الدول العربية, التقارير, فلسطين, سوريا

بيد واحدة.. فلسطيني يدير بقالة بمخيم درعا طوال الثورة السورية (تقرير)

ـ اللاجئ الفلسطيني محمد المعتصم يونس يتمتع بشعبية كبيرة في مخيم درعا جنوبي سوريا لأسلوبه الفريد مع الزبائن

ABDULSALAM FAYEZ  | 05.03.2025 - محدث : 05.03.2025
بيد واحدة.. فلسطيني يدير بقالة بمخيم درعا طوال الثورة السورية (تقرير)

Damascus

درعا (سوريا) / عبد السلام فايز / الأناضول

ـ اللاجئ الفلسطيني محمد المعتصم يونس يتمتع بشعبية كبيرة في مخيم درعا جنوبي سوريا لأسلوبه الفريد مع الزبائن
ـ يونس للأناضول: البقالة مصدر رزقي وحافظت عليها رغم القصف والاشتباكات والاقتحامات المتكررة والتوتر الأمني

لا يحتاج من يزور مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين جنوبي سوريا، إلى دليل أو علامة للوصول إلى بقالة "أبو صخر"، فالجميع يعرف مكان مصدر رزق اللاجئ الفلسطيني محمد المعتصم يونس "أبو إياد" (47 عاما).

البقالة اشتهرت باسم "أبو صخر" مع أنها ليست الكنية الحقيقية لصاحبها، ولكنها أطلقت على الفلسطيني "أبو إياد" منذ الصغر وظلت ملازمة له حتى اليوم.

الأناضول زارت البقالة التي تقع على زاوية فاصلة بين عمق المخيم ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، واستطلعت حجم الإقبال عليها وكيفية إدارة "أبو صخر" لبقالته التي تحوي مواد تموينية وغذائية ومستلزمات يومية، إضافة إلى خدمة تعبئة رصيد الجوال والإنترنت.

تبعد البقالة عن منزل صاحبها عشرات الأمتار فقط، ما سهل على "أبو صخر" إدارتها بمساعدة شقيقه وأبنائه الثلاثة الصغار.

** بيد واحدة

تعرض "أبو صخر" لحادث في صغره أدى إلى بتر يده اليمنى، ليكمل ما تبقى من سنين عمره بيد واحدة، يكافح بها متاعب الحياة التي تغلبه أحيانا، ويغلبها أحيانا أخرى.

وفي سن الطفولة أيضا توفي والد "أبو صخر"، وهو ما اعتبره "فقدانا لليد الأخرى"، ما اضطره إلى ولوج سوق العمل مبكرا.

شخصية "أبو صخر" الفريدة وطبيعته الاجتماعية واحتكاكه المتواصل مع الناس، كل ذلك جعله محبوبا لدى جيرانه وأهالي المخيم، كما عُرف عنه مشاركته في المناسبات الاجتماعية من أفراح وأتراح.

هذا الطابع الشعبي انتقل بشكل روتيني إلى بقالته التي يقصدها أهالي المخيم من الفلسطينيين، إلى جانب النازحين السوريين أيضا المقيمين في مخيمهم الملاصق.

** البقالة ظلت مفتوحة رغم القصف

ومع اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، وجراء قرب المخيم من أحياء درعا البلد وطريق السد، انخرط المخيم في تطورات الأحداث المتسارعة حينها، ليلحق به دمار كبير وينزح أهله عنه مرات عديدة.

كما شهد المخيم معارك طاحنة بين الجيش السوري الحر آنذاك، وقوات نظام الأسد البائد، وسلسلة اقتحامات تخللها إحراق منازل، وتدمير محال تجارية.

رغم القصف والاشتباكات مع قوات النظام، ظلت بقالة "أبو صخر" تفتح أبوابها للزبائن، ولم تغلق أبدا، إلا في ساعات معدودات حين يشتد القصف، بحسب صاحبها.

عامل الاستمرارية هذا زاد من شعبية البقالة التي تفتح أبوابها حتى وقت متأخر من الليل، رغم الظروف الأمنية المتوترة.

** البيع من المنزل

بابتسامته المميزة وسط الزبائن، قال أبو صخر للأناضول: "فقداني لذراعي اليمنى ووالدي رحمه الله كانتا خسارتين كبيرتين جدا لي منذ الصغر، ولهذا أخذت على عاتقي مكافحة الحياة وألا أستسلم لها أبدا".

وأضاف: "البقالة مصدر رزقي، ولذلك حافظت عليها وعلى استمراريتها رغم القصف والاشتباكات والاقتحامات المتكررة والظروف الأمنية، ولم أغلقها إلا بشكل مؤقت حينما كانت الأمور تخرج عن السيطرة".

وعن إحدى حالات الإغلاق، قال أبو صخر: "تعرضت البقالة ذات مرة لقصف عنيف أدى إلى أضرار، فنقلت البضاعة إلى المنزل، ومن هناك واصلت البيع، وكان الزبائن يأتون إلي ولم يتغير شيء، إلى أن هدأت الأوضاع ورممت البقالة وواصلت العمل".

** مميزات خاصة

ويمنح "أبو صخر" زبائنه ميزة إضافية، حيث يمكنهم الاتصال به بعد منتصف الليل لشراء حاجة ملحة مثل حفاضات أطفال أو حليب أو طعام ضروري، لينهض من فراشه ويخدم الزبائن دون تذمر.

كما يتعامل مع زبائنه بطريقة ودية جدا، لا سيما الأطفال الصغار الذين يحبونه، وكل من يمر من الحي يلقي السلام على "أبو صخر".

ويعطف أيضا على قطط الحي ويقدم لها الطعام والماء، ويقول إنه خصص "حصّالة نقود" لما يتبقى من عملات معدنية في جيبه آخر النهار، لشراء علبة لحوم يخلطها بخبز وماء ويقدمها للقطط الجائعة في أزقة المخيم.

وعن مستقبل البقالة، قال "أبو صخر" إنه ترك فرصا عديدة سنحت له للسفر إلى أوروبا، لكنه لم يكن متشجعا لذلك، وآثر البقاء في مهنته الحالية التي ارتبطت باسمه وسمعته بين أهالي المخيم.

** أسلوب جميل

محمد الرديف، أحد الزبائن، قال إن "بقالة أبو صخر علم من أعلام المخيم، وصاحبها إنسان ودود يتعامل معنا بأسلوب جميل، ونحن نحبه كثيرا".

وأضاف للأناضول: "أحيانا نضطر ليلا إلى حاجة ما، فلا نتردد بالاتصال مع أبو صخر الذي يلبي حاجتنا دون تذمر".

وإلى جانبه الرديف، تقف امرأة قالت للأناضول: "الجميل في بقالة أبو صخر أنها لم تغلق طوال سنوات الثورة، وتفتح حتى وقت متأخر، وفيها مواد متنوعة، إذ تجد فيها كل ما تحتاجه من مواد يومية".

وأشادت المرأة بطريقة تعامل "أبو صخر" وأسلوبه "الرحماني"، وشعبيته بين أهالي المخيم.

أحد الأطفال قال ببراءة للأناضول: "نأتي لبقالة أبو صخر لأننا نحبه كثيرا ويعطينا قطع حلوى".

الأناضول رافقت "أبو صخر" أيضا إلى منزله القريب، واطلعت على علاقته الودية مع أطفاله؛ فابنه محمود (10 أعوام) حاصل على عدة ميداليات في رياضة الجمباز، وشهادات تقدير.

وفي ختام حديثه، أعرب "أبو صخر" عن سعادته جراء ثقة الزبائن به وإقبالهم على بقالته، كما تمنى أن يعم السلام والأمن والاستقرار في ربوع سوريا، وأن يعود الناس إلى منازلهم ويستعيدون عافيتهم.

وجراء الهجمات التي شنها نظام الأسد دمر عدد من المخيمات المعروفة باسم "عاصمة الشتات الفلسطيني" في سوريا، بينها مخيم درعا، ومخيم اليرموك بالعاصمة دمشق.

كما تعرض اللاجئون الفلسطينيون للتبعات ذاتها التي لحقت بأبناء البلد أنفسهم، من قتل وتهجير واعتقالات وإخفاء قسري، وتدمير منازل وأرزاق، وخسائر أخرى.

وبسطت فصائل سوريا سيطرتها على العاصمة دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث الدموي، و53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.