جسور الموصل العائمة.. ضرورة إستراتيجية تواجه صعوبة التنفيذ
يتطلب تنفيذها تحرير الأحياء المحاذية للنهر في الشطر الغربي للمدينة، وتوفير غطاء جوي لفرق الهندسة

Ninawa
نينوى (العراق)/ أحمد قاسم/ الأناضول
تستعد القوات العراقية لنصب جسور عائمة تصل الجانب الشرقي المحرر في مدينة الموصل (شمال) بنظيره الغربي الخاضع في معظمه لسيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، وذلك بعد تدمير الجسور الخمسة التي كانت تربط شطري المدينة التي يقسمها نهر دجلة.
ورغم الأهمية الاستراتيجية لنصب تلك الجسور كونها السبيل الوحيد لربط جانبي الموصل، وتسهيل عبور القوات والمعدات العسكرية من الجانب المحرر إلى الآخر، علاوة على خلق ممر آمن لإخلاء المدنيين، إلا أن المعوقات التي تقف حيال إتمام تلك الخطوة كثيرة، في مقدمتها تواجد عناصر "داعش" على الضفة المقابلة وامتلاكهم أسلحة بعيدة المدى، ما يعرض القوات والفرق الهندسية المكلفة بذلك للخطر.
ومنذ خمسة أشهر انقطع التواصل بين الجانب الشرقي للموصل بنظيره الغربي، وبشكل تام بالنسبة للمدنيين، بعد أن قصفت طائرات التحالف الدولي الجسور الخمسة الرابطة بين شطري المدينة، وذلك بهدف عزل "داعش" والحد من تدفق مقاتليه ومفخخاته من شرقي المدينة إلى غربها، والإسراع بهزيمته.
ففي أكتوبر/تشرين الثاني 2016، قصفت طائرات التحالف الجسر الرابع، وبعدها بأيام عادت لقصف الجسر الثالث، ثم الجسر الخامس والثاني، واختتمت سلسلة غاراتها على الجسور بتدمير الجسر القديم (العتيق)، والذي يعد أول جسر في الموصل، على ضاف نهر دجلة، وله رمزية تاريخية عند السكان.
وجميع الغارات التي نفذتها طائرات التحالف الدولي، والتي استهدفت فيها الجسور الخمسة في الموصل، كانت موجهة إلى المساحة التي تقع بين الأعمدة الرافعة لتلك الجسور، بهدف سرعة وسهولة إصلاحها بعد انتهاء العمليات العسكرية، إلا أن التنظيم ومع قرب انتهاء معارك الساحل الشرقي، وتأكد خسارة سيطرته على هذا الجانب، أقدم على تفجير الجسور وإلحاق أضرار بالغة بها.
شرطان لنصب الجسور
وخلال لقاء الأناضول به في مدينة أربيل شمالي العراق، قال العميد عبد الله مروان، في وحدة الهندسة العسكرية بوزارة الدفاع العراقية، إن "القيادة العسكرية العليا قررت وبالتشاور مع التحالف الدولي نصب خمسة جسور عائمة تربط شرقي الموصل بغربيها، كي تحل محل الجسور الأساسية التي جرى تدميرها".
وأضاف مروان أن "بناء الجسور بحاجة إلى قوات متخصصة تعمل على تجسير الأنهار بدقة عالية بواسطة أسطوانات معدنية، أو عوامات أخرى".
غير أنه أشار إلى أن "هناك مشاكل عدة تواجه الفرق الهندسية المختصة في بناء الجسور العائمة لعل أبرزها وأهمها، تواجد داعش، في النصف الآخر من المدينة وسيطرته على جميع الأحياء المطلة على ضفاف نهر دجلة لغاية الآن، وامتلاكه أسلحة متطورة، وذات مدى بعيد مثل: أسلحة القنص، والرشاش الثقيل، ومنصات إطلاق الصواريخ، والتي تستطيع أن تصل ضفاف الجانب الشرقي بسهولة، وإصابة القوات والفرق الهندسية التي تقوم بهذه المهمة في ظل ضعف الغطاء الجوي للقوة الجوية العراقية في المنطقة".
وأوضح أن "الجسور العائمة لا يمكن البدء بنصبها في الوقت الحاضر إلا في حالتين؛ الأولى تحرير الأحياء المحاذية لنهر دجلة في الساحل الغربي، وتطهيرها بالكامل من سيطرة داعش وعناصره القناصة، والحالة الثانية توفير غطاء جوي مشترك (أمريكي – عراقي) طيلة عمل الفرق الخاصة بنصب الجسور كي تباشر أعمالها في تنفيذ هذه المهمة".
بدوره، أشار العميد، طلال الزوبعي، في وحدة الجهد الهندسي لقوات الرد السريع (التابعة لوزارة الداخلية)، إلى أن "الفرق الهندسية الخاصة، في القوات المسلحة العراقية المشتركة، قريبة جدا من نصب أول جسر عائم يربط الجانب الشرقي بالغربي للموصل، من المحور الجنوبي، بعد تحرير حيي الطيران والجوسق بالكامل ووصولها إلى حدود الجسر الرابع".
الزوبعي، وخلال حديثه مع مراسل الأناضول، الذي تواجد في حي الطيران، بالجانب الغربي للمدينة، أكد أن الجسر العائم سوف يجري مده من حي الضباط (من الجانب الشرقي) نحو حي الطيران (المحور الغربي) ليحل محل الجسر الرابع، في الخدمة المدنية والعسكرية على حد سواء.
ولفت إلى أنه "من غير الممكن الاستمرار بنصب الجسور العائمة الأخرى إلا بتطهير أحياء: الجوسق، وباب الطوب، وراس الخور، والشفاء النجار، وحاوي الكنيسة، ومشيرفة، وهي الأحياء التي تشكل شريطا مطلا على ضفاف النهر ما يزال تحت سيطرة التنظيم".
ونوه إلى أن "نصب أول جسر عائم يربط جانبي المدينة ببعضهما البعض، سوف يسهم في زيادة نقل التعزيزات العسكرية إلى القوات التي تقاتل التنظيم في آخر معاقله بالموصل وسرعة إيصالها، كذلك خدمة المدنيين العزل وتوفير احتياجاتهم الإنسانية بعد أن جرى محاصرتهم لأكثر من خمسة أشهر دون أي مساعدة تقدم لهم".
نقل مستلزمات الجسور
الدكتور رويد عبد القاهر الكرخي، المحلل السياسي والخبير في شؤون الجماعات المسلحة، رأى أن "القيادة العسكرية العراقية عاجزة عن البدء بمشروع نصب الجسور العائمة في الموصل، بالتزامن مع انشغالها بحروب ضروس تخوضها ضد التنظيم (في الجانب الغربي) الذي بات يقاتل بشراسة منقطعة النظير، وهو يعرف أنه لا خيار أمامه إلا القتال حتى الموت".
الكرخي، قال في حديث أجرته الأناضول معه بأربيل (عاصمة الإقليم الكردي)، إنه "كان من المفترض أن يكون الشروع بمرحلة نصب الجسور العائمة قبل الهجوم على الجانب الغربي، أو بالتزامن معه من أجل فتح محاور قتال أخرى، تشتت قدرات التنظيم القتالية، وتشغله قدر الإمكان، وبالتالي يسهل القضاء عليه إلى حد يضمن الحفاظ على القوات قدر الإمكان من الاستنزاف".
وأشار الكرخي، إلى أن "الاعتماد على المحور الجنوبي فقط في اقتحام الجانب الغربي يعد خطأ فادحا، تدفع ثمنه القوات المشاركة بالعمليات القتالية كل يوم، وهذا الذي يحصل الآن، بعد أن استخدم التنظيم كل قوته، وأخذ يرسل باليوم الواحد عشرات المفخخات لتوقع خسائر جسيمة بين صفوف القوات، ربما تكون غير معلنة لوسائل الإعلام حفاظا على سير معارك التحرير".
وتوقع المحلل السياسي العراقي أن "لا يتم نصب الجسور العائمة إلا بعد الانتهاء من عمليات تحرير الجانب الغربي بنسبة كبيرة جدا، لتحل محل الجسور الخمسة التي دمرتها الحرب، لتفتح أمام تنقل المدنيين والسيارات ذات الحمولة الخفيفة لحين الانتهاء من إعادة الجسور الأصلية إلى الخدمة والتي ربما تحتاج إلى سنوات عدة مع استشراء الفساد في مرافق المؤسسات الحكومية العراقية".
يذكر أن الجيش العراقي، اعتمد على نصب الجسور العائمة في مناطق متفرقة من محافظات نينوى (شمال)، والأنبار (غرب) وصلاح الدين (شمال) في التنقل بعد أن أقدم "داعش" على تفجير أغلب الجسور هناك، في خطة الهدف منها تأخير تقدم القوات وتصعيب المهمة عليها إلى أبعد مدى.
الرائد سبهان إدريس الشيخلي، في كتيبة الهندسة البرية بقوات جهاز مكافحة الإرهاب (تابعة للجيش)، كشف عن نقل الوحدات العسكرية لمستلزمات نصب الجسور العائمة ووضعها قرب ضفاف نهر دجلة، استعدادا للبدء بنصبها.
الشيخلي، وخلال لقاء ميداني أجرته الأناضول معه في الموصل، قال إن "فرق الجهد الهندسي التابعة للقوات العراقية تواصل منذ أسابيع عدة عملية تمهيد أطراف نهر دجلة وتطهيرها استعداداً لنصب الجسور العائمة".
وبين أن "الجسور تعد تحضيراً لعمليات تحرير الجانب الغربي من الموصل، وإخلاء المدنيين منه نحو الجانب الشرقي المحرر إذا تطلب الأمر ذلك، فهي ستكون أشبه بالممرات الآمنة التي تسهل عملية إخلاء المدنيين".
وأضاف أن "إنشاء الجسور العائمة سهل، ولكنه محكوم بالمسافة اللازمة لعبور النهر، كذلك أن الجسور الضخمة التي تستخدم لعبور المعدات تحتاج إلى وقت أطول من إنشاء جسور الطوارئ".
ونوه الشيخلي إلى أن "القوات العراقية وضعت خطة محكمة لتحرير الجانب الغربي، والاستفادة من النهر كمانع طبيعي ضد تنظيم داعش".
وعلى الرغم من انطلاق عملية استعادة الجانب الغربي للموصل منذ يوم 19 فبراير/ شباط الماضي، إلا أنه لم تتمكن القوات الأمنية بعد من عبور نهر دجلة، بعد تحرير الجانب الشرقي في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد 100 يوم من القتال في معركة استعادة المدنية التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.