التقارير, فيروس كورونا, تونس

تونس.. عائلة أطباء "على الجبهة" في مواجهة كورونا (تقرير)

بين أسرّة المرضى بقسم "كوفيد 19" في مستشفى ابن الجزار بمحافظة القيروان التونسية، تراقب الطبيبة الشابة مريم مفتاح مرضاها، فتعاين مستوى تدفق الأوكسيجين ووضعية التنفس بالأجهزة.

30.06.2021 - محدث : 30.06.2021
تونس.. عائلة أطباء "على الجبهة" في مواجهة كورونا (تقرير)

Tunisia

القيروان (تونس)/ ناجح الزغدودي/ الأناضول

-أسرة الدكتور علي مفتاح استبقت الجائحة وساهمت في إقامة مستشفى ميداني في القيروان
- يُعد المستشفى الميداني، الذي عملت العائلة على إنشائه، أكبر قسم استشفائي يستقبل مرضى كورونا في المدينة
- تتوافر في المستشفى الخدمات الصحية والأوكسيجين، تحت رعاية وإشراف الهيئات الصحية
- أفرزت الجائحة نسيجا اجتماعياً فريدا ومبادرات تطوعية للمساهمة في تحسين الوضع الوبائي وتخفيف العبء عن المستشفيات

بين أسرّة المرضى بقسم "كوفيد 19" في مستشفى ابن الجزار بمحافظة القيروان التونسية، تراقب الطبيبة الشابة مريم مفتاح مرضاها، فتعاين مستوى تدفق الأوكسيجين ووضعية التنفس بالأجهزة.

وأحيانا تطلب مساعدة قسم الإنعاش أملا بإيجاد سرير شاغر لتنقذ حياة مريضها الذي تدهورت حالته. وفي مواقف أخرى من الأمل، تمضي على ورقة تعافي مريض ونقله إلى المستشفى الميداني.

مريم طبيبة متعاقدة مع مستشفى ابن الجزار، وهي حديثة التخرج من كلية الطب، لتكون أول مصافحة لها مع جائحة "كورونا" في الصفوف الأمامية مع جنود الجيش الأبيض في محاربة الوباء.

انتماء مريم إلى عائلة طبية أكبسها خبرة أكبر، فوالدها طبيب جراح ووالدتها متخصصة في التوليد وأمراض النساء، ومنهما استمدت حب مهنة الطب وأيضا التطوع في مبادرات اجتماعية عدة.

** مستشفى ميداني أصبح حقيقة

تترأس مريم جمعية "أسرتي للتنمية" بالقيروان، وتعمل من خلالها على جمع المساعدات في ظل الصعوبات الصحية التي تشهدها المدينة في مجابهة الجائحة، وما فيها من ارتفاع حالات الإصابات إلى أكثر من 400 إصابة في الـ 100 ألف ساكن وارتفاع نسب الوفيات.

ومن بين المشاريع التطوعية، المساهمة في تهيئة وتجهيز مستشفى ميداني، هو يُعد اليوم أكبر قسم استشفائي يستقبل مرضى كورونا.

منذ بداية الأشغال، رافقت مريم والديها في تهيئة المستشفى الميداني، وواكبت جميع مراحل التأسيس وجمع التبرعات.

كما تواصل الجمعية جمع مبالغ مالية لاقتناء أجهزة أوكسيجين مع تزايد الطلب عليها من المصابين.

"كان الأمر صعبا" بالنسبة إلى الطبيبة الشابة المنهمكة في ملاحقة طلبات المرضى وتساؤلاتهم وحاجتهم إلى الأدوية، وهي ترى أن "أسرّة المستشفى تمتلئ شيئا فشيئا، فيما طاقتها الاستيعابية تتضاءل أمام قدوم مزيد من المرضى الذين يتدفقون بكثرة،"، وفق تعبيرها.

واجهت مريم صعوبات كبيرة منذ بداية العمل بالمستشفى الميداني خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وسط تشكيك في إمكانية نجاح القسم المخصص لمرضى "كوفيد 19".

والمستشفى الميداني القائم اليوم كان قاعة رياضة مهملة، تحولت إلى مركز استشفائي يحتوي على نحو 80 سرير أوكسيجين مخصصة لمرضى كورونا. وواكبت مريم والديها في أعمال التأسيس، خصوصاً قيام والدتها بخياطة الستائر، وتابعت جمع التبرعات التي قدمتها شخصيات عدة في القيروان.

** الطبيب بين القسم وروح التطوع

بعد انتهاء دوام عملها في قسم كورونا، تتحول مريم إلى المستشفى الميداني.

وكانت الطبيبة الشابة تراقب نشاط والدها الطبيب السبعيني، واندفاعه في مواصلة ما بدأه من عمل تطوعي.

قبل 30 عاما، كان والد مريم، الطبيب علي مفتاح، معيدا في قسم الجراحة بمستشفى القيروان، قبل أن يحاكم (في إطار محاكمات منتسبي حركة "الاتجاه الإسلامي") ويُسجن ويُقصى من العمل بالمستشفى.. ليقرر لاحقاً فتح عيادته الخاصة في منزله.

"لقد اعتدت على العمل التطوعي ضمن المجموعة داخل السجن، ما جعله سلوكا اعتياديا"، كما يقول الدكتور مفتاح، مضيفا أن "قَسَمَ الطبيب يلزمه بإسعاف الناس في جميع الأحوال ونجدتهم".

انخرط الدكتور مفتاح مع آخرين، وبينهم زوجته، في جهود إنشاء المستشفى الميداني، بناء على وعود من وزارة الصحة بتجهيزه بالمعدات الطبية.

ويقول: "صممتُ بنفسي أروقة المستشفى الميداني الذي هو قابل للتفكيك والنقل، وهو صالح لكل مكان وزمان وليس فقط في القيروان".

ومع كل نقص يُسجَّل، تُنشر تدوينة عبر "فيسبوك" فيأتي الرد سريعا من مساهمين بشتى أصناف التبرعات والتطوع من هيئات المجتمع المدني، كالكشافة و"الهلال الأحمر".

بدأ المستشفى الميداني بتركيز 40 سرير أوكسيجين، من متطوعين سهروا على إعداده لاستقبال المصابين في ظل ارتفاع عدد إصابات كورونا مع بداية مايو/ أيار الماضي.

"أهدي هذا المستشفى المنجز إلى جميع الذين قدموا يد المساعدة، ومنهم من فارق الحياة بسبب كورونا ولم يتمكن من العلاج فيه"، يقول مفتاح.

لم يكن الطبيب، صاحب المبادرة يتحرك بمفرده، وإنما جنبا إلى جنب مع زوجته الطبيبة آمال صوة. يقول: "زوجتي ليست فقط شريكة حياتي وأم أولادي، فهي أيضا شريكتي في العيادة التي نتقاسمها".

** الطبيبة الخياطة

"أنا طبيبة، وفي الوقت عينه مسؤولة لجنة الصحة في المجلس البلدي. ومن منطلق هذه المسؤولية، سعيت مع جهات محلية إلى استحداث هذا المستشفى الميداني"، تقول الدكتورة آمال صوة، مؤكدة أن الجائحة دفعت الجميع إلى التطوع والمساهمة بشتى أنواع المساعدات.

كان المكان غير مهيأ لذلك، لكنه تحوّل بإرادة هؤلاء المتطوعين إلى مستشفى ميداني، تضافرت فيه جهود إدارة الصحة والبلدية على الرغم من أنه في البداية لم تكن هناك موازنة كافية.

وتتابع صوة: "وضعنا أول لبنة بالمستشفى، وهي مقاسم أروقة المستشفى الخشبية، من خلال جمع تبرعات، وهي التي أعطت لجهدنا قيمة ودفعتنا إلى الأفضل، وبدأت المساعدات تتدفق من مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية".

وبات المستشفى اليوم مجهزا بالكامل، ويستقبل منذ بداية يونيو/ حزيران الجاري أكثر من 60 مصابا، وتتوافر فيه الخدمات الصحية والأوكسيجين تحت رعاية وإشراف الهيئات الصحية.

أما الستائر التي تفصل بين الأسرة داخل المستشفى، فقامت الدكتورة صوة بخياطتها في يوم واحد بسبب ضغط الوقت، واعتبرته بمثابة تحد عملت على كسبه.

تقول: "هناك من أخبرنا بأن كورونا انتهى إلى غير رجعة، وحاول آخرون تثبيط عزائمنا، ولكنني أنا وزوجي وابنتي لم نستسلم، وكانت لنا نظرة استشرافية، فواصلنا العمل".

وتردف: "لم نهتم بالنتيجة، وإنما تمسكنا بواجب المحاولة. وهذا ما جعل الهدف يتحقق بالنهاية، وهو هدف الإرادة في المساعدة وتغيير الوضع".

** التلقيح حل للأزمة

أفرزت الجائحة نسيجا اجتماعياً فريدا ومبادرات تطوعية للمساهمة في تحسين الوضع الوبائي وتخفيف العبء عن المستشفيات. وتحقق ذلك من خلال التبرعات التي تم جمعها عن طريق أطباء ورجال عمال وشركات وجمعيات صحية وجمعية طبية.

وللخروج من دوامة الوباء، ترى الطبيبة الشابة مريم مفتاح أن الحل يتمثل في القيام بحملات لتشجيع الناس وحثهم على التلقيح، وتوعية المواطنين بأهمية التلقيح وجدواه. "والتلقيح أقل تكلفة من جهاز أوكسيجين، ولا يساوي شيئاً أمام الأرواح"، وفق تعبيرها.


الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın