اجتماع الناقورة.. هل يكبح الاقتصاد عدوان إسرائيل على لبنان؟ (تقرير إخباري)
أثار اللقاء غير المسبوق بين ممثلين مدنيين إسرائيليين ولبنانيين بحضور أمريكي في منطقة الناقورة، الأربعاء، تساؤلات عن مصير التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بمهاجمة البلد العربي.
Quds
القدس/ عبد الرؤوف أرناؤوط/ الأناضول
- المحلل في صحيفة "هآرتس" تسفي بارئيل: اختراق دبلوماسي قد يُبطئ أو حتى يُوقف السباق نحو صدام عسكري بين البلدين- المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إيتمار إيشنر: بعد اللقاء المباشر بين المسؤولين السياسيين من إسرائيل ولبنان، يبدو أن الأجواء قد هدأت قليلًا
- المحلل في صحيفة "إسرائيل اليوم" داني زاكين: هناك الآن مساران منفصلان: الحملة ضد حزب الله وجهود تفكيك ترسانته العسكرية، والعملية السياسية مع لبنان
أثار اللقاء غير المسبوق بين ممثلين مدنيين إسرائيليين ولبنانيين بحضور أمريكي في منطقة الناقورة، الأربعاء، تساؤلات عن مصير التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بمهاجمة البلد العربي.
وعقد اللقاء، وفق خبراء، بعد ضغوط أمريكية على الطرفين الإسرائيلي واللبناني في محاولة لمنع تدهور الأمور إلى حرب جديدة قد تعقد المشهد من جديد في المنطقة.
ومساء الأربعاء، قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إن اجتماع الناقورة "عُقد بأجواء إيجابية، وتقرر بلورة أفكار لتعزيز إمكانية التعاون الاقتصادي بين الجانبين".
وأضاف في بيان، أن "إسرائيل أوضحت أن نزع سلاح "حزب الله" مطلوب بغضّ النظر عن التقدم في موضوع التعاون الاقتصادي".
وبعد تصريحات نتنياهو، أشار رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في إفادات لقناة "الجزيرة" القطرية إلى استعداد بلاده لخوض "مفاوضات فوق عسكرية" مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن خطوة ضم دبلوماسي لبناني سابق إلى اللجنة تحظى بـ"مظلة وطنية" وتتمتع بـ"حصانة سياسية".
ومحاولا وضع الخطوة في سياقها، قال سلام الأربعاء، إن نتنياهو ذهب بعيدًا في توصيفه لهذه الخطوة، موضحًا أن لبنان ليس بصدد الدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل، وأن أي تطبيع سيكون مرتبطًا بعملية السلام.
وقالت قناة "إسرائيل 24" (خاصة)، الخميس، إن الاجتماع المقبل بين المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين سيعقد في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بينما لم تؤكد بيروت أو تل أبيب أو واشنطن هذا الموعد.
وفي الأيام القليلة الماضية وما قبل اجتماع الأربعاء كان أحاديث منتشرة بالإعلام الإسرائيلي تتحدث عن "تحرك عسكري لا مفر منه " وتقول إن "التحرك العسكري ليس سوى مسألة وقت".
وأعلنت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن "تل أبيب تستعد لتصعيد عسكري" لمواجهة احتمال تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان على خلفية ما وصفته بـ" تعاظم قدرات حزب الله"، وفق ادعائها.
ورأى المحلل في صحيفة "هآرتس" تسفي بارئيل، الخميس، أن تعيين مستشار الأمن القومي، أوري ريسنيك، رئيسًا للوفد الإسرائيلي في لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، بالتوازي مع تعيين الدبلوماسي اللبناني المخضرم سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني، يمثل "اختراقًا دبلوماسيًا قد يُبطئ أو حتى يُوقف السباق نحو صدام عسكري بين البلدين".
وأضاف: "بالنسبة للبنان، تُعدّ هذه خطوة سياسية مهمة، إذ رفضت القيادة اللبنانية، برئاسة الرئيس جوزاف عون، حتى الآن منح لجنة المراقبة (الميكانيزم) أي صلاحية لإجراء مفاوضات سياسية يمكن تفسيرها على أنها بداية رحلة نحو التطبيع مع إسرائيل".
وأنشئت "اللجنة التقنية العسكرية للبنان" (الميكانيزم) بموجب "إعلان وقف الأعمال العدائية بين البلدين في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وتقوم اللجنة بمراقبة وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وتضم كلا من لبنان وفرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة وقوة الأمم المتحدة بجنوب لبنان (يونيفيل).
وأضاف بارئيل: "رغم حديث عون عن ضرورة المفاوضات مع إسرائيل في الأسابيع الأخيرة كمسار للترتيبات الأمنية، إلا أنه تجنب استخدام عبارة المفاوضات المباشرة".
وأشار إلى أن موافقة لبنان على الدخول في مفاوضات دبلوماسية، لا عسكرية فقط، "جاءت بعد أن اعتُبر خطر توسع الحرب خطرًا حقيقيًا وقائِمًا، مصحوبًا بضغط سياسي أمريكي مكثف على لبنان، وضغوط عربية على واشنطن لتهدئة إسرائيل".
وتابع: "سيُظهر سلوك إسرائيل في الأيام المقبلة ما إذا كانت توافق على التراجع عن مبدأ إجراء المفاوضات تحت النار فقط، بينما سيُطلب من لبنان إثبات تصميمه ميدانيًا وقدرته على تطهير جنوب لبنان من أسلحة حزب الله ومنشآته".
وأردف: "أما بالنسبة لنزع السلاح في شمال لبنان، فمن المرجح أن تستغرق هذه الخطوة وقتًا أطول في ظل سعي الرئيس عون ورئيس الوزراء سلام للتوصل إلى اتفاقات مع حزب الله".
وفي 5 أغسطس/ آب الماضي أقر مجلس الوزراء اللبناني حصر السلاح بيد الدولة بما فيه سلاح "حزب الله"، وتكليف الجيش بوضع خطة وتنفيذها قبل نهاية العام 2025.
لكن أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم أكد مرارا أن الحزب لن يسلم سلاحه، ودعا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية.
وأضاف بارئيل: " اختبار سلوك حزب الله لن يكون في موافقته أو اعتراضه على المفاوضات الدبلوماسية، بل عندما يبدأ الجيش اللبناني بنزع سلاح الحزب بشكل ممنهج في شمال لبنان والبقاع".
وتابع: "قبل ذلك من المتوقع أن تُزوّد الولايات المتحدة الحكومة اللبنانية بذخيرة دبلوماسية وسياسية تُسهّل عليها التوصل إلى اتفاقات مع حزب الله أو حشد الشرعية الشعبية إذا ما دعت الحاجة إلى مواجهته".
وزاد: "من المتوقع أيضًا أن تقدم إسرائيل للبنان إنجازات دبلوماسية، مثل الانسحاب من المواقع الخمسة التي تسيطر عليها داخل لبنان، وإعادة السجناء اللبنانيين الذين تحتجزهم، والسماح بعودة آلاف اللبنانيين، معظمهم من الشيعة، الذين فروا من قراهم في جنوب لبنان ولم يعودوا إلى ديارهم بعد".
وتتحدى إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله بمواصلة احتلالها 5 تلال لبنانية في الجنوب استولت عليها في الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق لبنانية أخرى تحتلها منذ عقود.
** ضغوط أمريكية
من جهته أشار المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إيتمار إيشنر، الخميس، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس "ضغوطًا شديدة" على إسرائيل ولبنان لمنع انهيار وقف إطلاق النار.
وقال: "عقد مسؤولون من البلدين، الأربعاء، اجتماعًا مباشرًا - هو الأول من نوعه - في بلدة الناقورة جنوب لبنان، تناول القضايا الاقتصادية والمدنية".
وأضاف: "بعد أن تحدثت إسرائيل عن الاستعداد لتحرك استباقي ضد حزب الله في أعقاب محاولاته إعادة بناء صفوفه، أكد مسؤول إسرائيلي الآن أنه لا يوجد قرار بالتصعيد بشكل قاطع"، موضحًا أن "العامل الأمريكي أساسي في عملية صنع القرار".
وأشار إيشنر إلى أن اللقاء عقد تحت ضغط ووساطة من واشنطن، بعد أن التقت المبعوثة الأمريكية الخاصة إلى لبنان مورغان أورتاغوس، الثلاثاء، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس جهاز الاستخبارات شلومي بيندر "الذي قدم لها معلومات استخباراتية عن تعزيز حزب الله قوته وعجز الحكومة اللبنانية في مواجهته".
وتابع: "كانت أورتاغوس نفسها حاضرة أيضًا في الاجتماع في الناقورة، وكان من المهم بالنسبة للأمريكيين تقديم مظهر المحادثات بين الحكومات، حيث لم يجلس حتى الآن سوى الممثلين العسكريين من إسرائيل ولبنان معًا في اجتماعات لجنة الرقابة".
ولفت إيشنر إلى أنه بعد لهجة التهديدات الإسرائيلية بالتصعيد ضد لبنان، فإنه "الآن، وبعد اللقاء المباشر بين المسؤولين السياسيين من إسرائيل ولبنان، يبدو أن الأجواء قد هدأت قليلًا، ربما بسبب الضغط الأمريكي في هذا الشأن وتأثير واشنطن الهائل على السياسة الإسرائيلية على غرار الضغط الذي مارسه الرئيس دونالد ترامب لتنفيذ خطته في قطاع غزة".
**تمهيد مبكر
أما المحلل في صحيفة "إسرائيل اليوم" داني زاكين فقال، الخميس: "بعيدًا عن المناقشات المباشرة حول مراقبة وقف إطلاق النار، فقد قُدّم هذا الاجتماع على أنه تمهيدٌ مبكرٌ للتطبيع النهائي، حتى لو ظلت الاتفاقات السياسية الفعلية بعيدة المنال".
وأضاف: "تُمثل هذه الاتصالات تحولًا هامًا. فخلال مفاوضات الحدود البحرية في السنوات السابقة، رفض لبنان، تحت ضغط حزب الله، إرسال مسؤولين مدنيين، وكانت المحادثات تُجرى بشكل غير مباشر عبر الولايات المتحدة وفرنسا، ويديرها ضباط عسكريون".
واعتبر زاكين أنه "بالنسبة لإسرائيل، يُمثل هذا تعديلًا في السياسة بالتنسيق مع واشنطن".
وتابع: "هناك الآن مساران منفصلان: الحملة ضد حزب الله وجهود تفكيك ترسانته العسكرية، والعملية السياسية مع لبنان".
وأردف: "منحت الإدارة الأمريكية إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة عملياتها العسكرية ضد حزب الله، بينما تضغط في الوقت نفسه على إسرائيل لدعم خطوات تُقرّب الحكومة اللبنانية والرئيس عون من واشنطن، وتُعزز تدابير بناء الثقة".
وكان يُفترص أن ينهي اتفاق وقف إطلاق النار الموقع قبل نحو عام عدوانا شنته إسرائيل على لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتحول إلى حرب شاملة في سبتمبر/ أيلول 2024، خلفُت أكثر من 4 آلاف قتيل وما يزيد على 17 ألف جريح.
ومنذ سريان الاتفاق ارتكبت إسرائيل آلاف الخروقات، ما أسفر عن مقتل وإصابة مئات اللبنانيين، إلى جانب دمار مادي.
