
Algeria
الجزائر/ حسام الدين إسلام/ الأناضول
أشرقت شمس أوّل ليلة لإيمانويل ماكرون عقب انتخابه رئيسا لفرنسا، على يوم الثامن من مايو/ أيار، والذي يصادف الذكرى 72 لتخليد المجازر التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر زمن استعمارها، وعلى مطالب البلد الأخير الأزلية بالإعتذار.
ولئن تحيي فرنسا في اليوم نفسه، ذكرى يوم النصر في أوروبا واستسلام القوات الألمانية، ونهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945، إلا أن الجزائر تقف في مثل اليوم ذاته من كل عام، ترحّما على شهدائها ممن قضوا في أبشع الجزائر الفرنسية، مكررة مطالب إعتذار ما فتئت باريس ترفضها بتعلة ضرورة "التطلّع إلى المستقبل وعدم الإلتفات إلى الماضي"
** جدل الذاكرة والتاريخ
ماكرون الذي انتخب، منذ يومين، رئيسا لبلاده، يجد نفسه، بعد بضع ساعات فقط من ذلك، في مواجهة مطالب جزائرية (شعبية ورسمية) تنادي من جديد بضرورة الإعتذار للشعب على إحدى أبشع جرائم باريس في بلد عانى الإستعمار لـ 132 عاما.
وفي 8 مايو/ أيار 1945، ارتكبت قوات المحتل الفرنسي عمليات قتل شنيعة استهدفت محافظات سطيف وقالمة وخراطة شرقي الجزائر، ما أسفر عن مقتل نحو 45 ألف شهيد، وفق الأرقام الرسمية، كانوا من بين الذين خرجوا حينذاك في مظاهرة سلمية للمطالبة باستقلال بلادهم.
وتخليدا لذكرى الشهداء، نظمت الجزائر، أمس الإثنين، فعاليات الذكرى 72 لمجزرة 8 مايو/ أيار 1945، بحضور شخصيات رسمية وعسكرية، إضافة للمواطنين.
ومع أن الجزائريين يطالبون باستمرار فرنسا بالاعتراف بجرائمها والاعتذار رسميا وتعويض ضحاياها، إلا أن باريس لم تعتذر بعد رسميا عن احتلالها الطويل والمآسي التي ذاقها الشعب الجزائري.
ويرجع بعض الخبراء أسباب رفض باريس الإعتذار رسميا من الجزائريين إلى أسباب عديدة، أبرزها مخاوفها من اضطرارها لدفع تعويضات لهم، غير أن أهم تلك الأسباب يظل، حسب رأيهم، خوفها من أن يحسب عليها اعتذارها اعترافا بجرائم ستكلّفها آليا المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وبين مطالب الجزائريين ورفض باريس، تبقى الذاكرة والتاريخ من الملفات العالقة بين الطرفين، والكامنة وراء برود العلاقات بين الطرفين، وفق مراقبين.
** ذكرى المجزرة وتذكير بالإعتذار
تخليد ذكرى المجزرة لم يمر في الجزائر دون تكرار مطالب الإعتذار نفسها من فرنسا التي انتخبت لتوّها رئيسا أظهرت تصريحات سابقة له منحى مغايرا تماما للتعامل الرسمي لبلاده مع جرائمها في الجزائر.
فخلال زيارة أجراها ماكرون، في فبراير/ شباط الماضي، إلى الجزائر، وصف استعمار بلاده للبلد الأخير بـ "جرائم ضد الإنسانية"، ما أثار جدلا واسعا في بلاده، واستنكارا من قبل طيف واسع من الطبقة السياسية فيها.
الوزير الجزائري للشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، والذي يشغل أيضا منصب وزير المجاهدين بالإنابة، طالب ماكرون بالإلتزام بوعوده التي قطعها للجزائريين بخصوص الاعتراف بجرائم بلاده بحقّهم.
وقال عيسى، في تصريحات إعلامية، أدلى بها على هامش فعاليات الذكرى المخلدة لمجزرة 8 مايو: "على الرئيس الفرنسي الجديد أن يكون على مستوى عال من المسؤولية والالتزام، لتخليص الذاكرة الجزائرية-الفرنسية من الشوائب التي تجعل الصراع مستمرا، ودفعها إلى مصالحة حقيقية".
وأضاف عيسى: "نحن بانتظار تفعيل تلك الوعود"، لافتا أنّ التهنئة التي بعث بها الرئيس (الجزائري)، عبد العزيز بوتفليقة، لماكرون، تستبطن دعوة للوفاء بالإلتزامات والوعود التي قطعها في زيارته الأخيرة للجزائر، بخصوص تاريخ الجزائريين.
وأمس، قال بوتفليقة، في رسالة تهنئته لنظيره الفرنسي، أنّ مواقف الأخير من ملف الإستعمار تجعله في موقع مناسب لإرساء مصالحة تاريخية بين البلدين.
وجاء في الرسالة الموجهة لماكرون: "إن الزيارة التي قمتم بها، مؤخرا، إلى الجزائر في سياق انطلاق مسيرتكم الباهرة صوب تحقيق غايتكم الوطنية السامية، أضافت إلى الرصيد المشترك بين بلدينا موقفكم المبدئي المتميز بالإقدام السياسي والإخلاص الإنساني المنقطع النظير حيال الاستعمار وطبيعته التي لا تغتفر".
وأضاف أن "الموقف الرائد الذي صدر منكم، يضعكم طبيعيا وشرعيا في الموقع المرموق، موقع الفاعل المقتنع والمقنع في عملية استكمال مصالحة حقيقية بين بلدينا في إطار احترام القيم الذاتية للشعوب".
** "وعود انتخابية"
المحلل السياسي والمؤرخ الجزائري، عامر رخيلة، استبعد أن يجسّد ماكرون تصريحاته ويعتذر للجزائر حكومة وشعبا على مجازر بلاده في الجزائر.
رخيلة قال، في تصريح للأناضول، أنه ينبغي التميير بين الوعود الإنتخابية والتي غالبا ما تكون لها أهداف محددة هي التي تنفّذ في النهاية".
وأضاف أن "تصريحات ماكرون في الجزائر أثناء حملته الإنتخابية تندرج ضمن أهداف إعلامية محددة، ترمي إلى استفزاز الضمير الجماعي لفرنسا"، بمعنى أنه أراد استقطاب الأضواء إليه بالتطرق إلى موضوع يدرك جيدا أنه من "التابوهات"، وبالتالي سيمنحه رصيدا انتخابيا إضافيا في صفوف المهاجرين.
ولفت أنّ "السياسة الخارجية لفرنسا تصنع في مخابر ومؤسسات سيادية ولا تصنع بالقرار السياسي، خصوصا حين يتعلق الأمر بقضية حساسة بالنسبة للمجتمع الفرنسي، مثل ملف التاريخ الاستعماري للجزائر".
وبالنسبة للخبير الجزائري، فإن "عددا من القوى السياسية في فرنسا لازالت ترفض أي استنكار لما حدث خلال الحقبة الاستعمارية في الجزائر، وماكرون قدم تصريحات ويمكن أن يستمر في تصريحاته، غير أنه لن يقدم على أيّ خطوة في اتجاه إعطاء كلامه طابعا مؤسساتيا، لأن المؤسسات الفرنسية دستورية، ولن تسايره في هذا الملف".
وتطرّق رخيلة إلى الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، فرانسوا أولاند، والذي "أبدى موقفا فيه نوعا ما شيء من الاعتراف بتلك الجرائم، غير أنه لم يتمكّن من طرح الموضوع على برلمان بلاده، وقبله نيكولا ساركوزي، والذي فضّل بدوره ترك المسألة للمؤرخين".