archive, الدول العربية

مهرجان "كناوة" بالصويرة المغربية.. نغم إفريقي لإحياء الذاكرة

لعقود، عاشت موسيقى "كناوة" الصوفية لحنا مغمورا في أزقة مدينة الصويرة (جنوب المغرب) ودروبها العتيقة.

24.06.2013 - محدث : 24.06.2013
مهرجان "كناوة" بالصويرة المغربية.. نغم إفريقي لإحياء الذاكرة

الصويرة(المغرب)/سارة آيت خرصة/الأناضول - لعقود، عاشت موسيقى "كناوة" الصوفية لحنا مغمورا في أزقة مدينة الصويرة (جنوب المغرب) ودروبها العتيقة، وبعد عقد من الزمان أو يزيد، جعل منها "مهرجان كناوة ..موسيقى العالم"، الذي تحتضنه المدينة، موسيقى عالمية، تنافس موسيقى الجاز وتصطف في خانة الإيقاعات الروحية لشعوب العالم، تحكي قصة الإفريقي القادم من جنوب الصحراء مهاجرا وخادما في قصور السلاطين، ومستوطنا للبلد الجديد، بل ومسهما في صياغة ثقافته.

يكفي أن تتعالى صيحات "المعلم الكناوي" (قائد الفرقة) في سماء مدينة الصويرة لتروي أنغامه، وأغانيه الصوفية "رحلة الرق" وبعضا من معاناتها، وحكاية تعايش العربي والإفريقي المسلم على أرض المغرب، وتعيد إلى الذاكرة صخب الاحتفالات في القبائل الإفريقية القديمة، مصحوبا بآلة الهجهوج (آلة وترية مغربية).

فعلى مدى 3 أيام، مطلع الأسبوع الجاري، استضافت مدينة الصويرة (حوالي 400 كلم جنوب الرباط) فرقا موسيقية للفن الكناوي من كل أنحاء المغرب وأخرى قادمة من بلدان إفريقية ومن أمريكا، في إطار الدورة السادسة عشر لـ"مهرجان كناوة .. موسيقى العالم "، والتي تعتبر بحسب مهتمين حدثا يتجاوز البعد الاحتفالي الفلكلوري إلى الكشف عن وجه آخر لطبيعة بلدان المغرب العربي بعمقها الإفريقي وامتداداته الثقافية والحضارية.

وفي "الصويرة" المستكينة على ضفاف الأطلسي، والتي احتضنت بين أسوارها القديمة حكايات تعايش لعدد من الثقافات والديانات يهودية ومسلمة، عربية وأفريقية أمازيغية، تعتلي الخشيات (منصات العزف) التي أقيمت في أكثر من فضاء داخل المدينة العتيقة فرق "الفن الكناوي"، ويسهر جمهور المدينة وآخرون قدموا خصيصا لمتابعة المهرجان من كل أنحاء المغرب ومن خارجه إلى ساعات الصباح الأولى على وقع أهازيج كناوة، غير عابئين بلسعات ريح المدينة البحري ولا بأجوائها الباردة.

كلمات الأغاني الكناوية العربية ترتدي عباءة اللحن الأفريقي، بل تغنى على إيقاع الأهازيج التي كان يرددها القادمون من أفريقيا في احتفالات قبائلهم، وحين ترحالهم مع القوافل التي تجتاز الصحراء في رحلات التجارة التي كانت تقصد أفريقيا بحثا عن المواد الأولية والذهب والملح وغيرها، كان الزنوج يسخرون للخدمة في قصور أمراء الإمبراطوريات التي حكمت بلاد المغارب (تونس والمغرب والجزائر)، وحين إقامتهم في ديارهم الجديدة دخلوا الإسلام واعتنقوه بمحبة صوفية، فأبدعوا موسيقى كناوة التي تعد اليوم أحد أشهر الألحان الصوفية التي يمتزج فيها الموروث الأمازيغي والعربي الإسلامي والأفريقي.

وتعود الأغاني الكناوية لدى العديد من القبائل الإفريقية إلى أساطير قديمة حملها المهاجرون إلى المغرب في رحلات هجرة قسرية حينا وطوعية حينا آخر، حيث يقول المعلمون الكناويون إن هذه الموسيقى هي إرثهم الخاص.

وكانت في البدء موسيقى دينية تحيى بها ليالي التقرب إلى الله في الزوايا والأضرحة، فاكتست وما تزال بعدا صوفيا خالصا، يجعل من كلمات الأغاني الكناوية قصائد مناجاة لله، وأخرى تروي تاريخ المعارك التي شارك فيها المغاربة للدفاع عن بلدهم أيام حروب الاستعمار، وقصائد تقص بتفصيل مطول رحلة المهاجر الأفريقي إلى الشمال أحيانا في هجرات "الرق" وأخرى حين استوطن عدد من الزنوج الأفارقة بلاد المغرب برغبتهم.

أما مدينة الصويرة بالساحل الجنوبي للمغرب فكانت مرفئا تحط فيه السفن القادمة من شواطئ إفريقيا السوداء، في رحلتها للشمال، ما جعل العديد من الزنوج الأفارقة يختارونها مقرا للإقامة، وما أضفي على هذه المدينة الشاطئية الصغيرة طابعا متميزا، خصوصا أنها كانت منذ قرون موطنا عاش فيه اليهود المغاربة إلى جانب المسلمين، وخلفوا تراثا حضاريا ميز الصويرة عن باقي المدن والحواضر التاريخية الأخرى.

ويستمد مهرجان كناوة الذي يقام كل سنة بالمدينة، برعاية العاهل المغربي محمد السادس، من كل هذا الزخم الثقافي الذي تعبر عنه هذه الموسيقى الروحية، الأهمية التي أضحى يكتسيها والاهتمام الإعلامي والثقافي الذي يسلط عليه، فبالإضافة إلى فرق كناوة المحلية تقدم عروض يشارك فيها فنانون عالميون يؤدون مقاطع من فن الجاز الذي يتقاطع، في منشئه التاريخي عن الاستعباد والتهميش ومعاناة الزنوج بأمريكا وأوروبا، مع موسيقى كناوة، فتلتقي على خشبة واحدة وعلى إيقاع أنغام واحدة رواية إنسانية اختار أصحابها أن يكتبوها بالموسيقى.

وإلى جانب الوصلات الفنية التي يقدمها المهرجان، اختار المشرفون على المهرجان تكريم عدد من "المعلمين الكناويين" الذين أبدعوا في حفظ هذا الموروث الثقافي العالمي، حيث كرم المهرجان "المعلم باكو" وهو أحد أعضاء فرقة "ناس الغيوان" التي تعد واحدة من أهم الفرق الغنائية التي عرفها المغرب الحديث.

و"المعلم باكو" أحد أبناء مدينة موكادور (الاسم التاريخي لمدينة الصويرة) ويعد أول من أدخل ألحان كناوة إلى موسيقى فرقة "ناس الغيوان" (التي كانت تؤدي أغان تعبر عن وضعية الحال السياسي والاجتماعي في المغرب زمن السبيعنات)، ما أضفى على أغنياتها بعدا روحيا ووجدانيا عميقا و أكسبها جمهورا جديدا.

 

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın