صراع "الوراق".. حلقة في مسلسل 17 جزيرة نيلية بمصر (تقرير)
بعد اشتباكات دامية إثر تصدي أهالٍ لحملة أمنية هدمت مساكن خاصة بجزيرة "الوراق" عقب رفعها من قائمة المحميات الطبيعية .. تنتظر 16 جزيرة نيلية أخرى في مصر مصيرا مشابها

Al Qahirah
لم يمر سوى شهر واحد على قرار حكومي باستبعادها من الجزر المدرجة ضمن المحميات الطبيعية بالبلاد، حتى قادت السلطات المصرية حملة لإزالة مبان في جزيرة "الوراق" (غربي القاهرة)، ما أدى لاندلاع اشتباكات دامية بين الأهالي وقوات الأمن، أجبرت الأخيرة على الانسحاب.
وقرار رئيس الوزراء المصري، الذي صدر في يونيو/حزيران الماضي، باستبعاد بعض الجزر من إدراجها ضمن المحميات الطبيعية، لم يقتصر على "الوراق" وحدها، بل اشتمل على 16 جزيرة أخرى في محافظتي القاهرة والجيزة (القاهرة الكبرى) بنيل مصر.
ويوم 16 يوليو/تموز الجاري، اندلعت اشتباكات بين قوات الأمن وأهالي جزيرة الوراق -تضم أكثر من 90 ألف نسمة- ما أسفر عن مقتل محتج، وإصابة 56 آخرين، بينهم 19 مدنيًا والباقي من الشرطة.
وتقول السلطات المصرية إن بعض مباني جزيرة الوراق مقامة على أراضِ مملوكة للدولة، بينما يؤكد الأهالي أنهم يمتلكون أوراقا رسمية تثبت ملكيتهم للأرض، ما ينذر بفتح باب الصراع بين السلطات والأهالي على حيازة الأرض في الجزر النيلية، وفق محللين.
ويتوقع ملاقاة مصير أهالي الوراق، القاطنون في جزر وردان الكبرى، وردان الصغرى، القيراطيين، أبو غالب، أبو عوض، أم دينار، الدهب، القرصاية، كفر بركات، الرقة، حلوان البلد، الشوبك البحرية، العياط، كفر الرفاعي، والديسمي والكريمات.
وهي الجزر النيلية التابعة إداريا لمحافظتي القاهرة والجيزة (غربي العاصمة) والتي تم استبعادها من قرار الحكومة المصرية بالإدراج ضمن المحميات الطبيعية التي تحمي الدولة مواردها للحفاظ على التنوع البيولوجي والإتزان البيئي.
ووفق خبراء متخصصين وأهالي الجزيرة، في أحاديث منفصلة للأناضول، فإن الأزمة أخذت منحى تصاعديا بسبب "غياب الشفافية والإجلاء القسري للأهالي"، دون إجراء حوار مجتمعي مع الأهالي أو الحديث عن منح تعويضات مالية للمتضررين.
**الشفافية.. فريضة غائبة
محذرا من خطورة الاعتماد على الحلول الأمنية دون غيرها، يقول محمد عبد العال، الخبير القانوني المتخصص في مجال الحق في السكن، إن "الخيار الأمني في التعامل مع ملفات الإسكان والعشوائيات غالبا ما يكون بلا أفق ويؤدي لنتائج عكسية".
وفي تصريح للأناضول، يوضح عبد العال، أن "الشفافية" هي الفريضة الغائبة في التعامل مع أهالي المناطق العشوائية أو غير الآمنة بمصر، مؤكدا أن تنفيذ الخطط التنموية التي تسعى لإعادة استثمار الجزر النيلية يستوجب بداية إجراء حوار وطني جاد مع سكانها.
ويتابع عبد العال أن "هناك آلاف المواطنين يقطنون الجزر النيلية منذ عشرات السنين ولديهم أنشطة تجارية ذات طبيعة خاصة، ومن ثم فإن تغيير تركيبة النشاط العمراني للسكان يتطلب جهدا استراتيجيا وسياسيا وليس أمنيا فحسب".
وعلى مقربة من هذا الطرح، تشتكي أم كلثوم محمود (55 عاما – ربة منزل) إحدى سكان جزيرة الوراق، من "استمرار محاصرة قوات الأمن لمداخل ومخارج الجزيرة، طوال الأسبوع الماضي، مقابل غياب المسؤوليين المحليين أو النواب البرلمانيين عن الأزمة".
وتقول أم كلثوم، التي تعيش في جزيرة الوراق منذ 26 عاما، إن الجزيرة "تعاني نقصا في الخدمات العامة، فلا وجود لشبكات المياه والصرف الصحي ومحطات الكهرباء، ورغم ذلك تقوم أجهزة الدولة بفرض وتحصيل رسوم مالية دون تقديم خدمات لسكانها".
وفي مصر تتولى المجالس المحلية الشعبية مسؤولية تقديم الخدمات العامة في الأحياء والقرى، يأتي من ضمنها الرقابة على مخالفات البناء وإزالة التعديات، لكن البلاد تعيش طيلة 6 سنوات مضت بلا مجالس محلية، منذ أن صدر قرار بحلها في يونيو/حزيران 2011.
**مجتمعات بديلة لا مساكن
منبها إلى عوار الحلول التقيلدية، يقول محمد عبد العال، إن توفير مساكن بديلة لسكان العشوائيات والمناطق غير الآمنة أمر غير ذي جدوى، لأن معظمها مجتمعات مغلقة ذات أنشطة عمرانية محددة تتركز في أغلبها على الزراعة والصيد وحرف يدوية.
ويتابع أن "الحل يكمن في توفير مجتمعات عمرانية بديلة تراعي طبيعة الأنشطة العمرانية والروابط التجارية للسكان"، مشيرا إلى أن تنفيذ الخطط التنموية للبلاد "لا يتأتي بالإجلاء القسري للأهالي وإنما بالدراسة المتأنية لجميع جوانب القضية".
وتقول إحدى ساكنات جزيرة الوراق، طلبت عدم ذكر اسمها، إن أغلبية سكان الجزيرة يعملون في الصيد النهري وأعمال السباكة وتركيب الأرضيات، مؤكدة أن معظم العائلات في الوراق تعتمد على المعونات المالية التي تقدمها لهم الجمعيات الخيرية والتنموية.
وتؤكد السيدة الأربعينية أن الأوضاع في جزيرة الوراق لا تزال ساخنة، بسبب "استمرار الحصار الأمني على المعديات (قوارب مخصصة لنقل المواطنين والبضائع من وإلى الجزيرة)، وعدم الإفراج عن الشباب المعتقلين، ومنع دخول أسطوانات البوتاجاز والخضروات والفاكهة".
ولم تغب "أزمة الوراق" عن أحدث لقاء شعبي عقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالإسكندرية (شمال)، الإثنين الماضي، حيث قال إن "الدولة والقانون كانا غائبين وخاصة فيما يتعلق بالتعدي على الاراضي الزراعية أو المباني، خلال السنوات الماضية".
وحذر السيسي من انتشار العشوائيات، على نحو يوحي بالموافقة الضمنية على التعامل الأمني مع سكان الوراق، قائلا "لا نريد أن تتمدد الدولة بشكل عشوائي دون سيطرة (..) لو تم البناء بالوراق بشكل عشوائي فسيكون صرفهم الصحي في النيل، وستنتج عن ذلك أمراض صحية خطيرة".
**مخاوف جماعية
وتحسبا من وقوع أحداث مشابهة مع أهالى الجزر النيلية بمصر، نظم المئات من أهالي جزيرة الدهب بمحافظة الجيزة، غربي العاصمة، مؤخرا، مسيرة تضامنية مع أهالي جزيرة الوراق، اعتراضا على التعامل الأمني مع سكانها، وخوفا من وقوع أحداث مشابهة معهم.
ونقلت وسائل إعلام محلية، خلال الأيام الماضية، حالة الخوف التي انتابت سكان الجزر النيلية، والذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، من عدم منح تعويضات مالية مناسبة أو مساكن بديلة حال تنفيذ مخطط الإخلاء.
وتصنف السلطات المصرية المناطق العشوائية تحت فئة "المناطق الخطرة"، وتمثل حوالي 40% من مساحة العمران في البلاد، وتنقسم إلى مناطق غير مخططة وأخرى غير آمنة، حسب تقديرات رسمية.
وفي عام 2014، استحدثت مصر وزارة معنية بتطوير المناطق غير الآمنة في البلاد، تحت اسم "التطوير الحضري والعشوائيات"، غير أنها عادت وألغتها عقب 18 شهرا على تأسيسها دون إبداء أسباب.
وينص الدستور المصري على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية".
وتظل أزمة "الوراق" هاجسا يراود سكان الجزر النيلية بمصر، وبابا قد يفتح صراعات بين السلطات وسكان العشوائيات على حيازة الأرض خلال الفترة المقبلة.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.