ثلاجة الفخار بمصر.. جنة البسطاء ورحمة من نار الطقس (تقرير)
فكرة "الكولمان الفخار" بسيطة يستخدم فيها تراثا يألفه المصريون حيث يعتمد على إطلالة "القلة" (إناء فخار يعود للعصر الفرعوني) ويساعد على برودة المياه دون الحاجة إلى استخدام الكهرباء التي ارتفعت أسعارها مرتين خلال العام الماضي

Al Qahirah
القاهرة / الأناضول
في منتصف أحد أيام يونيو/ حزيران الماضي شديدة الحرارة، بحث الرجل الستيني "صالح السيد" عن مكان يشرب منه رشفة ماء فأرشده البعض إلى "زير" قريب فانفرجت أساريره قبل أن يكتشف أنه فارغ وبلا كوب.
تسرب الماء وغياب الكوب ألهم "عم صالح" الذي يقطن بمنطقة السيدة زينب، وسط القاهرة، لكيفية تحويل هذا الإناء إلى ما يشبه الثلاجة بأن يحافظ على الماء وكذلك تركيب صنبور برفقة أبنائه في مصنعهم الصغير لإنتاج الأواني المنزلية.
في واجهة محطة مترو أنفاق مار جرجس، جنوبي القاهرة، التي تعج بآثار قبطية تشهد على حقبة عريقة، تقع الورشة التي ينتج فيه الرجل الستيني "الكولمان الفخار" بأسعار زهيدة ترحم المصريين من نار الطقس والأسعار.
فكرة "الكولمان الفخار" بسيطة يستخدم فيها تراثا يألفه المصريون حيث يعتمد على إطلالة "القلة" (إناء فخار يعود للعصر الفرعوني) يساعد على برودة المياه دون الحاجة إلى استخدام الكهرباء التي ارتفعت أسعارها مرتين خلال العام الماضي.
ويشكو المصريون من موجة غلاء منذ تحرير سعر صرف الجنيه، وإجراءات خفض دعم الطاقة التي بدأت في 3 نوفمبر / تشرين الثاني 2016.
** مراحل التصنيع
صالح: "الكولمان مصنوع من خامة جيدة من الطين، وهو الطين الأسواني (يأتي من أسوان "جنوب")، أشبه بالهبو (كحل العين)، يدخل في أحواض، يتم عجنه ودمجه في بعضه البعض، قبل أن يدخل مرحلة التصنيع".
التصنيع يتضمن مرحلتين، وفق صالح، الأولى يتم صناعته بشكل مبدئي وبه "رايش (بقايا صنع الأدوات المعدنية)"، وفي المرحلة الثانية يتم إزالة الزوائد منه حتى تكون الخامة جيدة ولا تجرح مستخدمها، وبعد ذلك يدخل إلى الفرن، بدرجة حرارة 1100 درجة، حيث تُحرق الطينة بشكل جيد.
ويضيف: "الطينة بعد حرقها، يتم وضع مياه عليها، وهنا تصفّي نفسها بنفسها وتصبح نقية تلقائيًّا كما تصبح المياه باردة، وهذه الطينة مختلفة عن غيرها في كونها لا تؤدي إلى رشح المياه، فالطينة الأخرى مساماتها عالية وبالتالي عند وضع مياه بها تتعرض للرشح، مثل القلة المعروفة عند ملئها المياه فإنّها تجف بعد ساعة أو ساعتين، لكن الكولمان تستمر مياهه من الصباح إلى المساء، والأكثر أنّها تكون مياه نقية صالحة للشرب، وهذه فائدة الكولمان".
ويتابع: "نجري عملية صنفرة للكولمان، ثم بعد ذلك عملية تلميع، وهذا يعطي مظهرًا جذابًا مغايرًا لملمس الطين العادي".
ويشير إلى أنّه "عند ملئه بـ15 لتر مياه يكفي طوال اليوم، ويعطي مياهًا باردة تقي المواطنين من حرارة الطقس الشديدة بدون وضع ثلج، كما أنّ هذه المياه نقية تروي الإنسان بشكل مختلف، وأفضل من الثلاجة المعروفة، لأنّ مياه الكولمان مياه طبيعية ربانية، تروي من يشربها".
** الأسعار
ويلفت الرجل الستيني إلى أنّ سعر الكولمان في متناول الجميع؛ إذ يتراوح بين 100 (6 دولارات) و220 جنيها (13 دولارا) حسب الحجم.
ورغم سهولة الفكرة لكنّه يستلزم وقتًا طويلًا؛ فتصنيع الكولمان الواحد يستغرق 12 يومًا، كما أنّ الأمر يختلف حسب فصول السنة، ففي الصيف يكون "التنشيف" أسرع عن الشتاء حيث يستغرق في الصيف أربعة أيام.
ويلفت إلى أنّه يمكن استخدام "الكولمان" كزينة، لا سيّما أنّ حجمه ليس كبيرًا.
** صدقة ميت
محمد علي، موظف بإحدى شركات التأمين (خاصة)، يقول إنّه حاول شراء كولدير (مبرد مياه) صدقةً على روح أخيه الذي لقي مصرعه في حادث مروري، لكنّ ارتفاع السعر حال دون ذلك.
ويضيف للأناضول، أنّه وجد ضالته في هذا الكولمان الفخار؛ حيث اشتراه ووضعه أمام منزله صدقةً على روح أخيه، مبررًا شراءه بأنّ سعره مناسب إلى حد بعيد، إضافة إلى بساطته وإمكانية الحفاظ عليه بسهولة.
بدوره يؤكد صالح أن أغلب الطلبيات تكون صدقة كون الكولمان الفخار، يقدر على شرائه الجميع.
** دعم الدولة
ويطلب الرجل الستيني دعما حكوميا للمشاريع الصغيرة خاصة في أسعار الخامات التي تضاعفت؛ حيث أن ابتكاره يندرج تحت هذه المشاريع التي أكد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017، عن دعم حكومي لها بمبلغ 200 مليار جنيه (11 مليار دولار).
ويقيّم محمود سرج، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطوير القطاع غير الرسمى في اتحاد الصناعات (مستقل تشرف عليه وزارة الصناعة) دعم الدولة للمشروعات الصغيرة بأنّه "ملحوظ"، لكنّ هناك حاجة للمزيد من الاهتمام.
ويضيف للأناضول أنّ الأمر يتطلب كذلك مزيدًا من التحفيز؛ لمساعدة الشباب على التسويق، وكذا التصدير من خلال زيادة دعم الصادرات لهم.
** القدرة على التكيف
الخبير الاقتصادي فخري الفقي، يعلق على فكرة عم صالح بأنّ الشعب المصري يتميز بأنّه قادر على التكيف مع أي زيادات في الأسعار.
ويضيف للأناضول، أنّ برنامج الإصلاح الاقتصادي له أعباء ثقيلة في البداية، تتمثل في ارتفاع أسعار السلع والخدمات جراء تحرير سعر الصرف وخفض دعم الطاقة وانعاكساتها على حياة المواطنين.
الفقي وهو مستشار سابق لصندوق النقد الدولي، يتفق مع تلك الأعباء الثقيلة، لكنّه يرى في الوقت نفسه تحسنًا في الأحوال المعيشية للمواطن، بزيادة مرتبه بنحو 10% سنويًّا، ومعاش المتقاعد بنسبة 15% سنويًّا، بالإضافة إلى زيادة مقررات الحماية الاجتماعية.
ووفق تجار للأناضول، فإن سوق الأجهزة الكهربائية لا سيّما الثلاجات شهد ارتفاعا كبيرا وسط حالة من الركود رغم دخول موسم الصيف الذي يشهد رواجا لبيع المبردات والثلاجات.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.