اقتصاد, الدول العربية, التقارير

"مقياس النيل" بالقاهرة.. بالخير يفيض ماءً وضرائب (تقرير مصور)

مبنى أثري بُني في العصر العباسي، لتحديد قيمة الضرائب من خلال التنبؤ بمواسم الفيضان والجفاف

08.05.2019 - محدث : 08.05.2019
"مقياس النيل" بالقاهرة.. بالخير يفيض ماءً وضرائب (تقرير مصور)

Al Qahirah

القاهرة / ربيع أبو زامل / الأناضول

تعلو الأمواج نيل القاهرة، فيستبشر المصريون خيرا، كونها دليل الحصاد الوفير، ومسار استرشادي لتحديد نوع المحصول الذي سيزرعه الفلاحون، وبالتالي تحديد قيمة الضرائب، ولما لا والزراعة كانت محور حياتهم قديما.

فكرة قياس منسوب مياه النيل وتحديد الضرائب بناء عليها، رعاها أحد حكام مصر، قبل أكثر من ألف و150 عاما، لجعل النيل كما يفيض بالخير على كل مصري، يفيض أموالا أيضًا على الدولة.

ذلك الابتكار سُمي بـ"مقياس النيل"، ومكانه جزيرة الروضة، وسط القاهرة، وشُيّد بناءً على تكليف من الخلفية العباسي "المتوكل" عام 862 ميلادية.

ويعد المقياس أقدم نموذج للعمارة والسدود المائية في مصر الإسلامية، وثاني أقدم أثر إسلامي يحتفظ بخصوصيته بالبلاد بعد مسجد عمرو بن العاص.

**في وصف المقياس

وفق مشاهدات وحديث مسؤول أثري للأناضول، فإن المقياس عبارة عن بئر مساحتها تزيد عن 6 أمتار مربعة تقريبا، تم حفرها على 3 مستويات تمثل قاع البئر الذي يوازي ويجاور قاع النيل، ثم مستويين يتوسعان إلى أعلى، وحول جدرانها من الداخل سلم حلزوني.

يتصل بالمقياس 3 قنوات تجري بالقرب من القاع، ومن خلالها تمر مياه النيل لتغمر البئر، في شكل دوامة مائية لتخفيف الضغط على الجدران الحجرية وعامود المقياس.

وعامود المقياس حجر رخامي مدرج ومثمن الأضلاع، يتوسط البئر، وبُني على قاعدة من الجرانيت أسفل منها قاعدة من خشب الجميز (لا يتأثر بالمياه) كي يتحمل ضغط المياه وضغط الحمل الصخري نفسه.

وعلى جدران المقياس، نُقشت كتابات بالخط الكوفي (أحد الخطوط العربية القديمة) وتعد الأولى ظهورًا بمصر، وكلها آيات قرآنية لها علاقة بالمياه ونزول المطر، من بينها آية "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون".

ويزدان محيط المقياس من أعلى بزخارف خشبية تعلوها قبة مشيدة في القرن الـ19، تشبه المآذن العثمانية الشهيرة.

تاريخ المقياس وثقه كتاب "وصف مصر"، الذي يتضمن الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية (1798 ـ 1801م).

ويرصد الكتاب قيام الحملة، بتنظيف بئر المقياس من الطمي المتراكم في قاعه، وتشييد مهندسي الحملة دعامة خشبية كبيرة أعلى عاموده، للحفاظ عليه وتثبيت توازنه بعد تعرضه لميل نتيجة زلزال وقتها.

**أغراض المقياس

كان الغرض من بناء المقياس، تحديد قيمة الضرائب على الشعب المصري من خلال قياس فيضان النيل ومن ثم معرفة نوعية المحاصيل التي سوف تزرع وتقدير رسوم الضرائب عليها.

والعامود مقسم لدرجات يتم من خلالها التنبؤ بالفيضان أو الجفاف، بطول 19 ذراعًا (الذراع وحدة قياس تساوي 52 سم).

فإذا كان ارتفاع مياه النيل 16 ذراعًا، يعد ذلك بشرى بوفاء النيل وكفاية الضرائب التي ستفرض على المزارعين بسد احتياجات الدولة.

أما إذا كان ارتفاع مياه النيل أقل من 16 ذراعًا، كان علامة على قدوم الجفاف، ومن ثم أخذ الاحتياطات اللازمة، فيما إذا كان الارتفاع أكثر من 16 ذراعًا، دل ذلك على قدوم فيضان.

لكنَّ ذلك الدور اندثر مع بناء "السد العالي" جنوبي مصر، في ستينيات القرن الماضي، الذي حجز الفيضانات عن الأراضي المصرية.

واشتهرت مصر القديمة، بنوعين من المقاييس، أحدهما متحرك، يصنع غالبًا من أعواد القصب التي يتم تقسيمها بعلامات تبين منسوب ارتفاع النيل.

والثاني، حجري يوضع على أحد ضفتي النيل، ومن أبرزها المقياس الخاص بمعبد جزيرة فيلة بمحافظة أسوان (جنوبي البلاد).

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın