وكالة الأناضول.. رحلة 100 عام من العمل الصحفي الموثوق (تقرير)
بهدف إسماع صوت سكان الأناضول للعالم خلال حرب الاستقلال، تأسست وكالة الأناضول بقرار من مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك (1881- 1938)، وبدأت عملها في 6 أبريل/ نيسان 1920.

Ankara
أنقرة/ الأناضول
- منذ تأسيسها، في 6 أبريل/ نيسان 1920 خلال حرب الاستقلال، تمكنت "الأناضول" من أداء وظيفتها الصحفية بكل مصداقية وموثوقية- كان الهدف من تأسيس وكالة الأناضول هو إعلام الرأي العام، عبر المنشورات الرسمية، بأسباب الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، ونقل الأحداث الداخلية والخارجية للمواطنين، بكل مصداقية وشفافية
- استطاعت الأناضول لعب دور مهم في نقل تبليغات حكومة أنقرة والأخبار الخارجية ومجريات الأحداث في مجلس الأمة التركي الكبير وجبهات القتال، كما ردّت على الدعاية السوداء التي كانت تروّج لها صحف المحتلين.
بهدف إسماع صوت سكان الأناضول للعالم خلال حرب الاستقلال، تأسست وكالة الأناضول بقرار من مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك (1881- 1938)، وبدأت عملها في 6 أبريل/ نيسان 1920.
وتمكنت الأناضول، منذ حرب الاستقلال وحتى اليوم، من أداء وظيفتها الصحفية بكل مهنية ودقة ومصداقية.
وفي بدايات حرب الاستقلال، استطاعت الأناضول نقل وقائع حركة الاستقلال إلى الداخل التركي والعالم بأسره، واكتسبت مكانة مميزة في تاريخ الجمهورية التركية.
مرحلة التأسيس
قبيل تأسيس وكالة الأناضول، مُنيت الدولة العثمانية بخسارة في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، ووقعت في 30 أكتوبر/ تشرين أول 1918، "هدنة موندروس"، التي تضمنت شروطًا قاسية للغاية.
في تلك الفترة كانت وكالة "هاواس رويتر" تعمل في قلب الإمبراطورية العثمانية.
وعقب الهدنة، تم توقيع اتفاقية بين الحلفاء، الذين فرضوا احتلالًا فعليًا على إسطنبول آنذاك، وحكومة فريد باشا. وبموجب الاتفاقية تم منح امتيازات للأجانب لتأسيس وكالات أنباء في البلاد.
واستنادًا لهذه الإمتيازات، تأسست وكالة "تركيا-هاواس رويتر"، لكن منشوراتها لم تكن تخدم مصالح تركيا، وكانت ملفقة ومضللة، ما أثار انزعاجًا في نفس أتاتورك.
عندها بدأ أتاتورك بالتفكير في تأسيس وكالة أنباء تستطيع إسماع صوت حرب الاستقلال للبلاد وللعالم بأسره.
وعقب خضوع إسطنبول للاحتلال رسميًا، في 16 مارس/ آذار 1920، وحل مجلس المبعوثين، أرسل أتاتورك، بعد ثلاثة أيام، برقيات إلى قادة القوات في الولايات التركية، أعلمهم فيها بإجراء انتخابات للمجلس، الذي سيجتمع في أنقرة.
وأثناء ذلك، كان مثقفون ومفكرون يبحثون عن وسيلة للانضمام إلى مسيرة النضال، بعد أن اقتنعوا بأنهم لن يستطيعوا البقاء في إسطنبول، عقب خضوعها للاحتلال.
وبهدف الانضمام لمسيرة النضال، خرج مثقفون ومفكرون من إسطنبول قاصدين أنقرة، وكان بينهم كل من يونس نادي (عبالي أوغلو) والروائية خالدة أديب أديوار.
وخلال استراحتهما في منطقة غيفا بولاية أكهيصار تناولا فكرة تأسيس وكالة، فور وصلهما إلى أنقرة.
اسم الأناضول
يسرد "نادي" في مذكراته كيفية ظهور اسم وكالة الأناضول، التي باتت من أهم العلامات الفارقة في تاريخ تركيا.
ويذكر ما دار بينه وبين خالدة في استراحتهما بولاية أكهيصار بقوله: "في 31 مارس (آذار) 1920، واصلنا مسيرتنا نحو أنقرة، والتقيت مع السيدة خالدة في أكهيصار، وتحدثنا قليلًا، وهناك اقترحت خالدة فكرة تأسيس وكالة نتمكن عبرها من إسماع صوت الأناضول المحق للعالم".
وقال في حواره معها: "الأول (الوكالة) شرط أساسي ياسيدتي، وبالطبع التفاصيل تأتي لاحقًا، مثلًا في المرحلة الأولى نبدأ النشر، وهذا بحد ذاته يتطلب إيجاد كوادر، ومن ثم تأتي أشكال الدعاية".
وردت عليه خالدة: "بالطبع يمكن إنجاز كله تباعًا، لكن برأيي ينبغي أن يكون العمل الأول هو تأسيس وكالة، ويمكننا من الآن اختيار الاسم، مثلًا الوكالة التركية، مثلًا وكالة أنقرة، مثلًا وكالة الأناضول.. ويمكن إقتراح المزيد".
وأوضح "نادي" أن اسم وكالة الأناضول كان الأكثر جذبًا لهما، وتم الاتفاق عليه خلال لقائهما في أكهيصار.
وأفاد بأنهم وصلوا أنقرة في الأول من أبريل/ نيسان 1920، ومساء الرابع أو الخامس من الشهر ذاته، تباحثوا مع أتاتورك حول تأسيس الوكالة.
وعن تلك الليلة التاريخية قال "نادي": "كان قرارنا على الشكل التالي، كان أتاتورك سيعلن عن الوكالة في البلاد، ويكشف عن أهدافها والأسباب الموجبة لتأسيسها، وكان سيُعلم الشعب بالتطورات في البلاد عبر الوكالة، وسيصدر تعليماته بإيصال منشوراتها إلى كافة أرجاء البلاد، وكنا أنا والسيدة خالدة سنجمع الأخبار المحلية والأجنبية ونصدرها في نشرتين يوميًا".
وتقول خالدة في مذكراتها عن لقائها مع أتاتورك: "عندما سألني عن مسيرتي من إسطنبول إلى أنقرة، ذكرت له مباشرة ما دار بيني وبين نادي من حديث حول فكرة تأسيس وكالة".
وتتابع: "قلت له إننا تحدثنا عن فكرة تأسيس وكالة لإطلاع الرأي العام الداخلي على مجريات الأحداث في البلاد والعالم، وعرضت عليه فكرة إيصال منشورات الوكالة إلى كافة أرجاء البلاد، وتعليق نسخ منها على المساجد في المناطق التي لا يوجد فيها التلغراف".
وتستطرد: "وللإطلاع على الأفكار التي تدور حول العالم، اقترحت جلب الصحف المنشورة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وفي مقدمتها: مانشستر غارديان، والتايمز، وديلي كرونيكل".
وتضيف: "بعد أن اتفقنا على ما تم ذكره، أبلغنا أتاتورك بأنه يريد تقديم المساعدة لصحيفة (الحاكمية الوطنية)، التي كان يونس نادي يرغب بإصدارها، وعندما قلت له إننا بحاجة لآلة كاتبة، وعدني أتاتورك بتأمينها من البنك العثماني".
تعميم تاريخي
في صبيحة 6 أبريل/ نيسان 1920، تم تأسيس وكالة الأناضول، وأرسل أتاتورك، بعد ثلاثة أيام، تعميمًا تاريخيًا إلى المؤسسات العسكرية والمدنية في البلاد، أبلغها فيه بتأسيس الوكالة، وأهمية إطلاع الرأي العام على تطورات الأحداث الداخلية والخارجية.
وجاء في التعميم: "عقب خضوع قلب الإسلام ومركز السلطنة العثمانية للاحتلال، ونتيجة لتعرض بلادنا وشعبا لأكبر خطر، وبالتزامن مع الحرب المقدسة التي نخوضها في سائر أرجاء البلاد، بات من الضروري أن يطّلع المسلمون على مجريات الأحداث في الداخل والخارج، ولهذا تم تأسيس مؤسسة تحت اسم وكالة الأناضول، يديرها كادر مميز، وأرجو التزام السرعة في نشر محتويات الوكالة، وتشكيل الكوادر اللازمة لإيصالها إلى سائر البلاد".
وبتركيزه على سرعة نشر محتويات الأناضول، كان أتاتورك يشير إلى أهم مبدأ من مبادئ العمل الصحفي، وهو السرعة في إيصال الأحداث إلى الرأي العام، بكل مصداقية وموثوقية وشفافية.
وبدأت الأناضول عملها في غرفة بالمدرسة الزراعية بأنقرة. وتقول خالدة في مذكراتها عن بداية الوكالة: "في اليوم الخامس من قدومي إلى أنقرة، تم تخصيص غرفة ضيقة وطويلة لي، ووضعت أغراضي الشخصية على أرفف الملفات".
وتتابع: "كان بداخل الغرفة كرسي وطاولتان وآلة كاتبة قديمة، وهذه الغرفة كانت بمثابة أول مكتب للأناضول، وكنت أُترجم منشورات سياسية من الصحف الإنجليزية في هذه الغرفة، وأقتطع مقتطفات من البرقيات، التي كان يجلبها الكاتب الشخصي لأتاتورك (حياتي بك)، لصالح صحيفة الحاكمية الوطنية ووكالة الأناضول".
ولاحقًا، انتقل مقر الأناضول إلى مبنى مدرسة المعلمين في منطقة أولوص بأنقرة، واستمرت هناك لفترة، ثم انتقلت من مقر إلى آخر لعدة مرات، قبل أن تستقر في مبنى من طابقين بمنطقة سامان بازاري.
وأول منشور للأناضول كان في 12 أبريل/ نيسان 1920، حيث تم نشر أحداث داخلية وخارجية عبر مطبوعات كُتبت بواسطة الآلة الكاتبة، التي قدمها أتاتورك للروائية خالدة، وكان المنشور الأول بعنوان: "إخطارات وكالة الأناضول".
وجاء في الفقرة الأولى من منشورات الوكالة، وكانت بمثابة نداء لشعب الأناضول: "بعد خضوع مركز دولتنا لاحتلال الأعداء، ستنقل وكالة الأناضول، اعتبارًا من اليوم، أوثق الأخبار والأحداث لشعبنا، الذي نهض لمحاربة الأعداء، وأظهر مثالًا للأخوة الدينية والوطنية، ومن الواجب أن يطّلع شعبنا على كافة الأنباء المنشورة في الأناضول، في كافة أرجاء البلاد، وعلى الجهات المعنية نشر وتوزيع محتويات الأناضول وطباعتها في الأماكن التي تتوفر فيها آلات للطباعة، وإيصالها إلى النواحي والقرى وكافة الأماكن".
وتقرر في المرحلة الأولى نشر محتويات الأناضول في نسختين على الأقل. وفي 5 مايو/ أيار 1920، تم نشر تعميم آخر، بتوقيع رئيس مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، أتاتورك، يقضي باستخدام كافة الوسائل لإيصال منشورات الأناضول إلى سائر أرجاء البلاد، وفتح تحقيق في حال عدم وصولها في الوقت المحدد.
وكان الهدف من تأسيس وكالة الأناضول هو إعلام الرأي العام، عبر المنشورات الرسمية، بأسباب الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، ونقل الأحداث الداخلية والخارجية للمواطنين، بكل مصداقية وشفافية.
صوت حرب الاستقلال
ولَّدَ تأسيس وكالة الأناضول مشاعر جيّاشة لدى عامة الأتراك، حيث كانوا يتشوقون لمعرفة إجراءات حكومة أنقرة ومجريات حرب الاستقلال لتحرير كل شبر من تراب الوطن.
وعقب قرار تأسيس الأناضول، الصادر عن أتاتورك، انهالت برقيات التهنئة على أنقرة، وأكدت استعداد الجهات المعنية للعمل على توزيع منشورات الأناضول في كافة أرجاء البلاد.
وبجانب إيصال منشورات الوكالة لعامة الشعب، اتخذت السلطات التدابير اللازمة لإيصالها إلى الجنود، الذين كانوا يقاتلون في الجبهات ضد الأعداء.
وسعت الأناضول، عبر منشوراتها، إلى توعية الأتراك ورفع روحهم المعنوية للصمود في مواجهة ضغوط المحتلين.
وبأمر من أتاتورك، كانت هناك جهود مضاعفة لإيصال منشورات الأناضول، بسرية تامة، إلى الشعب في مدينة إسطنبول المحتلة، وإطلاع الصحف المؤيدة لمسيرة الاستقلال هناك على محتويات النشرات.
واستطاعت الأناضول لعب دور مهم في نقل تبليغات حكومة أنقرة والأخبار الخارجية ومجريات الأحداث في مجلس الأمة التركي الكبير وجبهات القتال، كما ردّت على الدعاية السوداء التي كانت تروّج لها صحف المحتلين.
ومع انضمام حمد الله صبحي إلى فريق الأناضول، ارتفع عدد الكادر العامل في الوكالة إلى 10 أشخاص، لكن لم تكن هناك إمكانية لطباعة أعداد كبيرة من المنشورات في مقر الوكالة الأول بالمدرسة الزراعية.
كانت توجد آنذاك مطبعتان في أنقرة، لكن بسبب قدمهما وكثرة تعطّلهما، كان الفريق يضطر إلى طباعة المزيد من النسخ عبر آلة "كاسيروجراف"، وأحيانًا كان يتم نشر المنشورات بالكتابة اليدوية.
26 مديرًا للوكالة
توالى 26 مديرًا عامًا على إدارة وكالة الأناضول، وأولهم هو علاء الدين بك، بين الأول من يناير/ كانون ثاني 1926 والأول من فبراير/ شباط 1931.
ثم شغل موفق مينيمنجي أوغلو المنصب، حتى 19 أكتوبر/ تشرين أول 1944، وبعده تولاه فائق هوزار، حتى الأول من يونيو/ حزيران 1946.
أما حاليًا فيتولى شنول قازانجي منصب المدير العام، مع مرور مئة عام على تأسيس وكالة الأناضول.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.