سوريا الشهيدة.. تقصف بالبراميل المتفجرة قبل 89 عاماً
التاريخ يعيد نفسه... في كتاب شكيب أرسلان عن جرائم الفرنسيين في سوريا عام 1925

تعرضت سوريا لحملة وحشية من التدمير والقتل... دمرت المباني والتجمعات السكنية والآثار التاريخية، قصفت بالدبابات ودكّت بالطائرات الحربية، وألقيت منها البراميل الحارقة والمتفجرة، كما قتل النساء والأطفال والشيوخ بالرصاص، اطلقت من البنادق والرشاشات دون رحمة، وبقرت بطون الحوامل. نفذ ذلك بأيدي قوات الاحتلال الفرنسي ومرتزقته من السوريين، قبل 89 سنةً من ألآن.
عرف في التاريخ الإنساني أن الشهادة هي حالة بشرية، لكننا في حالة سوريا فنتحدث عن استشهاد "وطن" ... قتلاً وحرقاً وتدميراً..
في الأثناء، وفي غمرة التاريخ وجد قبل 3 سنوات كتاب "سوريا الشهيدة"، صدر عن الدار التقدمية اللبنانية ، لمؤلفة أمير البيان "شكيب أرسلان" ...الثائر على الظلم والحامل لواء "السلم"...يؤرخ لأيام من تاريخ الانتداب الفرنسي لسوريا ..والجرائم التي حدثت عام 1925.
التاريخ يعيد نفسه
القارئ للكتاب سيذهل من حجم التشابه بين سوريا التي استشهدت عام 1925 وسوريا التي استشهدت عام 2013...
89 عاماً تفصل بين الاستشهادين...( 89 ) هو الحد الأدنى لأرقام الضحايا التي تسقط يوميا من أبناء الشعب السوري على أيدي قوات نظام بشار الأسد، هذه الأيام.
المدنية الأوروبية
ولتوضيح الصورة الوحشية كاملة ... يعرّف شكيب أرسلان المدنية الأوروبية قائلا: "هي قتل الآمن، وبقر بطون النساء بالحراب، وإطلاق الرصاص على الطفل الرضيع، تحمله أمّه الباكية".
لماذا كل هذه السوداوية في وصف مدنية أوروبا؟؟ إليكم الجواب كما نطق به الكتاب..
إرواء لغليل الفرنسيين
إن إنكسارات الجيش السوري المتوالية، وعجز الحكومة العسكري والإداري، وكلاهما تحت إمرة الانتداب الفرنسي، وجهل المستعمرين، وانتشار فكرة الانتقام من أهل البلاد الآمنين، ونفور الأهالي من حكومة بيد المستعمر، جعل القائمين علىالانتداب يفرضون الضرائب الباهظة، ويبعدون المفكرين من أصحاب المكانة ومن الشبان خريجي المدارس العالية والآمنين الهادئين، وسجن عدد كبير من أهل دمشق، وغيرها من المدن السورية، وينكلون بالأهالي ويقتلون بلا سبب، ويحبسون بلا جريرة، ويسرقون أموال الناس وممتلكاتهم.
مقاومة
يقول أرسلان في كتابه أنه أمام هذا الحجم الهائل من الظلم الواقع على السوريين كان لا بد من وضع حد لجرائم الإنتداب، فتشكلت عصابات المقاومة الشعبية، التي اختارت الأرياف مقراً لها لتنظم أمورها، وأفرادها، وتجمع السلاح الكافي لمواجهة القوات الحكومة، وقمع الانتداب.
عصابات الغوطة (المقاومة)
يسرد الكتاب أن أول تجمع للمقاومة كان في منطقة الغوطة بريف دمشق، والذي ما ان تكوّن حتى بدأت أعداده في الزيادة من 20 الى 50 الى 100 مقاوم الى أكثر من ذلك.
وكانت قوات المقاومة الشعبية بقيادة حسن الخرّاط.
وكان رجال المقاومة يطلبون من الذاهبين الى دمشق ابلاغ الحكومة بتواجد المقاومين في الغوطة، فأرسلت الحكومة 70 دركياً، لاستئصال شأفة المقاومين، وحصلت مواجهات بين الطرفين، أسفرت عن وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف القوات الحكومية، بلغ نحو 300 قتيل، كما يروي أرسلان عن شهود عيان.
الانتقام من الغوطة
وما أن علمت قوات الانتداب الفرنسي بما جرى بين القوات النظامية ورجال المقاومة حتى سارعت الى الغوطة فدكتها بالمدفعية وقذفتها بالصواريخ من الطائرات، واستهدف القصف المدنيين الآمنين، وقامت قوات الانتداب بتحميل العربات والجرارات بجثث القتلى من السوريين الأبرياء.
ويأتي الكتاب على استعراض للجثث في شوارع دمشق ويصف أرسلان المنظر بقوله: شاهد الدمشقيون منظرا تنخلع لهوله القلوب، وتعافه نفوس أوحش أمم الأرض، وهو منظر ستين أو سبعين شخصاً من الشيوخ والقرويين والجمّالة مشدودي الاكتاف، ومن ورائهم الجمال تحمل جثث القتلى، وفريق منهم موثق اليدين مما يدل على أنهم أعدموا بعد وثاقهم. ومن وراء ذلك عربة نقل فيها عدة جثث، يموج بعضها فوق بعض، ومن بين الجثث، يد صغيرة تدل على أن صاحبها لا يتجاوز العاشرة من عمره.
وكان الهدف هو ترويع الناس وايهامهم بأن القتلى من المقاومين.
إحراق الغوطة وقرى مجاورة ونهبها
ويذكر شكيب أرسلان في كتابه "سوريا الشهيدة"، كيف قامت قوات الانتداب الفرنسي بالرد على المقاومة، بأن قامت باحراق الغوطة وقرى مجاورة لها.
"نعم.. أمرت السلطة الفرنسية جيشها بالغزو والنهب والسلب وـن يبيع الجنود ما سلبوه في المزاد العلني بدمشق" غير آبهين بشكاوى السكان من أفعال جنود السلطة الفرنسية.
وبعد النهب والسلب يتوجه الجنود الى تلك القرى فيحرقونها باستخدام البترول.
تدمير الآثار التاريخية
ويؤكد أرسلان أن القوات الحكومية كانت تستهدف المباني التاريخية فتدكها بالمدفعية وتدمرها تدميرا، وتنهب ما في المباني التي لم يلحقها التدمير وبعد ذلك تحرقها.
قتل نساء وأطفال مدينة حماة
ولم تسلم مدينة حماة من وحشية المدنية الأوروبية فقد توجهت نحوها المدفعية بالقصف المركز بالقذائف واطلقت باتجاه المواطنين رصاص رشاشاتهم، " فقتلت نفوساً بريئة، وأطفالاً ونساءً".
وكانت السلطات الفرنسية تطلب من المواطنين مطالب تعجيزية حتى اذا ما استطاعوا تنفيذها هدمت عليهم البيوت بقذائف المدفعية وطاردت فلول الناجين منهم فتقتل من يكون في مرمى بنادقهم.
لاجئون سوريون
وأمام وحشية الانتداب وسلطاته وجيشه، كان لا مفر امام عدد كبير من سكان بعض احياء دمشق ومدينة حماة وقرى الغوطة، الا الفرار بأرواحهم طلبا للنجاة فكانت بيروت وفلسطين وجهتهم المفضلة والآمنة.
كيف دمرت دمشق؟
يصف الكتاب المشهد، "كان يوم الأحد 18 أكتوبر1925،والأيام التي تلته، أياماً لم تشهد مدينة دمشق ولا غيرها من مدن العالم مثلها، أو شبيهاً بها، حتى في زمن هولاكو البربري وتيمورلنك الوحشي ونيرون الجهنمي."
"أطلقت قنابل المدفعية من قلعة المزة، على البيوت الآمنة المطمئنة من دون أن يسبقها إنذار أو خبر للأهالي العزّل الأبرياء أو للأجانب أو القناصل، خلافاً لمقتضيات الحقوق الدولية، وعصياناً لكل قانون في البشر"
البراميل المتفجرة الملتهبة
وعند ظهر اليوم المذكور، بدأت المدافع تقذف قنابل النفط الملتهبة على البيوت، فتشتعل وتلتهمها النيران، وهكذا حوصر الناس بالنيران من حولهم والقذائف من فوقهم واستمر الحال هكذا لثلاثة ايام.
الفتنة الطائفية
وحاولت سلطات الانتداب اللعب على الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، ففي الوقت الذي كانت تستهدف سلطات الانتداب الاحياء الاسلامية من دمشق بالقصف والحرق والتدمير والقتل، أخلت قواتها من الحي المسيحي بالمدينة، ظناً منها أن قوات المقاومة والسكان المسلمين سينتقمون من جيرانهم المسيحيين بالاعتداء عليهم وسلب أموالهم بحجة الانتقام من الانتداب الذي يحمي المسيحيين ويقتل المسلمين ولكن خاب ظنهم.
رسالة حسن الخراط
أمام هذا السيل العارم من الوحشية الفرنسية ورداً على لعبة الفتنة الطائفية وجه حسن الخراط رسالة نشرت في الصحف، الى الجنرال الفرنسي ساراي، جاء فيها ".. أما سياسياً، فإني كللت شرف العرب بما هو أهله، واستحسن فعلي العالم كلّه لحسن إدارة رجالي ومحافظتهم على إخواننا المسيحيين والأجانب خصوصاَ، وعلى الضعفاء عموماً. وأما أنت فقد نحرت شرف فرنسا وصوبت قنابلك الى قلبها...أنت ممثل فرنسا وأنا حارس دمشق، أسرت جنودك أسراً شريفاً، وأنت ضربت النساء والأطفال ضرباً دنيئاً".
فظائع دمشقية يوم 18 اكتوبر
ويلخص الكتاب ما جرى بعد الأيام الثلاثة التي استهدفت فيها أحياء دمشق الإسلامية بالقصف والدكّ والتدمير على رؤوس الآمنين : "أما جثث القتلى من النساء والأطفال والرجال التي وجدت تحت الردم فكثيرة، ولا يمكن تعيين مقدارها الا بتوالي الايام، وقد اتفق الرواة الثقات على أنه أخرج من حيّ واحد، هو حيّ الشاغور، في يوم واحد ثلاثماية جتة من قتلى النساء والشيوخ والأطفال".
سوريا الشهيدة
لا شك أن من يقرأ الكتاب فحتما يقول : لو أننا استبدلنا كلمة قوات الانتداب الفرنسي بقوات نظام بشار الأسد لما تغير حرف في الكتاب.. فها هي سوريا تموت مرتين :الأولى على يد أعدائها المستعمرين والخونة المارقين، واليوم تموت على أيدي أبنائها من جنود النظام الأسدي الذي بلغت مجازره حد الوصف وفاقت كل إجرام.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.