من خيمة بغزة.. مذيع ينقل مآسي الإبادة عبر أثير إذاعة بالضفة (تقرير)
حول المذيع عبد الله المغاري خيمة وسط قطاع غزة إلى استديو بلا مقومات يبث منها برنامج "صوت الشعب" الذي ينقل هموم النازحين جراء الإبادة والذي يبث عبر إذاعة "عروبة" من الخليل التي تبعد عن القطاع نحو 60 كيلو مترا..

Gazze
غزة/ الأناضول
من خيمة متواضعة في أحد مخيمات النزوح بمدينة دير البلح وسط غزة، يطل المذيع الفلسطيني عبد الله المغاري عبر أثير "إذاعة عروبة" التي تبث من مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة لينقل هموم النازحين جراء الإبادة الجماعية المتواصلة والتي ترتكبها تل أبيب منذ أكثر من 15 شهرا.
وبينما يفصل في العادة بين مقدم أي برنامج إذاعي والمهندس الصوتي لوح زجاجي بمسافة لا تزيد عن بضعة أمتار، يعزل بين الطرفين هذه المرة مسافة لا تقل عن 60 كيلو مترا وحدود وحواجز إسرائيلية.
ضجيج حياة النازحين اليومي المحيط بهذه الخيمة التي تحولت إلى استديو بث بلا أي مقومات إذاعية، بات خلفية صوتية لبرنامج "صوت الشعب" الذي يقدمه المغاري وينقل خلاله معاناة النازحين جراء الإبادة.
هذا الضجيج يختلط تارة بأزيز الرصاص الذي تطلقه آليات الجيش الإسرائيلي وتارة بأصوات الانفجارات الناجمة عن الغارات الجوية فيما يتخلله في كثير من الأوقات ضحكات الأطفال الذين لم يعرفوا بعد معنى "الإبادة" التي يتعرضون لها.
هذا البرنامج يُبث عبر أثير إذاعي في وقت تعرضت له الإذاعات الفلسطينية المحلية إلى استهداف وتدمير متعمد ما تسبب بإغلاق بعضها واعتماد البعض الآخر على بدائل كالبث على منصات التواصل الاجتماعي فيما يتطلب هذا الأمر من جمهورهم الحصول على إنترنت للوصول إلى هذه الخدمات.
وعلى مدار أشهر الإبادة المتواصلة وجراء انقطاع التيار الكهربائي وخدمات الإنترنت عن النازحين لساعات طويلة، عاد الفلسطينيون إلى استخدام "الراديو" الجهاز الذي غيّبته التكنولوجيا الحديثة، لمعرفة الأحداث الدائرة حولهم.
ولهذا الجهاز أهمية كبيرة في وقت الحرب إذ أنه يعمل بطرق بديلة عن التيار الكهربائي، كـ"البطاريات" ذات العمر الطويل، أو ألواح صغيرة من خلايا الطاقة الشمسية، ولا يحتاج إلى إنترنت.
وهذه الميزة لا توفرها وسائل الاتصال والتواصل الأخرى كالهاتف المحمول والإنترنت والتلفاز، والتي هي دائما بحاجة إلى تيار كهربائي.
وقبل اندلاع الإبادة، كان قطاع غزة يستخدم تقنية الجيل الثاني من الاتصالات حيث حال الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ منتصف 2006 بينه وبين الثورة التكنولوجية ووصول التقنيات المتطورة إليه.
لذا اعتمد الفلسطينيون في حصولهم على الإنترنت على شراء باقات تبث بشكل ضعيف جدا من بعض موزعي شركة الاتصالات "جوال" أو شركة "أوريدو".
**هموم النازحين
وبينما يبث المغاري "صوت الشعب" مباشرة، يستقبل مداخلات المشاركين عبر رسائل نصية تصله على هاتفه المحمول.
يسلط الضوء في هذا البرنامج على مشاكل الحياة اليومية التي تواجه النازحين في ظل الإبادة، من بينها تعبئة أنابيب غاز الطهي الذي يصل القطاع بكميات محدودة وضمن شاحنات مساعدات إنسانية.
يقول المغاري للأناضول إن الجيش الإسرائيلي دمر على مدار أشهر الإبادة "نحو 11 إذاعة محلية في القطاع".
وأوضح أن فكرة هذا البرنامج الذي يبث عبر أثير إذاعة بالخليل يأتي لـ"سد جزء من الصوت الغائب بغزة من الضفة".
وأشار إلى أن هذا البرنامج بدأ برسالة صباحية يتم بثها عبر الإذاعة لتتسع الفكرة وصولا إلى برنامج مستقل باستديو داخل خيمة ينقل هموم النازحين.
ويعيش النازحون الفلسطينيون البالغ عددهم نحو مليونين (من أصل 2.1 مليون في القطاع) ظروفا إنسانية قاسية في ظل نقص إمدادات الغذاء والمياه والأدوية والوقود، وانعدام مقومات الحياة في أماكن النزوح التي باتت في معظمها مراكز إيواء أو خيام مصنوعة من الأقمشة والنايلون.
**بين غزة والخليل
قال المغاري إن هذه الخيمة المصنوعة من الأقمشة والنايلون، تحولت بسبب ظروف الإبادة إلى استديو يبث من خلاله برنامجه الإذاعب بدون توفر أي مقومات.
وأوضح أن المهندس الإذاعي ضمن برنامجه يتواجد في مقر "إذاعة عروبة" في مدينة الخليل حيث يفصل بينهم 60 كيلو مترا وحواجز وحدود وجيش إسرائيلي.
وأشار إلى أن هذه المسافة الطويلة تحرمه من التواصل البصري مع المهندس الصوتي الأمر الذي من شأنه عادة تيسير العمل الإذاعي.
ولفت إلى أن التواصل بينه وبين المهندس الصوتي يتم عبر الرسائل الهاتفية أو عبر منصة "واتساب".
**صعوبات ومعيقات
إلى جانب البعد الجغرافي، فإن المغاري يواجه معيقات متعلقة بتوفر الكهرباء وشبكة الإنترنت داخل الخيمة.
وقال إنه واجه مشاكل جراء الانقطاع المتكرر لخدمتي الإنترنت والكهرباء أثناء بث برنامجه.
وتابع: "أحيانا نكون على الهواء مباشرة ومعنا ضيف ويفصل الإنترنت .. نحاول حينها التعامل بطرق بديلة".
وعن الطرق البديلة، أشار المغاري إلى أن المهندس الصوتي يباشر بالاتصال بالضيف عبر الهاتف بعد الانقطاع أو قبل الاستضافة لضمان عدم الانقطاع.
ولفت إلى أن الجمهور المستمع للبرنامج يتفهم وجود هذه العقبات بسبب الظروف التي خلفتها الإبادة.
الفلسطيني عبد الله بكر، يقول إن أهالي غزة اعتمدوا في هذا الوقت على الإذاعات المحلية خاصة التي تنطلق في بثها من الضفة بعدما أعاق الجيش الإسرائيلي بث إذاعات غزة جراء تدميرها على مدار أشهر الإبادة.
وتعمد الجيش الإسرائيلي استهداف الصحافة والإعلام الفلسطيني في قطاع غزة سواء بتدمير المقرات والمؤسسات الصحفية أو قتل وإصابة صحفيين واعتقال بعضهم.
وبينما لم تصدر أرقام من جهات حكومية بغزة حول عدد المقرات الإعلامية التي دمرتها إسرائيل خلال حرب إبادتها بغزة، قال المكتب الإعلامي الحكومي في آخر الإحصائيات إن الجيش قتل 204 صحفيين بهجمات مختلفة بينما وثق 43 حالة اعتقال لصحفيين ممن عرفت أسماؤهم.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 156 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.