الفلسطينية وهيبة شبات.. بحثت عن نجلها عامين ووجدته جثة معذبة (تقرير)
طيلة عامين من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بقطاع غزة، ظلت الأم الفلسطينية وهيبة شبات تبحث عن نجلها محمود المفقود منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
Gazze
غزة/ الأناضول
وهيبة شبات للأناضول:- وصلتنا أنباء أن محمود أسير في سجون إسرائيل وانتظرنا وقف إطلاق النار لكن لم أجده بين الأسرى المحررين
- عثرت عليه في صورة تحمل رقم 25 في موقع وزارة الصحة للتعرف على الجثامين مجهولة الهوية
- إسرائيل أعدمته حيث وجدنا رباطا حول عنقه. كان متجمدا ومصابا بكسور في فكه وأضلاعه وجروح في قدميه
طيلة عامين من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بقطاع غزة، ظلت الأم الفلسطينية وهيبة شبات تبحث عن نجلها محمود المفقود منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ومع بدء وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الماضي، بحثت عنه بين الأسرى المحررين والمركبات القادمة من إسرائيل محملة بجثامين 270 أسيرا فلسطينيا مجهولي الهوية.
عاشت شبات العامين على أمل أن تجد محمود (34 عاما) حيا، بعدما أُبلغت في إحدى المرات أنه معتقل داخل سجون إسرائيل.
لكن أملها انكسر حينما شاهدت صور جثامين أعادتها إسرائيل مؤخرا إلى غزة، عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
الأم عرفت من بينها محمود، كان جسدا متجمدا بملامح وجه غير واضحة، معصوب العينيين، ومقيد اليدين والقدمين، وتغطي الجروح والكدمات أنحاء جسده؛ جراء التعذيب.
واستلمت الجهات المختصة في غزة ما لا يقل عن 270 جثمانا مجهولي الهوية، تم التعرف على 78 منهم فقط، فيما تواصل الطواقم الطبية عمليات فحص وتوثيق وتسليم الجثامين لذويها.
** أين محمود؟
مع بدء حرب الإبادة الجماعية، فقدت شبات آثار نجلها محمود، ولم تعرف إذا ما كان بين الضحايا أو بين مَن أسرتهم إسرائيل.
وخلال العامين، طرقت الأبواب كافة متنقلة من مكان إلى آخر، رغم خطورة الأوضاع الميدانية، حاملة سؤلا واحد: "أين محمود؟ وما مصيره؟".
وتابعت للأناضول: "طيلة فترة الحرب، كان لدينا أمل أنه على قيد الحياة. كنا دائما نسأل ونبحث، مَن شاهده؟ ومَن سمع عنه؟".
في أحد أيام الإبادة، وبقلب أم، شاهدت مركبات إسعاف تحمل قتلى فلسطينيين، فركضت خلفها وحين وصلت، بدأت التوسل لمعرفة لمَن تعود هذه الجثامين، علها تجد طرف خيط يوصلها لمحمود.
وحينما لم تجد جوابا، انهارت وجلست قرب باب جامع تبكي ابنها الذي لا تدري عنه شيئا، قائلة: "لا يوجد أم تصبر على فراق ابنها. مضت أشهر وأنا أجهل مصيره".
ودائما ما كانت تدعو الله في صلاتها "بالشفاء لمحمود إن كان جريحا، والحرية إن كان أسيرا، وأن تحصل على جثته إن كان شهيدا"، وفق قولها.
وأضافت أنها توجهت إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإبلاغهم بفقدان نجلها، لكن لم تتوفر لديهم معلومات بشأنه.
وأردفت: "كنت ادعو إن كان شهيدا فنولني إياه يا الله، ولا تحرمني من رؤيته. كنت أتمنى إن كان شهيدا أن أحصل على قطعة منه وأعرف أنها من جثته وأدفنها".
ومن المفارقات المؤلمة، كما قالت شبات، إنها حينما كانت تذهب لمواساة أم فقدت ابنها خلال الحرب، تتفاجأ بالأخيرة تواسيها قائلة: "نحن دفنا ابننا أما أنت فلا تعرفين أين ابنك".
** أمل في الأسر
بعد أشهر من فقدانه، وصل إلى مسامع شبات أنباء تفيد بأن نجلها محمود أسير داخل سجون إسرائيل، فذرفت دموعها فرحا أنه ما زال على قيد الحياة.
وتابعت: "قلت في حينها إن كان أسيرا، فإن شاء الله يخرج مع الأسرى. كان لدي أمل كبير".
وفي لحظة إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي، انهارت بالبكاء وارتجف جسدها من شدة الترقب، إذ كانت تعتقد أنها أخيرا سترى محمود.
لكن تلك الفرحة امتزجت بخوف شديد "من أن لا تراه مجددا، أو تسمع عنه خبرا بعد ذلك"، كما قالت.
وترقبت الأم بدء تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، ودققت في قوائم أسماء المفرج عنهم، لكنها لم تجد اسم نجلها.
وهكذا انكسر أملها في وجوده داخل سجون إسرائيل.
حينها بدأت شبات رحلة بحث أخرى، لكن بين صور جثامين طمس التعذيب الإسرائيلي ملامح بعضها، بما يعكس بشاعة ما تعرضوا له قبل مقتلهم.
** الصورة 25
على موقع إلكتروني خُصص للتعرف على هوية الجثامين، نشرت وزارة الصحة الفلسطينية عشرات الصور.
وبين هذه الصور قضت الأم ساعات طويلة، متنقلة بين الوجوه الباهتة والأجساد المُعذبة، بحثا عن ملامح مألوفة تقودها إلى محمود.
وقالت الأم إن الجثامين لم تحمل أسماء ولا هويات، بل مرفقة بأرقام تعريفية فقط.
وأثناء التصفح، توقفت عند صورة تحمل رقم 25، فنطق قلبها قبل عقلها: "إنه محمود"
وأضافت: "أول ما شاهدت الصورة شعرت براحة، وقلت هذا شعره وذقنه".
وما ساعدها بالاستدلال عليه هو أثر عملية جراحية أُجريت خلف أذنه اليمنى، وظل واضحا رغم ما لحق بالجثمان من تشويه.
وأفادت بأن ملامحه كانت مطموسة جراء تجميد الجثمان، بالإضافة إلى التعذيب الإسرائيلي الذي تسبب بكسور في وجهه طالت فكه وأحد خديه، وفقا لقولها.
وعلى مدى 3 أيام، واصلت الأم مع عائلتها التدقيق في الصورة، ومقارنة التفاصيل الدقيقة بعشرات الصور القديمة، مستعينة بالأقارب والمعارف، حتى تيقنوا أنها جثة محمود.
** آثار التعذيب
بعدما استملت العائلة الجثة رقم "25"، صُدمت بآثار التعذيب الظاهرة على أنحاء مختلفة من جسد محمود، ما فاقم من أوجاع الأم المكلومة.
وهي تغالب دموعها قالت شبات: "علامات تشوه، وإصابات، وكدمات، وضربات في الوجه كسرت خده وفكه، بالإضافة إلى كسور بالأضلاع".
وتابعت عن آثار التعذيب: "نزيف من الحاجب، وقُطع اصبع سبابته، والقيود ما زالت في يديه، أما قدماه فكانتا جريحتين من أثر الجنازير الحديدية التي كبل بها".
كما أفادت بوجود إصابة في رأسه، وحبل ملتف حول عنقه، ما يدفع للاعتقاد أنه تعرض للإعدام.
إلى جانب ذلك، عبَّرت شبات عن ألمها جراء تعمد إسرائيل تعرية نجلها وبقية الأسرى، في محاولة لتجريدهم من إنسانيتهم حتى بعد مقتلهم.
وبحرقة، قالت إن الأسرى الفلسطينيين يعودون قتلى ومعذبين وعراة، بينما عاد الأسرى الإسرائيليون إلى ذويهم مكرمين وبأفضل الملابس.
وختمت حديثها متسائلة مستنكرة: "أين المؤسسات الدولية التي تركت دولا عظمى تحارب مدينة صغيرة كغزة؟"، في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة ودول أخرى لحرب الإبادة الإسرائيلية.
** توثيق الطب الشرعي
"كان في حالة تجميد شديد، ويتخذ وضعية القرفصاء".. هكذا بدأ استشاري الطب الشرعي رئيس لجنة جثامين الشهداء بوزارة الصحة في غزة أحمد ضهير حديثه للأناضول عن جثمان محمود.
وأضاف أنه كان "مقيدا للخلف ومعصوب العينيين بشدة، فيما ظهرت آثار التقييد على الكاحلين والمعصمين للخلف، إضافة لرباط واسع حول العنق".
وتابع أن "النيابة العامة بغزة أصدرت أمرا بتسليم الجثمان لذويه، بعدما تشكلت لديها قناعة بناء على المعلومات التي أدلى بها ذوو الشهيد بشأن هويته".
وإجمالا، قال ضهير إن جثامين الفلسطينيين الـ270 وصلت إليهم في 8 أفواج من إسرائيل عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وأفاد بأنه "في الفوجين الأول والثاني، لوحظ أن الجثامين كانت عارية، إلا من قطعة من الملابس تغطي المناطق التناسلية".
وتابع أن بعض الجثامين "احتفظت بعلامات تقييد على المعصمين والكاحلين، وبعصبات مربوطة على العينين بشكل شديد، ورباط حول العنق".
وإحدى العصبات التي وجدت على جثمانين كانت مشدودة بقوة بالغة، وتبين بعد فكها وجود جرح غائر في الجلد على عمق سنتيميتر واحد، كما أردف ضهير.
وعن الإصابات التي ظهرت على الجثامين، قال إنها "تراوحت "بين انسكابات دموية واضحة ومتعددة، وكدمات نتيجة استخدام أدوات راضة (غير حادة) بشدة".
وسلمت إسرائيل الجثامين ضمن تبادل أسرى مع حركة "حماس"، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تخرقه تل أبيب يوميا، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى الفلسطينيين.
وخلّفت الإبادة في غزة 69 ألفا و169 قتيلا فلسطينيا، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 9500 مفقود تحت الأنقاض أو مصيرهم ما يزال مجهولا.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
