"الواقع الافتراضي".. فسحة لأطفال بغزة بعيدا عن ذكريات الحرب (تقرير)
داخل خيمة في أحد مراكز النزوح ببلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، يجلس الطفل الفلسطيني أحمد مرتديا نظارات الواقع الافتراضي، لينتقل عبرها إلى عالم من المشاهد الطبيعية والرسوم الهادئة، بعيدا عن ذكريات حرب الإبادة الإسرائيلية التي امتدت لعامين.
Gazze
غزة/ محمد ماجد/ الأناضول
- الطفل أحمد: جلسات الواقع الافتراضي تمنح شعورا بالراحة وتخفف الضغط النفسي- عبد الله أبو شمالة مستشار نفسي: المبادرة توظف التكنولوجيا الحديثة بتدخلات نفسية لأطفال عايشوا صدمات الحرب
- إسراء أبو هولي الأخصائية النفسية: الفريق يقدم جلسات علاجية متكاملة تشمل الرسم واللعب وتوظيف الواقع الافتراضي كمساحة آمنة للتفريغ والشفاء
داخل خيمة في أحد مراكز النزوح ببلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، يجلس الطفل الفلسطيني أحمد مرتديا نظارات الواقع الافتراضي، لينتقل عبرها إلى عالم من المشاهد الطبيعية والرسوم الهادئة، بعيدا عن ذكريات حرب الإبادة الإسرائيلية التي امتدت لعامين.
وخلال العامين الماضيين، مر أحمد بظروف مروعة فرضتها حرب الإبادة كان أبرزها مقتل شقيقه التوأم جراء الهجمات الإسرائيلية، فضلا عن تعرضه لإصابة مباشرة.
ووجد أحمد في جلسات الواقع الافتراضي التي يقدمها مختصون في مجال التكنولوجيا الطبية، متنفسا يخفف عنه وطأة الأثر النفسي الذي خلفته الإبادة، حيث بدأ باستعادة قدرته على التوازن والهدوء بعدما غيرت الحرب من سلوكه الاجتماعي.
ويعد الأطفال، الذين يشكلون ما نسبته 47 بالمئة من سكان قطاع غزة، من أكثر الفئات تضررا من الإبادة الإسرائيلية، حيث قتل الجيش أكثر من 20 ألف طفل وأصاب المئات بحالات بتر، كما تسبب بتيتم 56 ألفا و348 آخرين، وفق أحدث إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي.
وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال مكتب الأمم المتحدة المعني بتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير إن 93 بالمئة من أطفال غزة يُظهرون "سلوكا عدوانيا" بسبب الحرب وانهيار الخدمات الأساسية.
وفي التفاصيل، قال المكتب إن تسعة من كل 10 أطفال بغزة "يُظهرون علامات سلوك عدواني مرتبطة بأكثر من عامين، حيث تآكل إحساس الأطفال بالاستقرار والأمن مع انهيار الخدمات اليومية الأساسية".
وإلى جانب السلوك العدواني، فإن التقرير الأممي رصد ما نسبته 86 بالمئة من الأطفال يعانون من حالة الحزن والانعزال، و79 بالمئة يعانون من اضطرابات نوم، و69 بالمئة يرفضون الدراسة.
** هروب من الذكريات
ومع توالي الجلسات الفردية التي يقدمها مختصو التكنولوجيا الطبية بجهود ذاتية، بدأ أحمد يستعيد جزءا من استقراره النفسي، حيث يبتعد ذهنيا عن صور الدماء والدمار ويتنقل إلى واقع يمنحه شعورا بالأمان.
ويعمل الفريق الطبي المتخصص على تحويل هذه التقنية إلى جسر علاجي يربط الأطفال ببيئة آمنة تشجعهم على التعبير عن آلامهم والتعامل مع آثار الحرب بطرق صحية.
وفي 21 نوفمبر الماضي، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في تدوينة على منصة شركة "إكس" الأمريكية، إن تعافي الأطفال في قطاع غزة بعد الحرب سيستغرق وقتا طويلا.
وذكر غيبريسوس أن "الأطفال في غزة يتنفسون لحظات من الهدوء أخيرا بعد عامين من العنف".
وأشار إلى أن وقف إطلاق النار الهش منح الأطفال فرصة للتنفس والتواصل واللعب، بل وحتى البدء بالتعافي.
وفي حديثه للأناضول، قال الطفل أحمد (لم يذكر اسمه بالكامل)، إن جلسات الواقع الافتراضي التي يشارك فيها "تمنح شعورا بالراحة وتخفف الضغط النفسي".
وتابع أن هذه الجلسات تمنحه "قدرة على نسيان جزء من الماضي"، بعدما ترك مقتل شقيقه التوأم وإصابته خلال الحرب أثرا مؤلما في حياته.
** علاج بالواقع الافتراضي
هذا التحسن، وفق المستشار النفسي عبد الله أبو شمالة، "لم يأت مصادفة، إذ تقوم المبادرة على توظيف التكنولوجيا الحديثة في التدخلات النفسية للأطفال الذين عايشوا الإبادة الإسرائيلية وما رافقها من أحداث صعبة وصدمات قاسية".
وبين أن الفكرة تقوم على دمج العلاج النفسي بتقنيات الواقع الافتراضي ضمن إطار علمي ممنهج، بحيث ينتقل الأطفال إلى بيئات افتراضية مليئة بالخضرة والطبيعة الهادئة تمنحهم شعورا بالأمان والراحة، وهو ما ينعكس إيجابا على حالاتهم النفسية وسلوكهم اليومي.
وأضاف أن "النتائج الأولية أظهرت ردود فعل إيجابية من الأطفال المشاركين، إذ بدا لدى بعضهم تحسن ملحوظ في الأعراض النفسية مقارنة بأقرانهم الذين لم يخضعوا للجلسات، ما يعكس فعالية التقنية كأداة مساندة في العلاج خلال الحرب".
** تفريغ ودعم نفسي
من جانبها، توضح الأخصائية النفسية الفلسطينية إسراء أبو هولي للأناضول أن الفريق يقدم للأطفال جلسات علاجية متكاملة تعتمد على الرسم والتلوين واللعب، إلى جانب توظيف الواقع الافتراضي كمساحة آمنة للتفريغ والشفاء.
وتشير إلى أن تلك الجلسات تتيح للأطفال التعبير عن مشاعرهم بحرية وثقة واستعادة الإحساس بالأمان وسط ظروف الحرب وضغطها النفسي، مؤكدة أن الانتقال عبر الواقع الافتراضي إلى بيئات هادئة يسهم في تخفيض نسبة التوتر وإعادة التوازن.
وتضيف أبو هولي أن الفريق يستخدم ضمن هذه الجلسات تقنيات علاجية تخصصية، بينها "تقنية التأريض" التي تطبق على الأطفال الذين يعانون الخوف والقلق المستمر، بهدف تهدئتهم وتعزيز إحساسهم بالأمان والطمأنينة خلال مراحل العلاج.
و"تقنية التأريض"، هي تمارين تزيد من ارتباط الشخص باللحظة الحالية وتشتته عن الأمور المقلقة والمؤلمة ما يعزز حالة الترابط بين العقل والجسد.
وخلفت حرب الإبادة التي بدأتها إسرائيل في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واستمرت لعامين، أكثر من 70 ألف قتيل فلسطيني وما يزيد عن 171 ألف جريح، ودمارا طال 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية في القطاع.
وانتهت الإبادة باتفاق وقف إطلاق نار بين حماس وإسرائيل في 10 أكتوبر الماضي، إلا أن تل أبيب خرقته مئات المرات ما أسفر عن مقتل نحو 373 فلسطينيا، وإصابة 970 آخرين.
