تحديات تواجه "الصحة" بالجزائر وإرادة سياسية للارتقاء (تقرير)
تعكف الجزائر على تنفيذ توصيات تجديد المنظومة الصحية، المنبثقة عن ملتقى وطني أشرف عليه الرئيس عبد المجيد تبون، في وقت يظل تجسيدها ميدانيا التحدي الأكبر.

Algeria
الجزائر / عباس ميموني / الأناضول
ـ الرئيس تبون التزم بتنفيذ توصيات ملتقى حول تجديد المنظومة الصحيةـ الملتقى أوصى بضرورة عصرنة قطاع الصحة عن طريق الرقمنة، ورفع الجودة الصحية، والتكوين، والارتقاء بالتسيير، والصيدلة
ـ رئيس نقابة الصحة: الأجور غير المحفزة للأطباء تدفعهم إلى الهجرة
تعكف الجزائر على تنفيذ توصيات تجديد المنظومة الصحية، المنبثقة عن ملتقى وطني أشرف عليه الرئيس عبد المجيد تبون، في وقت يظل تجسيدها ميدانيا التحدي الأكبر.
وانعقد الملتقى بالعاصمة الجزائرية، في 8 و9 يناير/ كانون الثاني الماضي، بمشاركة أزيد من 700 مسؤول وخبير، بحثوا مسألة النهوض بالقطاع الصحي، الذي يعاني عدة مشكلات، عبر 8 ورش.
وقال وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد، في 3 فبراير/ شباط المنصرم، "إنه تم البدء في تنفيذ توصيات الملتقى الوطني لتجديد المنظومة الصحية".
والتزم الرئيس تبون، بتجسيد مخرجات هذا الملتقى، خاصة "ما تعلق بالجانب المادي لعمال القطاع، قبل نهاية 2022".
** مشاكل عميقة
وبرمجت وزارة الصحة، منذ عدة أشهر، تنظيم مؤتمر كبير لمناقشة المشاكل "العميقة" التي يعانيها القطاع.
وتعترف السلطات والنقابات، بأن المنظومة الصحية في البلاد لا تلبي احتياجات المنتسبين إليها من أطباء وعمال، ولا متطلبات السكان في الخدمات الملائمة.
وقال رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الصحة (مستقلة) إلياس مرابط، للأناضول، إن"القطاع يعاني مشاكل مستعجلة وأخرى هيكلية تتعلق بالجوانب القانونية والتنظيمية تعوق الفعالية في التقدم نحو الأمام".
وأوضح أن ما هو مستعجل يتمثل "في إيجاد حلول لظروف العمل غير الملائمة وإعادة النظرة في سياسة الأجور المنفرة وغير المحفزة للأطباء، ما يدفعهم للهجرة وبالأخص إلى فرنسا، ودول الخليج، وحتى تركيا وألمانيا".
وفي فبراير الماضي، أثارت وسائل إعلام محلية ودولية قضية هجرة 1200 طبيب جزائري للعمل في فرنسا، ووصل الأمر حد توجيه نائب مساءلة إلى وزير الصحة بشأن القضية.
وأضاف مرابط، أن القطاع "يعاني اختلالات في التغطية الصحية، خاصة بمحافظات جنوب البلاد، أو ما يعرف بالخدمة المدنية، حيث لم يتم بعد ضبط استقرار في توفير أطباء في تخصصات معينة (توليد النساء مثلا)".
ولفت إلى أن تخطي العديد من المشاكل يمر عبر مراجعة القوانين الأساسية، سواء للأنظمة التعويضية للعمال أو تنظيم نشاط المؤسسات الصحية.
وغالبا ما يطلق وصف "الصحة مريضة" مجازا للتعبير عن الوضع الذي لا يرضي المهنيين ولا المواطنين، وهو واقع تعترف به الحكومة نفسها.
** نقائص أم تشويه؟
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن، "إن تقريرا لإحدى المنظمات الدولية وضع المنظومة الصحية الجزائرية في المرتبة 44 إفريقيا في 2020".
وأشار إلى أن الحكومة تدخلت لتصحيح الأمر، الذي اتضح أن "منظمات تعمل على أهداف أخرى لا علاقة لها بالمهمة الأساسية المنوطة بها" هي من وضعت الجزائر في هذا التصنيف المتأخر إفريقيا (44 من إجمالي 54 دولة).
وأوضح بن عبد الرحمن، أنه "لا يمكن أن تحتل الجزائر هذه المرتبة، وهي التي تأتي الثانية إفريقيا في معدل التنمية البشرية".
ومؤشر التنمية البشرية، وسيلة إحصائية لقياس مستوى رفاهية الشعوب، يصدر بشكل سنوي منذ 1990، واحتلت الجزائر في تقرير 2020، المرتبة الـ91 عالميا (تنمية بشرية عالية)، والثالثة إفريقيا بعد موريشيوس والسيشل، والسابعة عربيا بعد دول الخليج الست (الإمارات، والسعودية، والبحرين، وقطر، وعُمان، والكويت).
وكان تقرير البنك العالمي، الصادر في نوفمبر الماضي، أثار استياء الجزائر، حيث وضع ضعف القطاع الصحي إلى جانب التعليم، ضمن مؤشرات الفقر غير النقدي، الذي عرفته البلاد بين 2013 و2019.
وفي السياق، اعتبر رئيس نقابة مهنيي الصحة، أن التقارير الدولية عن الوضع الصحي الجزائري غالبا ما "تحمل مغالطات وتضليلا".
وقال مرابط: "هناك إصلاحات ماضية ومستعجلة، ونعترف بالنقائص، ولكن ليس بالمستوى أو الحدة التي تريد بعض الأطراف استغلالها للتشويه والابتزاز".
** التزام الرئيس
ومقابل محاولات "تشويه" الوضع الصحي بالجزائر، جدد الرئيس تبون، لدى إشرافه على اختتام فعاليات ملتقى تجديد المنظومة الصحية، تأكيد أنها "من أحسن المنظومات في إفريقيا من حيث مجانية العلاج، ووصولها إلى أبعد نقطة في الوطن".
والتزم تبون، بتنفيذ التوصيات المنبثقة عن الملتقى خاصة ما تعلق منها بالجانب المادي لعمال قطاع الصحة، ومسارهم الوظيفي، وذلك قبل نهاية 2022.
وقال: "آن الأوان للتكفل بالمطالب الشرعية للمنتمين للقطاع".
وأوضح أن "إصلاح المنظومة الصحية يكون مرحليا، حسب القدرات المالية للدولة، وبإشراك جميع عمال ومنتسبي القطاع".
ومنذ مباشرته مهامه رئيسا للبلاد، بالتزامن مع ظهور وباء كورونا، وعد الرئيس تبون بتحقيق كل مطالب الأطباء المشروعة، وأقر إجراءات تشجيعية لصالح مستخدمي القطاع الذين يطلق عليهم "الجيش الأبيض".
وأمر تبون، بصرف منح شهرية خاصة بوباء كورونا لفائدة الأطباء، مع رفع نسب التأمين لهم.
ولعل من أقوى قرارته، سنّ قانون خاص لحماية الأطباء من الاعتداءات التي تطولهم أثناء تأديتهم مهامهم، بعقوبات تصل إلى 10 سنوات سجنا نافذا.
** تحد وتفاؤل
ويشكل تنفيذ عشرات التوصيات المنبثقة عن الملتقى، التحدي الأبرز للحكومة وللرئيس تبون تحديدا.
وتمحورت هذه التوصيات حول عصرنة القطاع عن طريق الرقمنة، ورفع الجودة الصحية، والتكوين والارتقاء بالتسيير والصيدلة.
ويعزز التخوف من بقاء ما خلصت إليه ورش الملتقى حبرا على ورق، التأخر الذي تعرفه عملية صرف منحة "كورونا" لفائدة عمال الصحة.
غير أن عضو اللجنة العلمية الجزائرية لمكافحة تفشي فيروس كورونا البروفيسور إلياس أخاموك، يرى إمكانية النهوض بالمنظومة الصحية بناء على تلك التوصيات.
وقال أخاموك، الذي شارك في الملتقى، للأناضول، إن "الاستجابة للمشاكل الموجودة ممكنة جدا".
واستدل بجائحة كورونا، حيث "بدأنا بمخبر واحد لإجراء اختبارات الكشف عن المصابين، الآن نحن بـ 120 مخبرا".
ويرى أخاموك، أن "الملتقى يمكن أن يحمل التغيير الجذري للمنظومة الصحية".
وما يدفع أخاموك للتفاؤل، هذه المرة، "وجود الإرادة السياسية لرئيس الجمهورية الذي لم يتوقف عن دعم الأطباء والقطاع عموما سواء بالرسائل أو القرارات والقوانين".
وقال إن "تحسين نظام التعويضات المالية للأطباء والممرضين مهم جدا، إلى جانب تحسين التكوين والهياكل الصحية".
واعتبر أن استحداث كلية مستقلة للصيدلة قرار "جريء جدا"، ومن المؤشرات التي تدعو للتفاؤل.
وفي السابق كانت الصيدلة تُدرس كتخصص ضمن كليات الطب، قبل أن تستقل عنها في نوفمبر 2021.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.