دولي, الدول العربية, التقارير, فلسطين, إسرائيل, قطاع غزة

صحفيو الأناضول على جبهة الجوع يروون الحقيقة بغزة المُثخنة (تقرير)

وبرغم أجسادهم المنهكة وأمعائهم الخاوية، يواصل صحفيو غزة، مواجهة آلة الحرب والتجويع الإسرائيلية.

Mohamed Majed, Jomaa Younis  | 24.07.2025 - محدث : 24.07.2025
صحفيو الأناضول على جبهة الجوع يروون الحقيقة بغزة المُثخنة (تقرير)

Gazze

غزة/ محمد ماجد، جمعة يونس/ الأناضول

ـ رغم المجاعة والدمار والنزوح يواصل صحفيو الأناضول أداء رسالتهم تحت نيران الحرب الإسرائيلية، حاملين الكاميرات بدل الطعام لنقل معاناة شعب يُجوَّع عمدًا ويُدفن صوته مع كل صاروخ
ـ الصحفي حسني نديم الذي فقد 27 كلغ من وزنه للأناضول: المعاناة لا تقتصر على انعدام الغذاء بل على غياب القدرة الشرائية تماما
ـ الصحفي هاني الشاعر للأناضول: فقدت أكثر من 10 كيلوغرامات من وزني ونزحت أكثر من 10 مرات
ـ الصحفية دعاء الباز للأناضول: نحن لسنا جوعى نحن نُجَوَّع. ما كنا هكذا أبدا
ـ المصور أنس فتيحة للأناضول: أجسادنا تحوّلت إلى هياكل عظمية

بينما تتآكل أجسادهم التي فقدت أوزانها جراء سياسة التجويع الإسرائيلية، يواصل صحفيون متعاونون مع وكالة الأناضول في قطاع غزة، أداء رسالتهم المهنية، بنقل معاناة الفلسطينيين الذين يواجهون حرب إبادة إسرائيلية بدعم أمريكي منذ أكثر من 21 شهرا.

وبرغم أجسادهم المنهكة وأمعائهم الخاوية، يواصل صحفيو غزة، مواجهة آلة الحرب والتجويع الإسرائيلية.

حيث باتت لقمة الخبز نادرة، وتحولت جرعة الماء إلى حلم، ومع ذلك لم تنكسر إرادتهم، بل واصلوا أداء رسالتهم في نقل الحقيقة من تحت الأنقاض، وعلى وقع نبضات أنين المجوعين.

كغيرهم من أبناء غزة، يبدأ صحفيو الأناضول، يومهم منذ ساعات الصباح الباكر في رحلة شاقة بحثا عن رغيف خبز وعبوة ماء، ليتمكنوا من مواصلة عملهم المهني وسط كارثة إنسانية متفاقمة خلفتها الإبادة الإسرائيلية.

وبينما يحاول هؤلاء الصحفيون الصمود في وجه المجاعة، أطلقت الأناضول، نداءً لإنقاذ الصحفيين في قطاع غزة من براثن سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل في حق الفلسطينيين هناك.

ولفتت إلى أن الصحفيين المحصورين في هذه المنطقة التي تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى جعلها محرومة من كل شيء، يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة ويؤدون في الوقت ذاته واجباتهم.

ـ رحلة البحث عن طعام

في مدينة غزة، يبدو الإرهاق مرسومًا على ملامح الصحفي المتعاون مع الأناضول حسني نديم، الذي فقد 27 كيلوغرام من وزنه نتيجة الجوع المستمر، حتى بدا هزيلاً منهكًا، لم يعد بحاجة لأن يشرح ما يعيشه، فملامحه باتت أبلغ من أي كلام.

بصوت تختلط فيه المهنة بالمعاناة، يقول نديم: "أعيش مجاعة في غزة مستمرة منذ فترة طويلة.. المجاعة تتفاقم بشكل مؤلم للغاية، خاصة حين نفتقد أبسط مقومات الحياة، وفي مقدمتها الدقيق".

من شدة المعاناة، بات نديم، يتنقل بين الأسواق لا للبحث عن قصة صحفية، بل للبحث عن لقمة عيش لأطفاله.

ويصف الأيام الماضية بأنها كانت "رحلة بحث مرهقة عن الطعام"، مضيفًا: "نضطر للبحث في أماكن عدة، وإن وجدنا شيئًا فنشتريه بأسعار باهظة".

ويعجز نديم، كثيرًا عن التغطية، لانشغاله بتأمين لقمة عيش، فيقول: "أصبحنا جزءًا من الحدث".

"في كثير من الأوقات لا نستطيع مواكبة الحدث، لأننا منشغلون بالبحث عن الطعام... الصحفي هنا لا ينقل الحدث فحسب، بل أصبح هو ذاته جزءًا من الحدث"، هكذا يصف الوضع الحالي للصحفيين.

أثناء تجواله في السوق، اشترى حسني 40 غرامًا فقط من السكر مقابل 20 شيكل (نحو 6 دولارات)، وبكل أسى يقول: "هذه الكمية لا تكفي إلا لكوبين من الشاي".

ويضيف: "في ظل المجاعة، حين يتوفر القليل من المواد الغذائية في السوق، لا نجد قدرة على شرائها، لا لأننا لا نريد، بل لأن الأسعار أكبر من قدرة الناس".

وعاودت أزمة المجاعة الظهور بشكل تدريجي في كافة أنحاء قطاع غزة مع سيطرة إسرائيل على معبر رفح وتدميره في مايو/أيار 2024، بينما تصاعدت مؤشراتها مع إغلاق تل أبيب لكافة معابر القطاع أمام المساعدات في مارس الماضي."

ويحاول نديم بكل ما تبقى لديه من قوة، إنقاذ أطفاله من شبح الجوع. يتنقل بين المحال والأسواق الخالية تقريبًا، يبحث عن ما يسد رمق صغاره.

وفي السوق، عثر على علبة صغيرة من المكملات الغذائية، بالكاد تحتوي ما يعين الطفل على الاستمرار، لكنه اشتراها بـ1.5 دولار، رغم ثمنها المرتفع.

كان يعلم أنها لا تكفي، لكنها كل ما استطاع تأمينه في ظل انعدام البروتينات وغياب أي نوع من الغذاء المتوازن.

كانت هذه العلبة، رغم بساطتها، بمثابة شريان حياة لأطفاله وسط المجاعة.

"لكن كثيرًا من الأهالي هنا لا يستطيعون شراءها أصلًا، فالمعاناة لا تقتصر على انعدام الغذاء، بل على غياب القدرة الشرائية تمامًا"، هكذا مضى في وصف المعاناة.

ويؤكد أنه يعيش مثل باقي الفلسطينيين قائلا: "نعاني الجوع والبرد والخوف. لكننا أيضًا مستهدفون بشكل خاص".

وحذر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، الأحد الماضي، من أن القطاع أصبح على أعتاب الموت الجماعي، بعد أكثر من 140 يوما من إغلاق المعابر، في ظل تدهور غير مسبوق في الأوضاع الصحية والمعيشية".

ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وقد خلفت هذه الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 203 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.

ـ الجوع والنزوح

وسط المجاعة والنزوح، يعيش الصحفي المتعاون مع الأناضول هاني الشاعر، داخل خيمة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. هناك، يواجه الجوع والنزوح والإنهاك، تمامًا كما يفعل كل فلسطيني في القطاع.

ورغم كل الظروف، لا يزال الشاعر يحمل كاميرته ويجول بين المجازر، متنقلاً من مأساة إلى أخرى، موثقًا بالصوت والصورة فصول الإبادة الجماعية التي تطال أكثر من مليوني إنسان.

من شدة الجوع والحر، فقد الشاعر أكثر من 10 كيلوغرامات من وزنه، وتعرض للنزوح أكثر من 10 مرات. ورغم كل ذلك، لم يغادر الميدان.

وتفاقمت أزمة المجاعة في غزة جراء الحصار الإسرائيلي الخانق، بارتفاع حصيلة وفيات الجوع وسوء التغذية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 113 فلسطينيا، بينهم 81 طفلا، وفق وزارة الصحة بغزة في وقت سابق الخميس.

ويخوض الشاعر، يوميا معركة البقاء، باحثا عن القليل من الماء والطعام له ولأسرته، في ظل انهيار صحي وإنساني شامل.

وقال الشاعر، الذي لم ينقطع عن التغطية الميدانية للأناضول: "الحرب لم تقتصر على القصف والقتل، بل استخدمت إسرائيل التجويع كسلاح يفتك بالفلسطينيين، ما أدى إلى وفاة أكثر من 100 فلسطيني جراء سوء التغذية".

وأضاف: "أبحث أنا وزملائي عن رغيف خبز. الأسواق كانت عامرة بالسلع، اليوم بالكاد نجد القليل من الخضار، ومع ذلك تباع بأسعار باهظة، يتجاوز سعر الكيلو 10 دولارات، والأصناف رديئة، والدقيق يكاد يكون معدوما.

وأكد الشاعر، أن الحصول على عبوة مياه أو رغيف خبز "قد يستغرق ساعات أو حتى أياما".

وتابع: "إذا كنا محظوظين، نتناول رغيف خبز واحد في اليوم، وهناك أيام تمر لم نأكل فيها شيئا، وهذا يعكس حجم الواقع الصعب".

ويصف الشاعر، المشهد القاتم فيقول: "الناس منهكة، تعيش في خيام يسكنها الحرمان والبؤس، الذي خلقته إسرائيل بسياساتها".

وأضاف: "نحن كصحفيين نواجه العذاب ذاته، إسرائيل لا تكتفي بالقتل والتهجير القسري، بل تمارس سياسة تجويع وتدمير ممنهج لكل مقومات البقاء، حتى المنتج المحلي لم يعد متاحًا".

والأربعاء، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، ارتفاع عدد القتلى الصحفيين في القطاع إلى 231 صحفيا بنيران إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ـ زوايا الخطر

وفي خان يونس جنوبي القطاع، تخوض الصحفية المتعاونة مع الأناضول دعاء الباز، مغامرة ميدانية محفوفة بالخطر، تتنقل بحذر بين أطلال المنازل ومخلفات القصف، توثق المأساة بعدستها، وتلتقط أنفاسها في كل زاوية من زوايا الخطر.

وما إن تنظر إلى ملامحها، تقرأ آثار المجاعة في وجهها الشاحب وعيونها الغائرة التي أنهكها السهر والجوع.

جسدها النحيل يشهد على وهن متراكم، ووجبة يوميا لا تتجاوز نصف رغيف من الخبز فارغ وحبة من خيار إن توفر.

بصوت خافت تقول دعاء، للأناضول: "نحن لسنا جوعى، نحن نُجَوَّع. ما كنا هكذا، كنا نعيش بأمان، لكن الحرب حرمتنا كل شيء، حتى الطعام".

وفي زاوية أحد المنازل المدمرة، تجلس دعاء، لتتناول وجبتها اليومية (نصف رغيف وحبة من الخيار) وتشرب قليلًا من الماء.

تستعرض صور اليوم الطويل الذي أمضته في التصوير الميداني، تحاول انتقاء ما يمكن أن ترسله للعالم، رغم ضعف الإنترنت وانقطاع الاتصالات.

"هاتفي هو سلاحي الوحيد"، تقول وهي تتابع عملها بصمت وقلق.

ومنذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، لا تتمكن دعاء، من رؤية أسرتها المقيمة في المنطقة الوسطى سوى مرة واحدة في الشهر.

تقول: "أنا في الجنوب منذ بداية الحرب، وعائلتي في الوسطى. لا أقدر على التواصل معهم يوميًا، بسبب تردي خدمات الإنترنت وانقطاع الاتصالات".

وتضيف: "أعيش شعور الانفصال رغم أنني لا أزال على أرض الوطن".

ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تهربت إسرائيل من تنفيذ اتفاق مع حركة حماس لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، وأغلقت معابر غزة أمام شاحنات مساعدات مكدسة على الحدود، ما فاقم المأساة الإنسانية.

وتحكي دعاء، عن رحلتها الأخيرة إلى منطقة دوار التحلية شرق مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وتقول إنها اضطرت للذهاب إلى مناطق خطرة جداً لتحاول الحصول على كيس من الدقيق لعائلتها، لكنها عادت بـ"خفي حنين".

وتصف الحال: "رأيت آلاف الأشخاص يبحثون عن الطعام، وجوههم بيضاء شاحبة، وآثار الدماء بكل مكان. للأسف، عدت من هناك فارغة اليدين".

وتستنكر دعاء، كيف أصبحت لقمة العيش مغمسة بالدماء، وتقول: "لا أستطيع الجمع بين العمل والبحث عن الطعام، وكأننا نُعاقب مرتين".

وتشير إلى الغلاء الفاحش في بعض ما تبقى من مواد غذائية وخضراوات، إضافة إلى معاناة "نقص السيولة" و"العملة المهترئة".

وتصف الحرب الحالية بأنها "الأقسى" في تاريخ القضية الفلسطينية، متمنية هدنة إنسانية لإطعام الأطفال خاصة، الذين لا يقوون على الجوع.

ـ هياكل عظمية

وفي حديث مؤلم، قال المصوّر المتعاون مع الأناضول أنس فتيحة، إن المجاعة في غزة لم تعد مجرد قصة تروى بعدسة الكاميرا، بل أصبحت واقعًا يعيشه بكل تفاصيله.

وأضاف أنس، للأناضول: "ما كنت أتخيل في يوم من الأيام أني أوثق معاناة الناس من الجوع، وأنا نفسي أعاني. طفل يطلب رغيف خبز، وأنا كصحفي عاجز عن توفيره لعائلتي. صرنا نطلب الخبز مثل باقي الناس".

وتابع: "أجسادنا تحوّلت إلى هياكل عظمية. من 20 يوم نعيش على شوربات البرغل والعدس".

وأكد أنس، أن حياة الصحفيين في غزة لا تختلف عن أي مدني آخر، بل ربما أصعب أحيانًا.

وقال: "أنا مثل الناس، لا أملك شيئا مختلفا. نعيش نفس الجوع، نفس الحرمان".

وتمنى أنس، أن تنتهي الحرب وهذه المعاناة المستمرة منذ أكثر من 21 شهرا.

وحذرت منظمات أممية، من بينها برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، من أن استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع المساعدات ينذر بحدوث وفيات جماعية وشيكة في صفوف الأطفال، في ظل انهيار المنظومة الطبية وانعدام الأمن الغذائي.

وارتفع إجمالي القتلى الفلسطينيين عند نقاط المساعدات ممن وصلوا المستشفيات إلى 1083 قتيلا وأكثر من 7 آلاف و275 إصابة، وفق وزارة الصحة بغزة الخميس.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.