فلسطينية بغزة: فقدان يديّ سجن سلبني أحلامي وأعاق أمومتي (تقرير)
** قذيفة إسرائيلية خلال حرب الإبادة أفقدت الشابة نبال الهسي يديها أثناء النزوح من شمال القطاع إلى وسطه
Gazze
غزة/ الأناضول
** الأم الفلسطينية:
- فقدان اليدين حرمني من مساعدة طفلتي، أتمنى دائما أن أقوم بواجباتي تجاهها أي أُطعمها وأُلبسها كأي أم
- أتمنى تركيب أطراف صناعية ذكية تعيد لي قدرتي على أداء تفاصيل الحياة الصغيرة ورعاية طفلتي

منذ أن فقدت يديها في قصف إسرائيلي العام الماضي، تكافح الفلسطينية نبال الهسي لرعاية طفلتها في ظل ظروف معيشية قاسية، بعدما وجدت نفسها عاجزة عن أداء أبسط تفاصيل حياتها اليومية التي كانت تُشكل جوهر أمومتها.
وعلى أنقاض منزلها المدمر بمخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة، تجلس الهسي (25 عاما) وطفلتها في حضنها، تحاول مداعبتها وتخفيف شعور العجز الذي يرافقها منذ إصابتها.
وبعد عام من بدء الإبادة الإسرائيلية وتحديدا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أصيبت الهسي بقذيفة مدفعية إسرائيلية، بينما كانت تحمل طفلتها بين ذراعيها، ما أدى إلى بتر كلتا يديها أسفل المرفقين، إضافة إلى إصابات بليغة في الجسد والكبد.
ونجت طفلتها آنذاك بأعجوبة من القصف، الذي وقع أثناء نزوح العائلة من شمالي القطاع إلى مخيم البريج بالمحافظة الوسطى.
وتصف الهسي في حديثها للأناضول، حياتها بعدما فقدت يديها بأنها أشبه بـ"السجن"، إذ سلبتها الإصابة إلى جانب أمومتها تفاصيل حياتها البسيطة، وأحلامها بإكمال تعليمها والعمل لاحقا.
وتعد الشابة الفلسطينية واحدة من بين أكثر من 4 آلاف و800 حالة بتر خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية، بينها 18 بالمئة من الأطفال، حيث تغيرت حياة المصابين بشكل جدي جراء هذه الإصابات.
كما خلفت الإبادة التي بدأت في 8 أكتوبر 2023، نحو 71 ألف قتيل فلسطيني، وما يزيد عن 171 ألف جريح معظمهم من الأطفال والنساء، قبل أن تنتهي بعد عامين بدعم أمريكي، مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي.
** محاولات لاستعادة الأمومة
ورغم إعاقتها، تحاول الهسي جاهدة استعادة أمومتها قدر المستطاع، من خلال توفير الرعاية لطفلتها التي تبلغ عامين، ضمن حدود قدرتها الجسدية.
وتعيش الهسي مع طفلتها وعدد من أفراد أسرتها في منزلهم الذي تعرض لدمار بالغ جراء القصف الإسرائيلي خلال أشهر الإبادة.
يطل المنزل على أكوام واسعة من الركام الذي خلفته الحرب في بلدة جباليا شمالي القطاع، والتي شهدت استهدافا إسرائيليا مكثفا ضمن ما تصفه جهات فلسطينية بسياسة "إبادة المدن".
وتتفاقم معاناة الهسي مع انعدام مقومات الحياة في المنطقة المنكوبة، ما يضعها أمام تحديات كبيرة تحاول اجتيازها.
وعلى فراش أرضي، تجلس الهسي إلى جانب طفلتها محاولة تسريح شعرها القصير وإضفاء بعض البهجة على وجهها، قبل أن تبتسم الطفلة حين تنظر إلى نفسها في المرآة، وتقبل ما تبقى من ذراعي والدتها تعبيرا عن حبها.
** "كأنني في سجن"
وتقول الهسي إن فقدان يديها قيد حياتها وسلبها حريتها، وكأنها تعيش "في سجن".
وتضيف: "أن لا تملك يدين، يعني أن تُحرم من الحرية كما السجن تماما".
وربما يكون هذا الفقد أشد وطأة، حيث تعجز الهسي عن أداء أبسط تفاصيل حياتها بمفردها، من شرب المياه وتناول الطعام.
وتحاول التأقلم على هذه الظروف الجديدة وتحديها، من خلال محاولة أداء مهامها ومساعدة طفلتها ورعايتها.
وتتابع: "هذا الفقد حرمني من مساعدة طفلتي. أتمنى دائما أن أقوم بواجباتي تجاهها أي أُطعمها وأُلبسها كما أي أم".
كما تقول إن الإصابة سلبتها أحلامها، مضيفة: "لم يعد لدي أحلام بإكمال التعليم والعمل".
واليوم، تقتصر أمنية الهسي على تركيب "أطراف صناعية ذكية" تساعدها على ممارسة أبسط تفاصيل حياتها، مختتمة حديثها بالقول: "العجز.. شعور جدا صعب".
** معاناة مستمرة
ورغم وقف إطلاق النار، لم تنته معاناة كثير من جرحى الحرب في ظل استمرار تنصل إسرائيل من التزاماتها التي نص عليها الاتفاق، من إدخال الكميات المتفق عليها من الأدوية والمستلزمات الطبية.
كما تمنع إسرائيل دخول مواد صناعة الأطراف الصناعية ما يفاقم معاناة المبتورين، وفق ما أكده مسؤولون فلسطينيون، في وقت تُقيد فيه سفر المصابين لتلقي العلاج في الخارج.
ووفق معطيات حديثة لمنظمة الصحة العالمية، فإن 1092 مريضا توفوا بغزة أثناء انتظار الإجلاء الطبي بين يوليو/ تموز 2024 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2025.
وتعمل مقرات الأطراف الصناعية والتي تقدم أطرافا تقليدية -غير ذكية- لذوي البتر في قطاع غزة، بقدرات محدودة، بعد عامين من الإبادة الجماعية التي تعرض فيها القطاع الصحي بما فيه تلك المقرات إلى استهداف إسرائيلي متعمد.
