archive, الدول العربية

مأساة "العار" تلاحق أسر "عملاء" إسرائيل في غزة

"يستشعر جميع أفراد الأسرة بالألم، وبأنهم منبوذون اجتماعيًا في حال اكتشاف وجود عميل في العائلة"

01.07.2012 - محدث : 01.07.2012
مأساة "العار" تلاحق أسر "عملاء" إسرائيل في غزة

ياسر البنا

غزة - الأناضول:

للوهلة الأولى، بدا محمد في عين الناشط الاجتماعي نعيم الغلبان، كأي شاب فلسطيني عادي، لكن كلماته عبرت عن مأساة حقيقية يعيشها الشاب الغزوي مثل العديد من أقارب وأسر العملاء التي تجندهم إسرائيل ويعاني ذووهم من نبذ المجتمع لهم.

فالشاب محمد - وهو اسم مستعار -  أجاب على سؤال رئيس جمعية الوداد للتأهيل المجتمعي، نعيم الغلبان، حول عدم زواجه رغم بلوغه سن الثلاثين، وعدم بحثه مطلقًا عن عمل، بقوله: "من سيرضى يزوجني أو يشغلني.. أنا ابن أحقر عائلة في غزة، أبي واثنان من إخوتي قتلوا بتهمة الخيانة والعمالة لإسرائيل".

و"العميل"، هو مصطلح يطلقه الفلسطينيون على الشخص الذي يتعاون مع الجيش الإسرائيلي، ويتجسس لصالحه، وينفذ مهام خاصة يأمره بها، كمحاولة انتزاع الأراضي الفلسطينية من أصحابها وبيعها لإسرائيل عن طريق الخداع.

وكانت وزارة الداخلية في قطاع غزة، قد عرضت الخميس الماضي مقطع فيديو مدته 20 دقيقة تضمن ما قالت إنه اعترافات لعملاء، قدموا معلومات مكنت الجيش الإسرائيلي من اغتيال قادة كبار في الفصائل الفلسطينية.

وقال أحد المتهمين، إنه قدم معلومات لصالح إسرائيل ساعدتها على اغتيال قيادات بارزة من حماس، بينهم سعيد صيام وعبد العزيز الرنتيسي وقائد الجناح العسكري للحركة صلاح شحادة، بينما قال آخرون إنهم كلفوا بنشر الشائعات وإثارة البلبلة في المجتمع.

واعتبر "الغلبان" في حديثه لوكالة الأناضول للأنباء أن اكتشاف ضلوع أحد أفراد العائلة الفلسطينية في "خيانة وطنه" من أكثر القضايا المجتمعية إيلامًا.

وقال: "يستشعر جميع أفراد الأسرة بالألم، ويشعرون بالخزي والعار، في حال اكتشاف وجود عميل في العائلة، ولهذا الأمر تأثيرات قاسية".

ولفت إلى أن مؤسسته "الوداد للتأهيل المجتمعي" أعدت دراسات حول هذه القضية، أثبتت أن أسر العملاء تعيش في "ضنك نفسي واكتئاب ومعاناة شديدة، وشعور بالدونية، والانطواء.. وكأن شبحًا يطاردهم".

كما أوضح أن القضية تمتد لتؤثر على مسألة "النسب"، حيث ترفض العائلات بشكل عام مصاهرة ذوي "العملاء"، وبالتالي يدفع بعض الأفراد ثمن جريمة لم يرتكبوها، مشيرًا إلى أن فئة الأبناء هم الأكثر تضررًا كون الابن يرث اسم والده.

وتابع "الأمر بالنسبة لابن العميل، قاتل ومؤلم، وتتملكه مشاعر متناقضة، وشعور بكراهية الوالد من جهة للعار الذي ألحقه به، ومن ناحية أخرى، شعور بالعاطفة نحوه والإشفاق عليه".

أما والدا العميل، فإنهما غالبًا - حسب الغلبان - يميلان إلى عدم تصديق الاتهام الموجه للابن، ويشعران بأنه مظلوم، وتطغى عليهما مشاعر الألم الممزوجة بالحسرة.

وحذر الغلبان من انحراف أبناء العملاء، إذا لم يجدوا الملاذ الآمن، والاستيعاب الواعي من المجتمع، وقال: "يهتز الابن لأن حبل القيم المتمثل بوالده، قد قُطع، وقد ينحرف رغبة في الانتقام من المجتمع الذي نبذه وعاقبه على جريمة لم يرتكبها هو".

وأشار إلى أن غالبية ذوي العملاء، يرغبون بالهجرة، ومغادرة الوطن، نظرًا للأذى النفسي الذي لحق بهم، وشعورهم بعدم تقبل المجتمع لهم.

من جانبه قال علاء الريماوي الصحفي المختص في الشؤون الإسرائيلية من مدينة رام الله، إن "إسرائيل أولت ظاهرة تجنيد العملاء أهمية قصوى، وأنشأت أجهزة وأقسامًا ودوائر أمنية متخصصة، بتجنيد العملاء، وتعمل ليل نهار، دون ملل على إسقاط الفلسطينيين والعرب في أوكار العمالة".

وأوضح أن الأسلوب الأساسي الذي تتبعه إسرائيل في تجنيد العملاء، يتمثل في "ابتزاز المواطنين خاصة بعد إيقاعهم في مصائد جنسية، وتهديدهم بفضحهم أمام مجتمعهم المتدين والمحافظ".

وبحسب الريماوي فإنه نتيجة الجهود الإسرائيلية الممتدة طوال السنوات الماضية، ونتيجة الأوضاع الفلسطينية الصعبة، فمن الطبيعي أن تنجح في إسقاط أعداد من الفلسطينيين في وحل العمالة".

ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية حاربت ظاهرة العمالة، لكنها ظلت مقيدة باتفاقيات أوسلو للسلام التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل عام 1993 ونصت على عدم ملاحقة السلطة للعملاء.

لكن الحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة، تبذل جهودًا كبيرة في محاربة ظاهرة العملاء، ومحاصرتها، وقد حققت إنجازات في هذا الجانب، بحسب ريماوي.

وكشف الصحفي الفلسطيني أن إسرائيل تحاول اليوم إسقاط "الجيل الجديد"، بواسطة الاتصال الفردي، والبعد عن أسلوب الشبكات، وهو الأمر الذي يؤدي إلى "كيانات عمالة مغلقة يصعب اكتشافها".

وحول سبل محاربة ظاهرة العمالة، قال الريماوي: "نحتاج إلى منظومة تثقيف عالية.. ومتابعة أمنية شديدة، وسد احتياجات الناس، وإغلاق مراكز الرذيلة والمخدرات".

من جانبه قال العقيد محمد لافي، المسؤول الرفيع في جهاز الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية في غزة، إن العملاء يتسببون بالكثير من الضرر للمجتمع الفلسطيني، حيث إنهم لا يقدمون فقط المعلومات للاحتلال، بل يعملون كطابور خامس يبث الشائعات والبلبلة في أوساط الشارع الفلسطيني".

وقال لافي إن "ضباط جهازه تمكنوا من فك طلاسم شبكـات العملاء والوصول إلى عدد كبير منهم، مما شكل صفعة أمنية قوية لإسرائيل".

وأوضح أن إسرائيل تعاني من "مأزق كبير في قطاع غزة، في مجال الحصول على معلومات حول المقاومة الفلسطينية نتيجة جهود الأجهزة الأمنية"، مشيرًا إلى أن العملاء اليوم يعتمدون بشكل كبير في عملهم على "الهاتف النقال والإنترنت".

وكانت وزارة الداخلية في قطاع غزة قد أطلقت في يوليو/ تموز 2010 "الحملة الوطنية لمكافحة التخابر مع العدو"، والتي استمرت على مدار3 شهور.

وقالت الوزارة إن الحملة نجحت في دفع الكثير من العملاء إلى تسليم أنفسهم لجهاز الأمن الداخلي التابع لها.

ويعاقب القانون الفلسطيني المتهمين بالعمالة لإسرائيل بالإعدام، وقد نفذت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة في 7 إبريل/ نيسان الماضي حكمًا بالإعدام بحق شخص أدين بـ"الخيانة والتخابر مع الجيش الإسرائيلي".

يا/إم/حم

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın