عائلة المسعف القتيل برفح: كان سباقا للخير ويتصدق على الفقراء من مرتب قليل (تقرير)
في لحظاته الأخيرة، وثق المسعف المتطوع في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رفعت رضوان بهاتفه المحمول لقطات شكلت شهادة دامغة على واحدة من أبشع المجازر الدموية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الطواقم الإنسانية في قطاع غزة

Gazze
غزة/ الأناضول
**والدته "أم محمد" قالت للأناضول:- تعرضت للانهيار حينما عرفت أنه من بين الشهداء
- كان يتطوع مع الهلال الأحمر ويتقاضى راتبا رمزيا يتصدق منه على الفقراء
**والده "أنور" للأناضول:
- توقعنا في أسوأ الأحوال اعتقالهم لا إعدامهم
- كان رفعت يطمح باستكمال تعليمه لا أن يموت غدرا
- الفيديو كشف تداعيات المجزرة للعالم
في لحظاته الأخيرة، وثق المسعف المتطوع في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رفعت رضوان بهاتفه المحمول لقطات شكلت شهادة دامغة على واحدة من أبشع المجازر الدموية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الطواقم الإنسانية في قطاع غزة على مدار حرب إبادته الجماعية.
هذا التوثيق ودع فيه رضوان عمله الإنساني التطوعي الذي لم يتقاض مقابله إلا أجرا رمزيا ساهم في إعالة أسرته ومساعدة الفقراء في الكثير من الأحيان، وفق قول والدته "أم محمد" للأناضول.
وعلى مدار أشهر الإبادة لم يتردد رضوان في تلبية نداءات الإغاثة بإنقاذ وانتشال ضحايا الجرائم الإسرائيلية بغزة رغم المخاطر التي تعترض هذا الطريق الإنساني.
وفي 23 مارس/ آذار الماضي قتلت القوات الإسرائيلية فريقا مؤلفا من 9 عناصر إسعاف بينهم رضوان و5 من الدفاع المدني وموظف تابع لإحدى الوكالات الأممية، عندما استجاب لنداءات استغاثة من مدنيين محاصرين في حي تل السلطان برفح.
وفي 27 و30 مارس، أعلنت السلطات في غزة العثور على جثامين 15 من أعضاء فريق الإسعاف والإطفاء مدفونة في مقبرة جماعية بمنطقة تبعد نحو 200 متر عن موقع توقف مركباتهم التي دمرتها إسرائيل.
**توثيق المجزرة
بدأ رضوان يوم 23 مارس الماضي، بدوام في الفترة الصباحية امتد حتى ساعات الليل حينما اشتد التصعيد الإسرائيلي من قصف وإطلاق للنيران خاصة غرب مدينة رفح حيث بدأ الجيش آنذاك عملية برية في المنطقة.
مع تصاعد هذه الأحداث، رجحت الفلسطينية "أم محمد" أن يمر على نجلها "رفعت" يوم مرهق في ظل ارتفاع أعداد الإصابات والقتلى آنذاك.
ومع تزاحم الجرائم، هرع رضوان بلا تردد لإنقاذ زملاء له استهدفهم الجيش الإسرائيلي غرب رفح ولم يعرف مصيرهم آنذاك، وفق قول والدته.
ومع وصوله إلى منطقة الاستهداف، وثق رضوان بعدسة هاتفه المجزرة الإسرائيلية بحقهم والتي تحولت إلى شهادة دامغة لتعمد الجيش قتل الطاقم بشكل مباشر.
المقطع البالغة مدته 6 دقائق و42 ثانية، نشرته الجمعية السبت، وحصلت عليه من هاتف المسعف رضوان بعد انتشال جثمانه من المقبرة الجماعية.
وخلال المقطع، سمع دوي إطلاق وابل من الرصاص صوب الطواقم الطبية والدفاع المدني لمدة تزيد على 5 دقائق وسط صراخ بعضهم وطلب المساعدة فيما كان عدد منهم ينطق فقط بالشهادة.
كما كشف المقطع أن العديد من طواقم الإسعاف والدفاع المدني وصل إليهم الجيش الإسرائيلي وهم أحياء، ما يعني أنه أعدمهم في إصرار على ارتكابه لهذه الجريمة المروعة.
وكذّب الفيديو مزاعم إسرائيل بشأن استهداف هذه الطواقم وأظهر أن مركبات الإسعاف التي استهدفها الجيش كانت مزودة بكامل الإشارات الضوئية الخاصة بها، فيما كان مسعفوها يرتدون الزي الرسمي المضيء والمعتمد أثناء المهام الطارئة.
**المهمة الإنسانية الأخيرة
لم تتوقع "أم محمد" أن يخرج نجلها المسعف "رفعت" يوم 23 مارس لأداء واجبه الإنساني دون وداعهما المعتاد، وبلا عودة أخيرة إلى منزله وعائلته.
فقد اعتقدت كما هو الحال في مناوبة كل يوم أن يعود منهكا بثياب ملطخة بدماء القتلى والجرحى فيما تحاول طمأنته والتخفيف عنه.
لكن وبعد انتهاء مناوبته، انتظرت "أم محمد" عودة رفعت بفارغ الصبر بعدما تأخر عن موعده المعتاد حيث بدأ قلبها يرتجف خوفا آنذاك وكـأنها تشعر بوجود خطب ما.
هرعت إلى والده لإبلاغه بالتأخر، ليبدأ الأخير بعد مرور نصف ساعة بالتواصل مع الجمعية التي أبلغته بأن طاقمها تعرض لهجوم إسرائيلي غرب رفح فيما انقطع الاتصال بهم.
**مصير مجهول
بعد انتظار أي خبر عن نجلهم لأكثر من أسبوع، أبلغت الجمعية العائلة أنه تم التنسيق من قبل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" لدخول المنطقة للبحث عن المسعفين وطواقم الدفاع المدني.
استبشرت العائلة خيرا، فيما توقع "أنور" والد رفعت أن يتعرض الطاقم في أسوأ الأحوال للاعتقال من قوات الجيش الإسرائيلي، مستبعدا السيناريو الوحشي الذي تعرضوا له.
وعن بدء البحث غرب رفح، قالت "أم محمد": "أول يوم العيد، الصبح أبلغونا بوجود تنسيق للدخول إلى المنطقة وانتشال الحالات (القتلى)".
وأشارت إلى أنهم واجهوا صعوبة في التواصل لمعرفة حيثيات البحث والاطمئنان على نجلهم لعدم توفر هواتف أو شبكة انترنت.
ولفتت إلى أن زوجها كان يحصل على الأخبار بين الفينة والأخرى عبر التواصل مع الطواقم التي دخلت للبحث من مكان قريب من المنزل.
وأضافت: "في البداية قال المسعفون إنهم أخرجوا جثتين، ومن ثم أربعة، ومن ثم ستة، وهنا أنا انهرت تماما حينما أبلغوني أن رفعت معهم".
** "عاد أشلاء"
مع هول الصدمة، هرعت العائلة إلى المستشفى لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على المسعف رفعت.
فقد كان قلب والدته من شدة شوقها معلقا عند لحظة الوداع التي ستحظى فيها بالنظر لملامح وجهه للمرة الأخيرة.
لكنها حرمت أيضا من ذلك حيث أبلغتها الطواقم الطبية أن الشهداء عبارة عن "أشلاء" بلا معالم، في حين أن بعض الجثث متحللة.
وقالت والدته وهي تذرف الدموع: "ليتني استطعت رؤيته قبل مغادرته إلى المهمة الأخيرة لإنقاذ زملائه الذين قصفهم الجيش".
وأوضحت أن نجلها رفعت، وهو خريج دبلوم "فني إسعاف وطوارئ"، يتقاضى مبلغا رمزيا مقابل عمله التطوعي ورغم قلته إلا أنه ساهم في إعالة عائلته وتصدق منه على الفقراء، وفق قولها.
وقبل مقتله بيوم، جلس رفعت بجانب والدته وقال لها: "هكذا أنا أنهيت ما يقع على عاتقي، وزرت الأرحام"، وكأنه يعلم أنه على موعد مع نهاية الحياة، كما روت والدته.
** الإعدام.. "غير متوقع"
بدوره، يقول والده "أنور"، إنه كان يستبعد أن يعدم الجيش الإسرائيلي الطواقم الإنسانية برفح، حيث كان يتوقع أن يتعرضوا في أسوأ الأحوال للاعتقال.
وتابع: "الطواقم كانت مكشوفة لكل العالم، ابني مسعف ويرتدي زي الإسعاف ومركبات الإسعاف موجودة".
وأعرب رضوان عن شعوره بالفخر لعمل نجله في المجال الإنساني لإنقاذ الضحايا رغم ما تعرض له من هجوم تسبب بمقتله.
وأشار إلى أن المقطع الذي سجله رضوان عبر هاتفه كشف عن تداعيات الهجوم وفضح إسرائيل أمام العالم.
واستذكر رضوان أهم المواقف التي مر بها نجله رفعت في أيامه الأخيرة، لافتا أنه عاد في إحدى المرات من عمله ونام مباشرة بملابسه الملطخة بالدماء دون تبديلها من شدة الإرهاق.
وأضاف أنه قبل مقتله بيوم، طلب من والدته ليلا تجهيز قميصه "الأبيض" من أجل ارتدائه في العمل بعدما تلطخ الرداء الذي عمل به نهارا.
وعن طموحه في الحياة، ختم الوالد قوله عن نجله رفعت إنه كان يحلم باستكمال تعليمه لا أن يموت "غدرا".
والسبت، اعترف الجيش الإسرائيلي، بجريمة إعدامه مسعفين وعناصر دفاع مدني فلسطينيين في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة. في واقعة أثارت استنكار دوليا واسعا، متراجعا بذلك عن روايته الأولى بعد فيديو صادم التقطه أحد المسعفين بهاتفه الخليوي قبل مقتله.
وفي 31 مارس/ آذار الماضي، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا زعم فيه أن قواته لم تهاجم مركبات الإسعاف والإطفاء "عشوائيا"، بل فتحت النار تجاه "سيارات اقتربت بطريقة مريبة دون تشغيل أضواء الطوارئ".
كما زعم أن العملية أسفرت عن مقتل عنصر من الجناح العسكري لحماس و8 عناصر آخرين من حماس والجهاد الإسلامي.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 166 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وتشهد غزة هذا التصعيد العسكري المتواصل من قبل الجيش الإسرائيلي، وسط تدهور تام في الوضع الإنساني والصحي مع فرض تل أبيب حصارا مطبقا عليها، متجاهلة كافة المناشدات الدولية لرفعه.