الدول العربية, التقارير, السعودية, الأردن

العلاقات التركية السعودية.. مرحلة جديدة تعد بالازدهار (مقال)

التقارب سينعكس إيجاباً على المنطقة بدل التناحر الذي استمرّ 10 سنوات دون فائدة

12.07.2022 - محدث : 12.07.2022
العلاقات التركية السعودية.. مرحلة جديدة تعد بالازدهار (مقال)

Istanbul

محمود عثمان / الأناضول

- العلاقات التركية السعودية شهدت بالآونة الأخيرة نشاطاً ملحوظاً مكثفاً
- تبادل الزيارات الرفيعة أسس لمرحلة جديدة من الازدهار بدل الخلافات
- البلدان يتمتعان بمكانة بارزة في مقدمة الدول الشرق أوسطية العربية والإسلامية
- التقارب سينعكس إيجاباً على المنطقة بدل التناحر الذي استمرّ 10 سنوات دون فائدة

كنتيجة طبيعية لسياسات الانفتاح التي تنتهجها كل من أنقرة والرياض، شهدت العلاقات التركية السعودية في الآونة الأخيرة نشاطاً ملحوظاً مكثفاً.

بدأ ذلك باتصال هاتفي بين الرئيس رجب طيب أردوغان والملك سلمان بن عبد العزيز، بحثا خلاله تعزيز العلاقات الثنائية وقضايا مشتركة أخرى، واتفقا على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بينهما.

بعدها بأسبوع، زار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو المملكة وبحث مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، تعزيز العلاقات الثنائية.

وفي 28 أبريل الماضي، وتلبيةً لدعوة من الملك سلمان، قام الرئيس أردوغان بزيارة رسمية للسعودية، التقى خلالها الملك ووليّ العهد محمد بن سلمان.

ثم جرى بعدها اتصال بين الرئيس أردوغان وولي العهد ابن سلمان بحثا فيه العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية.

بعد ذلك بفترة وجيزة، التقى وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي، نظيره السعودي محمد بن عبدالله الجدعان، في مدينة شرم الشيخ بمصر، على هامش مشاركتهما في الاجتماع السنوي لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية، وتم خلال اللقاء بحث تشجيع الاستثمارات إلى أعلى مستوى.

ثم جاءت زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا بعد أقل من شهرين من الزيارة التي قام بها الرئيس أردوغان إلى جدة في 28 أبريل/نيسان، تتويجاً للجهود الدبلوماسية النشطة بين البلدين.

كانت الرياض قد استبقت زيارة ولي العهد محمد بن سلمان، بقرار رفع حظر سفر مواطنيها إلى تركيا، بعد منع سابقٍ مرتبط بجائحة كورونا.

ردّت أنقرة على تحية الرياض باستقبال الرئيس أردوغان وليّ العهد السعودي لدى وصوله أنقرة، ثم جرت مراسم استقبال رسمية له في المجمّع الرئاسيّ التركي.

بدا واضحاً من خلال الاتصالات والزيارات المتبادلة بين قيادة البلدين، حرصهما مجدداً على إرساء قواعد متينة للعلاقات بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.

** الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات

تشكل كلّ من تركيا والسعودية بالإضافة لمصر، الثقل الاستراتيجي الجيوسياسي للعالم الإسلامي عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً.

كما أن تركيا والسعودية بلدان عضوان في مجموعة العشرين، مما ينيط بهما مهمة ومسؤولية قيادة القاطرة التي تقود المنطقة، فضلاً عن المصالح والمنافع المشتركة بينهما.

وتشكل منظومة أمن الخليج العربي، الذي يحتضن ما يقارب ثلثي الاحتياطي العالمي من الطاقة، مسألة وجود مصيرية حساسة بالنسبة للمملكة العربية السعودية.

خصوصا بعد سعي إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ومتابعة إدارة الرئيس الحالي جو بايدن للنهج نفسه، بالحرص على إدخال إيران في منظومة أمن الخليج العربي، وإشغال السعودية بالإرهاب واستنزاف قوّتها وإمكاناتها في الحرب على الساحة اليمنية.

في الجهة المقابلة، تشهد السعودية نهضة اقتصادية مضطردة، من خلال المشاريع العملاقة الطموحة التي أطلقها وليّ العهد، والتي بدأت تستقطب كبريات الشركات الدولية، باستثمارات ضخمة تقدّر بمليارات الدولارات، مما يشكل عامل جذب إضافي يشد اهتمام تركيا، بالإضافة للأسواق الخليجية وخصوصاً السعودية.

كما تشكل تركيا بؤرة جذب للاستثمارات السعودية والخليجية في مجالات عديدة، يأتي في مقدمتها قطاعات الصناعات العسكرية والبناء والسياحة.

ما سبق ذكره من الأسباب والدوافع، من الأهمية الاستراتيجية القصوى، ما يكفي لعودة المياه إلى مجاريها الطبيعية في مسار العلاقات بين البلدين.

وقد أبدى الرئيس أردوغان ثقته بأن العلاقات بين البلدين، ستتطوّر جداً في مختلف المجالات بما في ذلك السياحة.

وصرّح قائلاً: "كما تعلمون هناك تطورات إيجابية للغاية مع منطقة الخليج، وزيارتي إلى السعودية مؤخراً ستشكل مخرجاً مهماً في هذا الإطار، وأنا واثق أن زيارات أشقائنا السعوديين إلى تركيا ستزداد بشكل أكبر".

وأضاف: "العلاقات السعودية التركية سترتقي إلى مستوى متميز جداً في بقية المجالات كافة أيضاً، لقد تناولنا هذا الأمر خلال المحادثات الثنائية مع محمد بن سلمان".

وأكد أردوغان حرص تركيا على أمن واستقرار منطقة الخليج قائلاً: "نؤكد في كل مناسبة أننا نولي أهميةً لاستقرار وأمن أشقائنا في منطقة الخليج، مثلما نولي أهميةً لاستقرارنا وأمننا".

ومضى قائلاً: "نؤكد أننا ضد جميع أنواع الإرهاب، ونولي أهمية كبيرة للتعاون مع دول منطقتنا ضد الإرهاب".

وأردف: "نحن كدولتين شقيقتين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية وإنسانية، نبذل جهوداً حثيثة من أجل تعزيز جميع أنواع العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبدء حقبة جديدة بيننا".

وأعرب أردوغان عن ثقته بأن زيادة التعاون بين البلدين في مجالات مثل الصحة والطاقة والأمن الغذائي وتكنولوجيا الزراعة والصناعات الدفاعية والتمويل، ستصبّ في مصلحتهما المشتركة.

وتابع :"نرى أن لدينا إمكانات جادة في مجالات تكنولوجيا الطاقة المتجددة والنظيفة".

** هل يؤدي التقارب إلى بناء تحالف إقليمي جديد

من الواضح أن دول المنطقة قرأت جيداً التحولات الذي طرأت على الاستراتيجية الأمريكية عقب تولّي الرئيس بايدن مقاليد السلطة، مما دفع القوى الإقليمية الفاعلة نحو إنهاء خلافاتها والبحث عن طرق للتفاهم حول كيفية إدارة الوضع الإقليمي في مرحلة ما بعد تراجع الدور الأمريكي.

هذا بالإضافة إلى أن حاجة السعودية والإمارات إلى البحث عن بدائل أخرى لتلبية احتياجاتها الأمنية، تدفعها إلى الاهتمام بصناعات الدفاع التركية الصاعدة التي أظهرت كفاءة كبيرة في تغيير مسار صراعات عديدة، كسوريا وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا مؤخراً.

في الإطار ذاته، تأتي مساعي أنقرة لطيّ صفحة الخلاف مع الرياض، ضمن إطار جهود إقليمية واسعة دشّنتها في الفترة الأخيرة لتحسين علاقتها مع عدد من دول المنطقة، على رأسها مصر والإمارات وإسرائيل، بدءاً من التحوّل في السياسة الخارجية نحو الإقليم إلى إنهاء الأزمة الخليجية مروراً بالمصالحة التركية الإماراتية والمفاوضات التركية المصرية.

جاء ذلك بعد أن أدركت جميع الأطراف أن التنافس بينها على مدى عشر سنوات، لم يؤدّ إلى تغييرٍ جوهريّ في الوضع الإقليمي لصالح أي منها، بقدر ما شكّل استنزافاً لفرص التعاون بينها لمعالجة الأزمات الإقليمية التي أثّرت بشكلٍ سلبيّ على مصالحها، وخلق فراغاً استراتيجياً نجحت إيران في ملئه وتعزيز دورها الإقليمي بطريقة باتت تشكل مصدر خطر يهدد دول الخليج العربيّ، ووحدة أراضي المملكة العربية السعودية خصوصا.

خلاصة القول، شكلت الاتصالات والزيارات المتبادلة على أعلى المستويات بين السعودية وتركيا، نقطة انطلاق نحو مرحلة أكثر استقراراً في منطقة الشرق الأوسط، وتجنيبها التدخلات الخارجية من خلال التعاون الاستراتيجي سياسياً واقتصادياً.

يرجع السبب في ذلك إلى كون المملكة دولةً محورية في المنطقة، فهي راعية الحرمين الشريفين ولها ثقلها السياسي والاقتصاديّ في المشهد الدولي، إضافة إلى ثقلها في العالمين العربي والإسلامي.

كذلك الحال بالنسبة لتركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، والقوة الإقليمية الصاعدة، وثقلها الاستراتيجي في السياسة الدولية.

ومن شأن اللقاء التاريخيّ الذي جمع الرئيس التركي مع ولي العهد السعودي، أن يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها التعاون بين الدولتين المحوريّتين، وأن تنعكس نتائجه المثمرة على المستويات والصعد كافة، بما يعزّز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويقوّي عرى علاقات التنسيق والتعاون بين بلدانها، بما يعود على شعوبها بالنماء والرفاهية والرخاء.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın