تركية عاشت ربع قرن بغزة: تعلمت أن الحياة لا تتوقف رغم الألم (مقابلة)
التركية كوثر يلماز جرادة للأناضول: عشت الحروب والحصار والمعاناة التي مر بها أهل غزة وشاركتهم تفاصيل الحياة اليومية بكل ما فيها من ألم وصمود
Ankara
أنقرة/ شعله أوزكان/ الأناضول
**التركية كوثر يلماز جرادة للأناضول:- عشت الحروب والحصار والمعاناة التي مر بها أهل غزة وشاركتهم تفاصيل الحياة اليومية بكل ما فيها من ألم وصمود
- قد تتوقف الحياة في غزة لكن التعليم لا يتوقف حتى أثناء الحرب
- الحياة كانت صعبة لكنها جعلتهم أقوى، إيمانهم عميق، وبعد كل حرب يعيدون بناء أنفسهم ويواصلون الحياة
على مدى 24 عاما من الحصار والحروب الإسرائيلية، عاشت التركية كوثر يلماز جرادة بين أهل غزة، تشاركهم صمودهم في وجه الدمار وتتنفس معهم تفاصيل الحياة تحت القصف الإسرائيلي والعزلة.
ومنذ انتقالها إلى القطاع عام 1999 بعد زواجها، خاضت جرادة سنوات من المعاناة التي عاشها الفلسطينيون، من انقطاع الكهرباء وشح المياه إلى الخوف الدائم من الغارات، لكنها تؤكد أن تلك التجارب صنعت في أهل غزة قوة استثنائية وإيمانا عميقًا بالحياة، جعلتهم يواصلون البناء رغم الدمار والحصار الذي يخنقهم منذ أكثر من 17 عاما.
وفي حديث للأناضول، قالت جرادة إن غزة علمتها أن الحياة لا تتوقف مهما اشتد الألم، وإن "الغزيين لا يعرفون الاستسلام، فكلما سقطت بيوتهم نهضوا من جديد".
وأضافت: "عشت الحروب والحصار والمعاناة التي مر بها أهل غزة، وشاركتهم تفاصيل الحياة اليومية بكل ما فيها من ألم وصمود"، وتابعت: "أعتبر نفسي واحدة من أهل غزة، وأشعر كما يشعرون".
- حياة تحت الحصار
وأشارت جرادة إلى أن المستوطنين الإسرائيليين الذين أقاموا داخل غزة حتى عام 2005 "كانوا يتمتعون بحياة مترفة في مزارع ضخمة وأراض واسعة تضم مدارس ومصانع خاصة، في حين كان سكان غزة يكافحون من أجل لقمة العيش وسط ظروف اقتصادية صعبة وانتفاضة مستمرة".
وبعد احتلاله منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 بشكل أحادي وفككت مستوطنات أقامتها فيه في ظل السلطة الفلسطينية التي كانت تحكم القطاع آنذاك.
وذكرت جرادة أن الفلسطينيين بغزة "رفضوا بقاء الاحتلال وطهروا أرضهم من المستوطنين بأنفسهم".
- التعليم لا يتوقف
وأكدت جرادة أن التعليم يحتل مكانة كبيرة لدى الفلسطينيين بالقطاع، قائلة: "قد تتوقف الحياة في غزة، لكن التعليم لا يتوقف حتى أثناء الحرب".
وأضافت أن "الأطفال بعد المدرسة يتناولون طعامهم ويقضون معظم أوقاتهم في المساجد التي تعد مراكز اجتماعية وثقافية مهمة".
وأوضحت أن انقطاع الكهرباء شكل أحد أبرز ملامح الحياة اليومية، إذ "كانت الكهرباء تقطع معظم اليوم، وأحيانا لا تأتي إطلاقا، وفي أفضل الحالات تزود المنازل بها من 4 إلى 8 ساعات فقط".
ومضت قائلة: "العيش تحت الحصار فرض على سكان غزة تنظيم حياتهم وفق جدول الكهرباء، فإذا جاءت ليلا نستغلها لغسل الملابس والطبخ، وعندما نحصل على 8 ساعات متواصلة نعد ذلك نعمة".
وأردفت: "أما الماء فكان يصل كل يومين أو ثلاثة، فنخزنه ونقتصد في استخدامه، رغم الحرمان، كان أبناؤنا يواصلون دراستهم الجامعية، لقد علمنا أهل غزة معنى الصبر والرضا الحقيقي".
- غزة لا تستسلم
شددت جرادة على أن "الظروف القاسية جعلت الغزيين أكثر صلابة"، مضيفة: "الحياة كانت صعبة لكنها جعلتهم أقوى، إيمانهم عميق، وبعد كل حرب يعيدون بناء أنفسهم ويواصلون الحياة".
منذ أكثر من 18 عاما تفرض إسرائيل حصارا خانقا على الفلسطينيين في قطاع غزة، تسبب بشكل تراكمي في تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، قبل أن تشن تل أبيب حربها في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي دمرت غالبية مناطق القطاع وبنيته التحتية وقتلت وأصابت عشرات الآلاف غالبيتهم من الأطفال والنساء.
وأوضحت جرادة أنها عادت إلى تركيا في صيف 2023 بسبب وضعها الصحي، وقالت: "تلك الفترة اندلعت الحرب الجديدة، وكان التوتر يتصاعد منذ سنوات طويلة، لكن ما حدث بعد 7 أكتوبر فاق كل ما سبق".
وأشارت إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى كانت الشرارة التي دفعت غزة إلى التحرك، مضيفة: "أهل غزة ضحوا بأرواحهم من أجل حماية الأقصى".
واستذكرت مشاهد ما بعد 8 أكتوبر قائلة: "كانت الغارات عنيفة، ولم تصل المساعدات إلى كثير من المناطق بسبب الحصار الطويل، الناس اضطروا إلى شرب مياه الآبار أو البحر، وأحيانا أكل الأعشاب للبقاء على قيد الحياة".
وأضافت: "أطفالي عاشوا في غزة خلال السنتين الماضيتين، وأخبروني أنهم قضوا أسبوعين دون طعام، يكتفون بالماء فقط، بل طحنوا علف الدجاج ليصنعوا منه خبزا يأكلونه".
وأوضحت أن النظام الصحي في غزة انهار بالكامل نتيجة استهداف المستشفيات من قبل الجيش الإسرائيلي، ما ترك آلاف الجرحى دون علاج، كما تسببت الغارات في أزمة سكن حادة، إذ فقد آلاف المواطنين منازلهم واضطروا للعيش في الخيام أو بين الأنقاض.
- شعب يعرف كيف ينهض من جديد
أكدت جرادة أن "أهل غزة يمتلكون قدرة مذهلة على النهوض بعد كل دمار"، مضيفة: "ما إن يعلن وقف إطلاق النار حتى يعاد ترميم المساجد، وتصلح البيوت، وتنظف الشوارع، وتستمر الحياة من جديد، غزة مجتمع لا يعرف الاستسلام، بل ينهض في كل مرة أقوى من قبل".
ولفتت إلى أن فلسطينيي غزة يتميزون أيضا بكرمهم الكبير وحسن ضيافتهم، وقالت: "علمتني سنواتي في غزة معنى الشكر في الرخاء، والصبر في الشدة، والتكافل في الأزمات".
وقالت: "أنا فخورة بأنني عشت بين هذا الشعب العظيم، وربّيت أولادي هناك، وتعلمت منهم دروسًا في الإيمان والصبر والكرامة. لقد رأى العالم كله عظمة وصمود أهل غزة، وأسأل الله أن يرزقنا جميعًا الصلاة يومًا في المسجد الأقصى في القدس الحرة".
وشهد قطاع غزة خلال السنوات الماضية عدة حروب مدمرة، أبرزها أعوام 2008 و2012 و2014 و2021، وصولا إلى حرب 8 أكتوبر2023، التي تعد الأعنف والأطول.
وأسفرت هذه الحروب عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وإصابة مئات الآلاف، وتدمير مئات آلاف الوحدات السكنية والبنى التحتية، فيما حول القصف الإسرائيلي الواسع أحياء بأكملها إلى أنقاض وخلف أوضاعا إنسانية كارثية.
