استقالة الطبوبي بتونس.. ضغطت عليه السلطة أم يضغط عليها وعلى معارضيه؟ (تقرير)
- الاتحاد العام للشغل أعلن أن أمينه العام نور الدين الطبوبي تقدم باستقالته وستتم دعوته للاستفسار عن أسبابها ومحاولة ثنيه عنها ثم تصبح نافذة في حال تمسّكه بها
Tunisia
تونس/ عادل الثابتي/ الأناضول
- الاتحاد العام للشغل أعلن أن أمينه العام نور الدين الطبوبي تقدم باستقالته وستتم دعوته للاستفسار عن أسبابها ومحاولة ثنيه عنها ثم تصبح نافذة في حال تمسّكه بها- أستاذ علم الاجتماع مهدي مبروك: الطبوبي دُفع للاستقالة لأنه أقلية داخل الاتحاد. استقالته غير مسبوقة منذ الاستقلال وتؤكد مرور الاتحاد بأزمة ثقة نقابية
- أمين عام حزب المسار محمود بن مبروك: الاتحاد بالهيئة الحالية غير شرعي. الطبوبي أصبح محل نقد من الطبقة الشغيلة والأحزاب المساندة للرئيس وليس صحيحا أن السلطة أمرته بالخروج
- العضو السابق بالاتحاد الجهوي للشغل بالعاصمة رشيد النجار: السلطة ترغب في تغيير القيادة الحالية للاتحاد والطبوبي استقال للضغط على المكتب التنفيذي للموافقة على إضراب 21 يناير
في خطوة مفاجئة وغامضة، أعلن متحدث الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، الثلاثاء، تقديم الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي (64 عاما) استقالته دون الإعلان عن الأسباب.
وأوضح الطاهري أن "الاستقالة لا تفعّل بشكل فوري، فالقانون الداخلي للاتحاد ينص على دعوة المعني بالأمر خلال 15 يوما للاستفسار عن أسباب استقالته ومحاولة ثنيه عنها، ثم تصبح نافذة في حال تمسّكه بها".
وأفاد بأن "عدة لقاءات ستعقد خلال الأيام القليلة القادمة داخل الهياكل النقابية لتدارس الخطوات التي سيتم اتخاذها تباعا، في ظلّ التطورات الأخيرة".
ومنذ عام 2017 يتولى الطبوبي الأمانة العامة للاتحاد، وهو أكبر نقابة بتونس، وأُسس عام 1946، وبرز دوره بشكل كبير عقب ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
** استقالة غير مسبوقة
أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية مهدي مبروك قال للأناضول إنها "استقالة غير مسبوقة بالنسبة للأجيال النقابية لما بعد الاستقلال" عام 1956.
واعتبر أن "هذا يؤكد أن كل ما يقال عن أزمة ثقافة نقابية يمر بها الاتحاد صحيحا".
وأضاف: "تبين الاستقالة أن الاتحاد غير قادر على استيعاب التحول الديمقراطي في مسألة إعادة الهيكلة، خصوصا بعد تغوّل بعض النقابات القطاعية وطرح مسألة اللامركزية النقابية".
و"القطرة التي أفاضت الكأس هي فصل التمديد، الأمر الذي طرح قضية الديمقراطية النقابية"، بحسب مبروك.
وخلال مؤتمر استثنائي للاتحاد بمحافظة سوسة عام 2021، تم تعديل الفصل 20 من نظامه الداخلي، لتمكين بعض أعضاء القيادة الحالية من الترشح لدورة ثالثة أو أكثر، بينما كانت مدّة عضوية أعضاء المكتب التنفيذي 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
وتابع مبروك: "هناك من يتحدث عن نهاية الاتحاد.. و(الاستقالة) مؤشر على حجم الخلافات، وهي ليست عرضية بل هيكلية".
وحول تأثير الاستقالة على تنفيذ الإضراب العام المعلن ليوم 21 يناير/ كانون الثاني المقبل للمطالبة بحقوق نقابية وزيارة أجور العمال، قال مبروك: "لا أعتقد أن الإضراب سيُنفذ".
وأردف: "حتى قبل إعلان الطبوبي استقالته كان هناك خلافا حقيقيا يشق المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية والهيكلة النقابية عموديا".
واستطرد: "وكان هناك نوعا من الابتزاز: إما أن نمدد ونذهب إلى إضراب عام أو لا نمدد والقدرة على التعبئة تكون ضعيفة".
و"لن تكون التعبئة (للإضراب) قوية حتى وإن أبُقي على الإضراب الذي استبعد حدوثه، فلن تكون التعبئة مثلما كانت في مرحلة الانتقال الديمقراطي أو لإضرابات السابقة"، كما زاد مبروك.
وحول مستقبل الاتحاد، قال مبروك: "هناك فرضيتان: الأولى أن يواصل الاتحاد في حالة استكانة ومهادنة (للسلطة) لها مبرراتها العديدة".
وتابع: "يتحول المكتب التنفيذي الحالي إلى مكتب تصريف أعمال، وهي مرحلة سيخسر فيها الاتحاد، فالنظام لن يتنازل ولن يتفاوض".
أما الفرضية الثانية، بحسب مبروك: "وهي مستبعدة أن يَعمد الاتحاد إلى افتعال مواجهات، قد تكون قطاعية، مثل إضراب النقل والبنوك".
وأردف: "حتى إضراب النقل كان جزءا من تعميق الأزمة الداخلية، وكانت هناك خلافات داخلية جراء ذلك، وبرز شق يدعو للمصالحة والمهادنات وهي أغلبية، والطبوبي دُفع للاستقالة لأنه أقلية".
مبروك خلص إلى أن "الاتحاد ذاهب إلى أزمة داخلية كبيرة ونوع من شراء السلام".
وتشهد تونس أزمة سياسية منذ أن بدأ الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021 فرض إجراءات استثنائية شملت: حل مجلس النواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وفي البداية، ساند اتحاد الشغل هذه الإجراءات، قبل أن يبدي تحفظات عليها، بعد رفض سعيد دعوات لحوار وطني أطلقها الاتحاد في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات "انقلابا على الدستور وترسيخا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسار ثورة 2011".
** انقسام داخلي
"استقالة الطبوبي أو عدمها غير مهمة".. هكذا بدأ أمين عام حزب المسار (موال للرئيس سعيد) محمود بن مبروك حديثه للأناضول.
واعتبر أن "الاتحاد بالهيئة الحالية غير شرعي وغير قانوني، بل قام بتنقيح القانون لإضفاء شرعية على هذه الهيئة".
وتابع: "استقالة الطبوبي (جاءت) قبل شهرين من انتهاء العهدة (ولايته في المنصب)، في تقديري هذه العهدة اكتملت، هو فقط أراد الخروج من الباب الكبير".
و"مواصلة الاتحاد تهديد الشعب بإضرابات عامة جعل الشعب يرفض أي إضراب"، بحسب ابن مبروك.
وأردف أن "الاتحاد نظم رقما قياسيا من الإضرابات في العشرية السوداء"، في إشارة إلى السنوات العشر التي سبقت إجراءات سعيد الاستثنائية.
ويقول سعيد إن إجراءاته هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، مشددا على عدم المساس بالحريات والحقوق.
وقال ابن مبروك: "سوف نتصدى بكل الطرق لإضراب 21 يناير، لأنني على علم أن الشعب سيرفض الإضراب والموظفون وطنيون سيرفضون الإضراب".
وأضاف: "الطبوبي لم يعد يقوم بدوره النقابي وأصبح يدعم مسيرات المعارضة وموقفه ضعيف وضد السلطة".
وبخصوص حديث نقابيين عن ضغوط من السلطة على الطبوبي حتى يستقيل، قال ابن مبروك: "الطبوبي لم يتعرض له أحد".
وتابع: "صحيح هو أصبح محل نقد من الطبقة الشغيلة (العمال) والأحزاب المساندة للرئيس".
واستدرك: "لكن ليس صحيحا القول بأن السلطة أمرته بالخروج. بالعكس، لو كانت تمارس ضغوطات عليه لبقي في الاتحاد ليحصن نفسه".
وحول مستقبل العلاقة بين الاتحاد والسلطة، قال ابن مبروك: "إذا استرجع الاتحاد ثقة منظوريه (منتسبيه) والمواطن سترجع ثقة السلطة فيه".
وأضاف أن الاتحاد في هذه الحالة "سوف يصبح صاحب قراره الداخلي، ويدخل في مفاوضات اجتماعية سلمية مع السلطة".
ومنذ أشهر تشهد تونس توترا متزايدا بين اتحاد الشغل والسلطات، وسط اتهامات متبادلة بالتحريض والتصعيد ومظاهرات احتجاجية وإضرابات مهنية تطالب بزيادة أجور العمال وتوسيع الحريات العامة ومعالجة مشاكل التلوث الصناعي.
ومقابل المطالب النقابية، شددت السلطات مرارا على التزامها باحترام الدستور والمعايير الدولية ذات الصلة بالحريات العامة، وانفتاحها على التفاوض مع النقابات ضمن ما تسمح به إمكانات الدولة.
** ضغط من الطبوبي
العضو السابق في الاتحاد الجهوي بالعاصمة رشيد النجار اعتبر في حديث للأناضول أن استقالة الطبوبي "لها أهمية كبرى".
وتابع أن "هناك تداعيات لهذه الاستقالة، فليست هناك أي استقالة عفوية، والاتحاد دخل في أزمة حاول النقابيون فضها، ولكن الأمور تفاقمت".
وزاد: "لا ندري هل قدّم الطبوبي استقالته لفائدة الاتحاد أم لفائدته هو شخصيا".
وحول تأثير الاستقالة على إضراب 21 يناير، قال النجار: "استقالة قبل إضراب عام ليست جيدة، كأمين عام على الطبوبي التفكير في مصلحة الاتحاد والمحافظة عليه".
واعتبر أن "الأمين العام قدم استقالته للضغط على المكتب التنفيذي ككل ووضعه في طريق مسدود للموافقة على الإضراب العام".
وأوضح أن "الإضراب قررته الهيئة الإدارية (للاتحاد)، وهي التي يرجع لها قرار الاستمرار فيه من عدمه".
كما أن "الإضراب رد فعل تجاه السلطة، وهو آخر سلاح يستعمله الطبوبي ضد مجموعة من المكتب التنفيذي وراءهم السلطة، لوضعهم أمام مسؤولياتهم"، بحسب النجار.
ورأى أن "تنفيذ الإضراب من الناحية القانونية مرتبط برجوع الطبوبي عن الاستقالة وتراجع ضغط السلطة على الاتحاد".
النجار اعتبر أن "السلطة متدخلة في الأزمة الحالية للاتحاد وتقف وراء المعارضة النقابية، وإذا استمر الطبوبي في الاستقالة لن يقع (يُنظم) الإضراب".
وبشأن العلاقة مع السلطة قال إنها "متوترة، لأن الاتحاد يدافع عن الطبقة الشغيلة، والسلطة تدّعي الدفاع عن العمال وتقرّر زيادات دون الرجوع لممثل العمال الاتحاد العام للشغل".
وأضاف أن "الاتحاد بالنسبة للسلطة كأنه غير موجود، وهذا خطر على الاتحاد وعلى رمزيته في نظر العمال".
ورأى أن "السلطة تلجأ لأخطاء الاتحاد، والخطأ الوحيد للاتحاد هو تحوير (تعديل) قانونه الأساسي".
وختم بأن "السلطة ترغب في تغيير القيادة الحالية (للاتحاد)، والولاة يلعبون دورا في إفشال تحركات الاتحاد عبر التأثير على الاتحادات الجهوية".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
