دولي, archive

مصر.. ضحايا "أمن الدولة" نزلاء مستشفى الأمراض العقلية (فيديو)

أطباء يروون لمراسل "الأناضول" قصصًا مأساوية لمواطنين لم يحتملوا التعذيب فتحولوا إلى مرضى نفسيين.

09.08.2012 - محدث : 09.08.2012
مصر.. ضحايا "أمن الدولة" نزلاء مستشفى الأمراض العقلية (فيديو)

حازم بدر

القاهرة - الأناضول

نجحت ثورة 25 يناير بمصر في تحرير أغلب معتقلي النظام السابق من السجون، لكن يبدو أنها لم تكن كافية لشفاء المرضى النفسيين جراء التنكيل بهم بجهاز مباحث أمن الدولة.

فحتى اللحظة لايزال مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية (وسط القاهرة) يضم نزلاء ممن يطلق عليهم "ضحايا أجهزة أمن النظام السابق" والذين لم يحتملوا التعذيب الذي تعرضوا له فتحولوا إلى مرضى نفسيين للهروب إلى عالم آخر.

فلم يكن الشاب "م. ح" نزيلاً عاديًا، كالذي يستقبلهم عنبر "58" المخصص لمشردي الشوارع في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية.. كان من السهل على أطباء المستشفى إدراك أنه نزيل مختلف، فكلماته تقول إنه حصل على قدر من التعليم والثقافة، لكنه فضّل هجرة بيته إلى الشارع ليعيش وسط المشردين هربًا من ملاحقة جهاز أمن الدولة.

"م. ح" الشاب الجامعي دخل المستشفى لمدة قصيرة جدًا، خلال زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقاهرة قبل سنوات، حيث يتم قبل الزيارات الهامة للقاهرة جمع مشردي الشوارع ووضعهم في هذا العنبر، ثم يتم تسريحهم بعد انتهاء الزيارة، وخلال تلك الفترة تمكن الأطباء من معرفة قصته، التي تكشف عن دور جهاز مباحث أمن الدولة الذي تحول مصريون بواسطة ممارساته القمعية إلى مرضى نفسيين.

وكان لجهاز مباحث "أمن الدولة" خلال النظام السابق اليد الطولى في كافة مجالات الحياة، وهو المتهم الأول بـ"التنكيل" بالمعارضين، وكان اسمه كان يثير الذعر في نفوس المصريين، واقتحمت أغلب مقاره من جانب المتظاهرين الغاضبين إبان ثورة 25 يناير قبل أن تضطر الحكومة إلى حله وتشكيل جهاز آخر يحمل اسم "الأمن الوطني".

حسام صبري، إخصائي الصحة النفسية بالمستشفى، يروي لمراسل وكالة "الأناضول" للأنباء قصة هذا الشاب قائلا: "لم يكن لديه انتماءات سياسية، غير أن جهاز أمن الدولة التقطه خلال وقوفه في محيط مظاهرة نظمها شباب الجامعة ليتم القبض عليه ويقضي فترة تعرض خلالها للتعذيب، قبل أن يتم الإفراج عنه".

مشكلة "م. ح" أن واقعة القبض عليه وضعت اسمه ضمن ملفات أمن الدولة، ليتم تكرار مرات اعتقاله، ولم تتحمل صحته النفسية ذلك، ففقد الثقة في أهله ومحيط سكنه، وظن أنهم هم مَنْ يبلغون الأمن عنه، فاتخذ قرار هجرة البيت والإقامة في الشارع.

هذا الشاب غادر المستشفى لأن وجوده ارتبط بفترة قصيرة جدًا، وهي زيارة الرئيس الأمريكي للقاهرة، غير أن هناك قصة أخرى لضحايا جهاز أمن الدولة بطلها محامٍ شاب، لا يزال موجودًا حتى الآن في عنبر الرجال بالمستشفى.

قصة هذا المحامي، كما يرويها صبري، أنه شارك في مظاهرة مطالبًا بزيادة راتبه، ومع ذلك صنّفه جهاز أمن الدولة بسبب ذلك علي أنه من الناشطين السياسيين، وأودي به إلي المعتقل، ومنه خرج مريضًا نفسيًا، ولا يزال مقيمًا في عنبر الرجال بالمستشفى.

ويقيم بنفس العنبر شاب آخر، لم يكن له مثله سابقه في العمل السياسي، لكن اسمه جلب عليه المشاكل، التي أودت به في النهاية إلى مستشفى الصحة النفسية.

ويروي أحمد نجيب، إخصائي الصحة النفسية بالمستشفى، قصة هذا الشاب، والذي ذهب لاستخراج "صحيفة حالة جنائية"، وهي ورقة تطلبها جهات حكومية وخاصة عند تعيين موظفين، ويتم استخراجها من أقسام الشرطة، ولحظه السيئ كان اسمه يتشابه مع أحد المطلوبين من قبل جهاز أمن الدولة، فتم القبض عليه، وقضى في المعتقل ستة أشهر ذاق خلالها صنوف التعذيب، قبل أن تكتشف حقيقته ويفرج عنه، لكن بعد أن حوله الشعور بالظلم إلى مريض نفسي.

عدم قدرة هذا الشاب ومن قبله المحامي والطالب الجامعي على تحمّل الضغوط وتحولهم لمرضى نفسيين يرجع – كما يقول نجيب – إلى أنهم أشخاص بلا قضية، وقال: "لو كانوا بالفعل نشطاء سياسيين لتمكنوا من مقاومة ضغط الاعتقال والتعذيب".

ويفرّق نجيب بين صنفين من ضحايا جهاز أمن الدولة، الأول أشخاص لديهم مبدأ يدافعون عنه، وهم أصحاب الاتجاهات السياسية الذين يتم القبض عليهم، وهؤلاء يزيدهم تعذيب أمن الدولة صلابة ويخرجون أقوي من ذي قبل.
أما الصنف الثاني، فهم أشخاص لا ناقة لهم ولا جمل، بعضهم لا يتحمل الضغوط مثل أبطال القصص السابقة فيصبح مآلهم إلي مستشفي الأمراض النفسية، والبعض الآخر من الذين لديهم المقدرة علي تحمل الضغوط ويتحولون من أشخاص بلا قضية إلي أشخاص لديهم قضية، وقد تكون هذه القضية سلبية مثل تكفير المجتمع الذي أودي بهم لهذا المصير.

ويقول نجيب: "إذن جهاز أمن الدولة في هذه الحالة، وبدلا من منع شر، خلق أشخاصًا يناصبون المجتمع العداء".

هذه القصص التي رواها أطباء مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، لم تعد تتكرر بعد ثورة 25 يناير بسبب استبدال جهاز أمن الدولة بجهاز الأمن الوطني، الذي لا يفرض قبضة حديدية مثل سابقه، هكذا أكدت حنان غديري مدير وحدة التأهيل بالمستشفى، وقالت: "لم تعد تأتي لنا حالات جديدة، لكن بعض الحالات القديمة لا تزال موجودة حتى الآن".

ومن المزايا الأخرى التي خلقتها الثورة أن هذه الحالات القديمة لم يعد وجودها في المستشفى أبديًا، كما يقول حسام صبري الإخصائي بالمستشفى.

ويضيف: "الآن لنا مطلق الحرية في اتخاذ قرار إخراجهم من المستشفى عندما نتأكد أن صحتهم النفسية تسير إلى الأفضل".

وأضاف: "خرجت حالات، وعندما تتحسن الحالات الأخرى سيتخذ قرار مغادرتها المستشفى بلا أدني تردد"، رافضًا الكشف عن أعداد نزلاء المستشفى من ضحايا النظام السابق.

 

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın