أفريقيا, التقارير

تصحيح خريطة إفريقيا.. معركة اعتراف تتسع لصياغة حقيقية للجغرافيا (تقرير)

تبنى الاتحاد الإفريقي مؤخرا حملة بعنوان "تصحيح الخريطة"، أطلقتها مجموعتان إفريقيتان للدفاع عن الحقوق، وهما "إفريقيا بلا تنميط" و"تحدث لأجل إفريقيا"، في أبريل/ نيسان الماضي.

Hussien Elkabany  | 12.09.2025 - محدث : 12.09.2025
تصحيح خريطة إفريقيا.. معركة اعتراف تتسع لصياغة حقيقية للجغرافيا (تقرير)

Istanbul

حسين القباني / الأناضول

- الاتحاد الإفريقي تبنى حملة بعنوان "تصحيح الخريطة" أطلقتها مجموعتان إفريقيتان للدفاع عن الحقوق
- الخبيرة المصرية بالشأن الإفريقي أماني الطويل: خريطة "ميركاتور" استمرت لأنه لم يكن هناك صوت يطالب بعكس ذلك
- الخبير الصومالي بالشأن الإفريقي علي محمود كلني: فكرة تغيير الخرائط عنوان عريض تقف خلفه محاولات للتخلص من إرث الاستعمار في القارة

تبنى الاتحاد الإفريقي مؤخرا حملة بعنوان "تصحيح الخريطة"، أطلقتها مجموعتان إفريقيتان للدفاع عن الحقوق، وهما "إفريقيا بلا تنميط" و"تحدث لأجل إفريقيا"، في أبريل/ نيسان الماضي.

وتسعى الحملة التي تحمل "هاشتاغ" بذات الاسم في منصة شركة "إكس" الأمريكية، لدفع المدارس والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام، والتطبيقات الرقمية إلى استخدام خريطة "الأرض المتساوية" التي تعكس الحجم الحقيقي لإفريقيا، بدل خريطة لا تعكس ذلك وتعرف باسم "مركاتور" وتعود إلى القرن السادس عشر.

وخريطة "الأرض المتساوية" (إيكوال إيرث) هي إسقاط خرائطي أطلق عام 2018 مستندا إلى تصميم يظهر القارات والدول بحجمها الحقيقي نسبيا.

أما "مركاتور" التي ابتكرها رسام الخرائط الهولندي غيراردوس مركاتور عام 1569 والمعتمدة حاليا في المناهج الدراسية، فهي لأغراض الملاحة وتضخم المناطق القريبة من القطبين مثل أوروبا وغرينلاند، فيما تقلص حجم المناطق الواقعة قرب خط الاستواء، وعلى رأسها إفريقيا.

إذ تظهر خريطة "مركاتور" أن حجم الاتحاد الأوروبي مثلا يكاد يضاهي حجم إفريقيا، في حين أن هذه القارة أكبر في الواقع بأكثر من سبع مرات.

ويرى خبيران بارزان في الشأن الإفريقي تحدثا للأناضول، أن الحملة حققت صدى غير معهود تاريخيا، متوقعين أن الوصول لترسيخ حجم إفريقيا على الخرائط قد يستغرق وقتا طويلا وصياغة عالمية جديدة لكنه يرسخ لشكل جديد للقارة في رفض تهميشها أو الإبقاء على الأدوات الاستعمارية التي تقلل قيمتها وحجمها.

** دعم لافت

وقالت سلمى مليكة حدادي نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في تصريحات بمنتصف أغسطس/ آب الماضي، إن "إسقاط مركاتور أعطى انطباعا خاطئا بأن إفريقيا هامشية، رغم أنها ثاني أكبر قارة في العالم وتضم 54 دولة وأكثر من مليار نسمة، ومثل هذه الصور النمطية تؤثر على وسائل الإعلام والتعليم والسياسة".

وأشارت إلى أن الاتحاد الإفريقي سيعمل على حث الدول الأعضاء والمنظمات الدولية على اعتماد الخريطة الجديدة وتوسيع نطاق استخدامها عالميا.

وأضافت حدادي، بحسب تقارير صحفية آنذاك، أنها أرسلت طلبا إلى الهيئة الجغرافية المكانية التابعة للأمم المتحدة (UN-GGIM).

** تيار إفريقي جديد

مديرة البرنامج الإفريقي في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" بمصر أماني الطويل قالت في حديث للأناضول، إن "خريطة مركاتور استمرت لأنه لم يكن هناك صوت يطالب بعكس ذلك".

الطويل، وهي عضو المجلس المصري للشؤون الإفريقية أضافت: "كان يتم تصنيف إفريقيا قارة هامشية لا تعطي شيئا للحضارة الإنسانية من جانب الأصوات الغربية، لكن قطاعات كثيرة بالقارة لا سيما لدى الشباب شكلوا أصواتا مناوئة لهذا الاتجاه الاستعماري وبالتالي رأينا الحملات الجديدة".

وأردفت: "هذا الاهتمام مثل ظهور تيار إفريقي عام خصوصا في القطاعات الشبابية مهتم برفض تصنيف إفريقيا بشكل غير واقعي استجابة لتطلعات استعمارية غربية سواء في شكلها القديم الاستعمار المباشر العسكري، أو في شكله الجديد باستهداف موارد القارة".

وتابعت الطويل: "كل عناصر تهميش إفريقيا وعدم إعطائها وزنها الواقعي يتم تفنيدها حاليا ومناقشاتها وإعادة طرح القضايا من منظور إفريقي".

ولفتت إلى أن "الاتحاد الإفريقي انحاز إلى مجهودات منظمات المجتمع المدني الإفريقية بشأن إعادة الاعتبار لإفريقيا على كافة الصعد والاتجاهات".

وأشارت إلى "أهمية السعي لتغيير خريطة مركاتور التي قزمت القارة نحو بؤرة إسقاط لا تعطي للقارة واقعها الحقيقي والجغرافي".

وزادت: "هذا السعي سيحسن صورة إفريقيا الهامشية غير الحقيقية"، مؤكدة أن "الزخم الذي أفرزته الحملة سيجد صدى بالطبع ولكن سيستغرق وقتا خاصة بعد نقطة النجاح التي حققتها بتبني الاتحاد صاحب الوزن بالعالم لها".

وترى الطويل أنه "مع كثير من الدأب قد يحدث تغيير الواقع الماضي وتُحدد بؤرة إسقاط جديدة لإفريقيا خصوصا مع تنامي استخدام الإسقاط الجديد الحقيقي نسيبا".

** صحوة إفريقية

الخبير الصومالي في الشؤون الإفريقية علي محمود كلني، رأى أن "تغيير الخرائط فكرة قوية بدأت منذ سنوات طويلة وهي عنوان عريض تقف خلفه محاولات للتخلص من إرث الاستعمار في القارة".

وفي حديث للأناضول، نبه إلى أنه "منذ وطأت أقدام الاستعمار الغربي أرض إفريقيا، والقارة تعيش تحت وطأة الاستغلال، والنهب الممنهج لمواردها، والتدمير المتعمد لبُناها الاجتماعية والسياسية".

ولفت إلى أنه "بالرغم من الاستقلال السياسي الذي نالته معظم دول القارة في النصف الثاني من القرن العشرين، فإن الواقع يكشف أن الاستعمار لم يغادر فعليًا".

وأوضح كلني أن ذلك الاستعمار "أعاد إنتاج نفسه بأشكال أكثر خفاء وتعقيدا من خلال السيطرة الاقتصادية، والتبعية الثقافية، والتغلغل الأمني والسياسي".

وتابع: "لعل أخطر ما تواجهه إفريقيا اليوم، هو الاستعمار الفكري الذي يكرّس مفاهيم دونية الذات، ويُعيد ترسيخ صورة الغرب باعتباره النموذج الأوحد للتقدم والنجاح".

"لكن في المقابل، تلوح في الأفق ملامح صحوة إفريقية جديدة، ووعي جمعي بدأ يتشكل تدريجيًا"، وهذا الوعي بحسب كلني "يرفض الاستسلام للخريطة التي رسمها الاستعمار، ويطالب بإعادة النظر في البنية العالمية القائمة التي ما زالت تخدم مصالح القوى المهيمنة، وتُقصي شعوب الجنوب من أي مشاركة حقيقية في صناعة القرار العالمي".

وأكد أن "إعادة رسم خريطة العالم ليست مجرد شعار، بل هي مشروع سياسي وثقافي متكامل، يتطلب قيادة إفريقية واعية، ورؤية موحدة، تنهض على الاستقلال الحقيقي في الفكر والسياسة والاقتصاد".

وأكمل: "حان الوقت لأن يقول الأفارقة كلمتهم، لا بوصفهم ضحايا للتاريخ، بل فاعلين أساسيين في صياغة المستقبل، وإذا لم تُواجَه هذه الهيمنة المتجددة فإن القارة ستقع من جديد في فخ استعمار أكثر خبثا، ينهب مواردها باسم التنمية، ويُحكم قبضته على حاضرها ومستقبلها باسم الاستقرار".

ورأى الخبير الصومالي أن "تغيير الخريطة بحاجة إلى وقت وصياغة عالمية جديدة ولن يكون سهلا، ويحتاج إلى تكاتف الجهود واستمرارها وزيادة التوعية".

** معركة اعتراف

وبحسب تقدير موقف لـ"المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسيات" (أفروبوليسي) في 22 أغسطس الماضي، فإن طلب الاتحاد الإفريقي اعتماد خريطة بديلة تُظهر القارة بحجمها الحقيقي على الخرائط العالمية، يعد "مبادرة سياسية تتجاوز الجغرافيا إلى معركة الاعتراف"، بهدف "تصحيح ما يعتبره كثيرون أحد أبرز أشكال تشويه الرمزي الذي رافق إفريقيا لقرون طويلة".

ووفق "أفروبوليسي"، فإن قرار الاتحاد الإفريقي "ليس مجرد نقاش تقني حول أي إسقاط جغرافي هو الأدق، بل هو إعلان سياسي بامتياز، فالخرائط لطالما حملت وظيفة مزدوجة، وهي أداة عملية للملاحة والتنقل، وأداة رمزية لترتيب العالم وفق ميزان قوى محدد".

وحين رُسمت خريطة "مركاتور" في القرن السادس عشر، "بهدف خدمة الملاحة الأوروبية في زمن التوسع الاستعماري، جعلت كتلًا صغيرة كغرينلاند تبدو بحجم إفريقيا تقريباً، وهو تشويه لا يخلو من دلالات تتجاوز التقنية البحتة"، وفق التقدير ذاته.

وأشار إلى أن الهدف "كان تسهيل حركة السفن الأوروبية في البحار، لكنها مع مرور الزمن صارت تُدرَّس وتُستخدم في المدارس والمؤسسات الرسمية باعتبارها الخريطة الطبيعية للعالم، وكانت إفريقيا الضحية الكبرى لهذا التشويه، إذ تحولت عبر انكماش بصري إلى مساحة صغيرة على الورق رغم امتدادها الهائل وثرائها السكاني والمواردي".

وبحسب التقدير فإن "إعادة رسم الخريطة ليست مسألة كرامة مجردة فحسب، بل هي فعل سياسي يتحدى السرديات الاستعمارية ويعلن عن رغبة إفريقيا في إعادة صياغة مكانها في العالم، فضلا عن أنه يضرب في عمق الخطاب الذي يقلل من شأنها في المخيال العالمي، من إطار التمثيلات النمطية التي تُحصرها في خانة الفقر والصراعات، دون إظهار جوانب قوتها وديناميتها السكانية والاقتصادية رغم ثرواتها الهائلة".

وعن التحديات العملية أمام تبني الخريطة البديلة، يرى تقدير الموقف أن "الخرائط ليست مجرد صور؛ بل هي أدوات معيارية تستخدمها المدارس، والجامعات، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الدولية".

ولفت إلى أن "تغيير هذه الأدوات يتطلب قرارات سياسية، وجهدًا لوجستيًا، واستثمارات في المناهج التعليمية والبرمجيات الرقمية، وتحالفات أوسع تشمل الأمم المتحدة والمؤسسات الإعلامية الكبرى".

واعتبر أن "الدول الأوروبية والأمريكية لطالما استفادت من تمركزها البصري على الخرائط، وإعادة ترتيب الصورة لصالح إفريقيا قد يُقابَل (هذا الحملة) بمقاومة صامتة وهذا يحتاج تحالفات للقارة لفرض التغيير".

ويخلص تقدير الموقف إلى أن "الانتقال نحو خريطة جديدة قد يستغرق وقتا طويلا".

وأوصى بـ 3 إجراءات أولها اعتماد الخريطة البديلة رسميًا داخل المؤسسات الإفريقية، فيما الإجراء الثاني إطلاق برنامج دبلوماسي منظم لدفع مؤسسات إعلامية وسياسية دولية إلى تبني الخريطة الجديدة.

أما الإجراء الثالث وفق التقدير، فهو "إنشاء منصة رقمية إفريقية موحدة للخرائط توفر نسخة معيارية معتمدة من الخريطة الجديدة، تكون متاحة للباحثين والمدارس والإعلام، ما يضمن وصولها إلى أوسع نطاق ممكن ويمنع العودة إلى الخرائط القديمة بحكم الاعتياد أو غياب البدائل".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın