأكدت أن عمليات التجريف تصل إلى مسافة قريبة جدا من منازل الفلسطينيين، معربة عن تخوفات سكان القرية من بناء وحدات استيطانية جديدة بالقرب منهم.
وأشارت إلى عدم وجود كلمات كفيلة بوصف حالة القهر التي تمتلكهم إزاء عمليات تجريف واقتلاع الزيتون.
** "جريمة ممنهجة"
الناشط في مواجهة الاستيطان بشار القريوتي، يؤكد أن عمليات اقتلاع الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون تعد "جريمة متطورة تمارسها حكومة متطرفة ضد الشجر والبشر والحجر".
ويقول للأناضول: "نعاني من استيطان المتطرفين الذي يلتهم ما تبقى من أرضنا. أكثر من 90 بالمئة من أراضي قرية قريوت صودرت بدواعٍ واهية".
وأوضح أن إسرائيل تمهد اليوم لـ"مصادرة 400 دونم إضافية ضمن مشروع استيطاني ضخم"، دون تفاصيل.
وذكر أن هذه المنطقة التي تتم فيها عمليات التجريف تعد "استراتيجية" وتضم المئات من أشجار الزيتون المعمرة، بعضها يزيد عمره عن مئات السنين.
وتابع: "الاحتلال يستبيح القرية، ويدمر حدائق المنازل، ويزيل الجدران، ويستهدف أراضي مصنفة (ب). من يحكم المنطقة فعليا هم المستوطنون المتطرفون".
وصنفت اتفاقية أوسلو 2 أراضي الضفة إلى 3 مناطق، "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.
ويشير القريوتي إلى أن قريوت كانت تمتد على 22 ألف دونم، لم يتبق منها سوى 1200 دونم فقط، بينما تطوقها 4 بؤر استيطانية و3 مستوطنات وهي: عيلي، شيلو، شفوت رحيل.
ووصف ما يعيشه سكان القرية بـ"الكابوس اليومي"، محذرا من أن المرحلة المقبلة ستكون الأصعب وذلك لأن ما يجري "محاولة لاقتلاع القرية من جذورها"، وفق قوله.
وسبق وكشف تقرير لهيئة مقاومة الجدار، استيلاء إسرائيل على 2800 دونم من الأراضي المملوكة لفلسطينيين، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من خلال أوامر "وضع اليد والاستملاك وتعديل حدود أراضي الدولة".
فيما أشارت معطيات الهيئة إلى أن إسرائيل أصدرت منذ مطلع العام 2025 ما مجموعه "53 أمرا لوضع اليد لأغراض عسكرية، في تكثيف ملحوظ لاستخدام هذا النوع من الأوامر الذي يتذرع بالحجة العسكرية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية".
كما كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وثيقة رسمية تفيد بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطة لتوسيع البؤر الاستيطانية الزراعية في الضفة وإضفاء الطابع الرسمي عليها، رغم كونها غير قانونية حتى وفق المعايير الإسرائيلية.
وتكثف إسرائيل منذ بدئها حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ارتكاب جرائم بينها هدم منازل وتهجير مواطنين فلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتوسيع وتسريع البناء الاستيطاني.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ويقوض إمكانية تنفيذ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، وتدعو منذ عقود إلى وقفه دون جدوى.
وبموازاة حرب الإبادة على غزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1092 فلسطينيا، وإصابة نحو 11 ألفًا، إضافة لاعتقال أكثر من 18 ألفا و21 ألفًا، وفق معطيات فلسطينية.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
