هبة المصرية... حمالة "الظروف المستحيلة" على ظهرها المحنى (قصة إنسانية)

Al Qahirah
القاهرة/ شيماء جبر/ الأناضول
بين زحام شوارع القاهرة، تسير سيدة مصرية تزاحم المعاناة حاملةً زوجها المريض على ظهرها متجهة به إلى مشفاه، في مشهد لافت للأنظار أثار ضجة في مصر وألهم الكثيرين.
"هبة السيد" التي تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورها حاملة زوجها على ظهرها، مصرية، تعيش في منطقة المرج، شرقي القاهرة، منذ 14 عاما، في منزل متواضع وبظروف اقتصادية صعبة، ربما لم تكن بهذه الصعوبة قبل مرض الزوج قبل 6 سنوات.
**كفاح فتاة
هي فتاة مكافحة خطت للتو خطوتها الأولى في عقدها الثلاثين، تعود إلى أسرة بمدينة طنطا (دلتا النيل/ شمال)، لم تكن من ميسوري الحال منذ الصغر، إذ أنها لم تكمل تعليمها الابتدائي، وبدأت تعمل منذ أن كانت في التاسعة، ضمن أسرة تعمل جميعها بتطريز الملابس.
الزوج "خالد بدوي" الذي كان يعمل سائقا، حينما تقابلا ببلدتها لأول مرة، أعجب بها من النظرة الأولى منذ أن كانت في السادسة عشر من عمرها، وبعد أن تزوجا، رفض تماما أن تعمل هبة مجددا وأصبح هو مصدر دخل الأسرة الوحيد.
ظل خالد سائقا إلى أن أصيب قبل 6 سنوات بوعكة صحية طرحته الفراش، غير أنه بعد نحو عام من إصابته، تضاعفت حالته الجسدية وساءت صحته، ما أفقده القدرة على السير مرة أخرى.
بعظام هشّة، وعضلة قلب ضعيفة، لا يقوى خالد على السير لمسافات طويلة، كما لم يعد قادرا على العمل مرة أخرى.
** إخلاص زوجة
في مشهد بطولي، ساندت "هبة" زوجها، وأصرت على المضي معه قدما، ملخّصة بموقفها معاني الإخلاص والوفاء.
في حديثها للأناضول قالت هبة إن "الزوجة المخلصة لابد أن تبقى في ظهر زوجها للأبد فهذا واجبها تجاهه".
رغم أن ما حدث فعليا أن "خالد" هو من أصبح على ظهرها، مستلقيا، تحمله متوجهةً به ثلاث مرات أسبوعيا إلى مركز الغسيل الكلوي، دون أن يتيح لهم محدود دخلهم شراء مقعدٍ متحرك يسهل من حركته.
"أحمله لأنه كان يحملنا ويحنو علينا ويكرمنا قبل أن يصبح مريضا غير قادر على العمل".
تضيف الشابة الثلاثينية أنها "استلهمت قوتها من والدتها التي ترعى والدها المريض منذ نحو 23 عاما، بعد إصابته بشلل أفقده القدرة على الحركة"
بشجاعة وصبر واجهت هبة الوضع الجديد ورفضت الانفصال عن زوجها، وخرجت هي للعمل بتدوير القمامة الذي يعد شائعا بمنطقة سكنهم، من أجل رعاية أسرتها.
ترعى الزوجة المثابرة أطفالا ثلاثة أكبرهم فتاة في الثالثة عشر من عمرها، فضلا عن ثلاثة أطفال آخرين هم أبناء شقيق زوجها الذي توفى قبل نحو عامين وليس هناك من يعولهم سوى العمّ.
مشهد حمل هبة لزوجها ربما أصبح معتادا على أعين سكان منطقتهما، لكن صورة فوتوغرافية للزوجين بإحدى محطات مترو الأنفاق بالقاهرة التقطها شخص عابر، أثارت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، ولفتت أنظار الكثيرين ممن تسابقوا على تقديم المساعدة.
المشهد عدّه الكثير من المعلقين مثالا للشجاعة والأصالة والوفاء، جاء من قبل زوجة وسيدة مصرية بسيطة، لكنها ألهمت العالم وأعطته درسا في قيم المثابرة والرحمة.
في شرفة المنزل يجلس خالد متكئا على مقعد متحرك أهداه إليه متبرع قبل أيام، بعد أن عرف قصته، متحسسا مقعده بابتسامه ترتسم بين قسمات وجه حزين "كان هذا حلمي طيلة ٦ سنوات كي أخفف الحمل عن زوجتي".
تسترق عيناه نظرات إلى هبة، وبحزن تحاول كلماته كبحه، يقول "ما تفعله هبة معي لا يقدر بالمال".
** الحلم الصعب
ألم دفين سرعان ما يلفظه خالد بكلمات استياء يعبر بها عندما يتذكر نظرات المارين من حوله حينما تحمله زوجته، من تحديق متمعن يليه شفقة ترويها العيون.
إذ يقول الشاب الثلاثيني "أخجل من نظرات الناس وأبكي كثيرا، أشعر بالعجز والحزن وأتذكر كيف كنت قبل المرض".
أحلام الزوجان خالد وهبة، تحمل رغم بساطتها أوجاعا كثيرة، إذ أن كل ما يحلمان به هو "حياة أيسر لأطفالهم، وأن ينعموا بتعليم جيد ودخل كريم، دون أن تضطرهم ظروف الحياة القاسية إلى المعاناة مثلهما".
ويعرف المركزي للتعبئة والإحصاء الفقر المدقع بأنه الوضع الذي لا يستطيع فيه الفرد أو الأسرة توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية.