رئاسة السيادي السوداني.. جدل لا ينتهي بين المدنيين والعسكريين (تقرير)
طبقا للوثيقة الموقعة في 17 أغسطس/آب 2019، كان مقررا أن يترأس العسكريون مجلس السيادة (رئاسي) لمدة 21 شهرا، ثم يترأسه المدنيون 18 شهرا، ابتداء من مايو/ أيار الماضي.

Sudan
الخرطوم/ طلال إسماعيل/ الأناضول
- قوى إعلان الحرية والتغيير: يوجد خلاف بشأن موعد ترؤس المدنيين للمجلس، والأمر يجب أن تحسمه فتوى من وزارة العدل
- البرهان: لن نمضي مع مجموعة صغيرة اختطفت الثورة.. و"حمديتي": لا انقلاب من جانبنا ولا يمكن لفئة قليلة التسلط على السلطة
- الحمدوك: الصراع ليس بين المدنيين والعسكريين بل بين المؤمنين بالتحول الديمقراطي من الفريقين والساعين إلى قطع الطريق أمامه
- عرمان: قضايا شرقي السودان والاغتيالات و"داعش" قد تدفع العسكريين إلى عدم المجازفة بتسليم السلطة للمكون المدني
- صحفية: ضغوط دولية على العسكريين لتسليم رئاسة المجلس لكن أعتقد أن المدنيين سيتنازلون عنها بسبب تصاعد الانفلات الأمني
- محلل: المكون العسكري أقوى في ظل أزمة الشرق ومكافحة الإرهاب والصراعات القبلية وضعف الحاضنة السياسية للمكون المدني
تتصاعد في السودان شكوك بشأن التزام المكون العسكري بتسليم رئاسة مجلس السيادة لنظيره المدني، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تنفيذا للوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية، في ظل خلافات عديدة بين المكونين، ومستجدات أبرزها انفلات أمني واضطرابات، لاسيما بالمناطق الشرقية.
في البداية، وطبقا للوثيقة الموقعة في 17 أغسطس/آب 2019، كان مقررا أن يترأس العسكريون مجلس السيادة (رئاسي) لمدة 21 شهرا، ثم يترأسه المدنيون 18 شهرا، ابتداء من مايو/ أيار الماضي.
لكن الحكومة وقعت مع حركات مسلحة في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اتفاقية سلام في جوبا أضافت عاما إلى الفترة الانتقالية التي بدأت في 21 أغسطس/آب 2019، عقب عزل قيادة الجيش لعمر البشير من الرئاسة (1989-2019)، إثر احتجاجات مناهضة لحكمه.
وهو ما يعني أنه من المفترض أن يتسلم المدنيون رئاسة مجلس السيادة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد تقسيم الـ12 شهرا الإضافية مناصفة بين مكوني المجلس، بواقع 27 للعسكريين و24 للمدنيين.
ويتشكل المجلس من 14 عضوا، هم: 5 عسكريين، و6 مدنيين، و3 من الحركات المسلحة، وهو يتولى قيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية، رفقة حكومة مدنية يترأسها عبد الله حمدوك منذ 2019.
** تسليم السلطة
وخلال اجتماع للمجلس المركزي لائتلاف قوى "إعلان الحرية والتغيير" (شريك بالسلطة) الأربعاء، شدد المجلس على "ضرورة الالتزام الصارم بالوثيقة الدستورية واتفاقية السلام، وإكمال السلام، بما في ذلك دورية رئاسة المجلس السيادي، التي يجب أن تنتقل للمدنيين، وفق الوثيقة"، بحسب بيان.
وفي اليوم التالي، قال متحدث الائتلاف، جعفر عثمان، خلال مؤتمر صحفي، إنه يوجد خلاف بشأن موعد ترؤس المدنيين لمجلس السيادة، والأمر يجب أن تحسمه فتوى من وزارة العدل، باعتبارها محامي الحكومة.
بالمقابل، وفي اليوم نفسه، أعلن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، محمد حمدان "حميدتي"، أنه لم تتم مناقشة تسليم رئاسة المجلس للمدنيين، معتبرا أن الأمر سابق لأوانه.
وشدد حميدتي، خلال لقاء شعبي، على أنه لن يتم تسليم الشرطة وجهاز المخابرات العامة إلا لحكومة منتخبة.
ووفق ياسر عرمان، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، نائب الأمين العام "للحركة الشعبية لتحرير السودان/ قطاع الشمال"، فإنه توجد قضايا سياسية وأمنية تحول دون تسليم السلطة للمكون المدني.
وأضاف عرمان، في تصريح متلفز يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن قضايا شرقي السودان ومناطق البترول والاغتيالات السياسية والتهديدات، ونشاط تنظيم "داعش"، قد تدفع كلا من رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه حميدتي إلى عدم المجازفة بتسليم السلطة للمكون المدني.
وفي 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، قال حميدتي إنه "لا يوجد انقلاب من جانبنا وعلى الناس الاطمئنان، لكن لا بد من تصحيح الأخطاء، ولا يمكن لفئة قليلة (يقصد الائتلاف الحاكم) التسلط على السلطة منفردة".
وتابع: "طالبنا فقط بتوسيع المشاركة السياسية في الحكومة، عدا حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقا)، والبلاد لن تخرج من مأزقها إلا بالوفاق".
وقبلها بيوم، أعلنت كيانات سياسية وحركات مسلحة وشخصيات عامة تمسكها بالمرحلة الانتقالية والشراكة مع العسكريين لاستكمال مؤسسات الفترة الانتقالية (خاصة المجلس التشريعي)، ما شكل، وفق مراقبين، ضغطا على المكون المدني في مجلس السيادة.
وجاء ذلك في بيان مشترك لـ12 حزبا وحركة مسلحة و4 شخصيات عامة، أبرزها "حزب البعث"، و"الاتحاد الديمقراطي/ الجبهة الثورية"، و"حركة تحرير السودان"، بقيادة مني أركو مناوي، و"حركة العدالة والمساواة"، بقيادة جبريل إبراهيم.
** إنهاء الشراكة
وفي 26 سبتمبر/ أيلول، شدد البرهان على أنه ما لم تتوحد قوى الثورة، فإننا "لن نمضي مع مجموعة صغيرة اختطفت الثورة".
وأضاف أن القوات المسلحة هي الوصيّ على الشعب، وهي التي تحرس الوطن، ولن تنقلب على "ثورة ديسمبر" (التي قادت للإطاحة بالبشير).
وفي اليوم نفسه، دعا حمدوك، في بيان، كل الأطراف المعنية إلى الالتزام الصارم بالوثيقة الدستورية.
واعتبر أن "الصراع الذي يدور حاليا ليس صراعا بين عسكريين ومدنيين، بل هو صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين من الطرفين إلى قطع الطريق أمامه".
بينما دعا تجمع المهنيين السودانيين (من أبرز قوى الثورة)، في اليوم ذاته، إلى إنهاء الشراكة مع المجلس العسكري، وإلغاء الوثيقة الدستورية، وتشكيل حكم مدني خالص.
وشدد التجمع، في بيان، على ضرورة تصفية ما أسماه "سيطرة لجنة البشير الأمنية"، واصفا السلطة الانتقالية بـ"المعطوبة".
** اتفاقية جوبا
وحول تولي المكون المدني رئاسة مجلس السيادة، قال عضو المجلس عن المكون المدني، محمد الفكي سليمان، إنه "كان ينبغي أن نتسلم رئاسة المجلس في مايو الماضي، ولكن اتفاقية السلام في جوبا عدلت هذا الأمر بالتمديد للفترة الانتقالية عاما واحدا إضافيا".
واستطرد الفكي، عبر تصريح متلفز في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي: "تولي المدنيين لرئاسة مجلس السيادة يحتاج إلى شرح وتفسير قانوني، خصوصا وأن المفاوضين في جوبا لم يوجدوا شرحا لهذا النص، تحاشوا هذا النص اللغم".
وفي 22 مايو/ أيار الماضي، أعلنت عضوة مجلس السيادة عن المكون المدني، عائشة موسى السعيد، استقالتها من منصبها؛ احتجاجا على "تجاوز الصلاحيات الدستورية، وانفراط الأمن"، واعتبرت أن المكون المدني هو "المتهم الأول" بالتسبب في ضعف المؤسسات المدنية.
وقال رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، عبر تصريح صحفي في 16 مارس/آذار الماضي، إن وفد الحكومة في مفاوضات السلام بجوبا لم يطرح مسألة تولي المكون المدني أو العسكري رئاسة مجلس السيادة.
وأضاف مناوي: "خلال المفاوضات لم نتحدث عن فترتين مطلقا عسكرية أو مدنية خلال الفترة الانتقالية، وقلنا للقوى السياسية أنكم لم تطرحوا في المفاوضات مسألة إنهاء الحكم العسكري في رئاسة مجلس السيادة".
** ضغوط دولية
وقالت فتحية عبدالله، صحفية سودانية، للأناضول: "هناك ضغوط دولية على المكون العسكري لتسليم السلطة للمدنيين، ويرفض (المجتمع الدولي) الانقلاب العسكري على الوضع الانتقالي".
ورأت "عبدالله" أنه سيحدث تنازل من المكون المدني لاستمرار المكون العسكري في رئاسة المجلس، نظرا لتصاعد الانفلات الأمني والمخاوف من تفكك البلاد، واعتبرت أن وجود العسكريين "ضمان لإنجاح الفترة الانتقالية".
لكن عبد العزيز النقر، محلل سياسي، شدد على "ضرورة الالتزام بالوثيقة الدستورية وتسليم رئاسة المجلس للمدنيين، فهذا التزام دستوري وأخلاقي".
وأشار "النقر"، في حديث للأناضول، إلى وجود تعقيدات وإشكاليات قد تحول دون تسلم رئاسة المجلس للمدنيين.
وأردف: "أزمة شرقي السودان، ومكافحة الإرهاب، والصراعات القبلية، وضعف الحاضنة السياسية للمكون المدني (قوى إعلان الحرية والتغيير)، بل وانقسامها إلى مجموعتين (الإعلان السياسي/ الميثاق الوطني)، كلها عوامل تجعل المكون العسكري أكثر قوة من المكون المدني في السلطة الانتقالية".
ومنذ فترة، تشهد المناطق الشرقية احتجاجات تتضمن إغلاق موانئ والطريق بين العاصمة الخرطوم ومدينة بورتسودان؛ للمطالبة بتشكيل حكومة انتقالية جديدة من "كفاءات وطنية مستقلة"، وعقد مؤتمر يناقش قضايا الشرق، ويقر خططا تنموية لهذه المناطق.
وختم "النقر" بأن "اتفاقية السلام لم تنص على إشراك الحركات المسلحة في رئاسة مجلس السيادة، وتقاسم الفترة الانتقالية بين المكونين المدني والعسكري (كما كانت تنص عليه) الوثيقة الدستورية 2019، قبل تعديلها بعد توقيع اتفاقية جوبا".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.