الدول العربية, أخبار تحليلية, التقارير, الأردن

قضية "الفتنة" بالأردن.. القضاء يقطع الطريق على ضغوط السياسة (تحليل)

الإثنين، قضت محكمة "أمن الدولة" بسجن رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف عبد الرحمن حسن بن زيد، المتهمين الرئيسيين في القضية المذكورة، 15 عاما مع الأشغال المؤقتة

14.07.2021 - محدث : 14.07.2021
قضية "الفتنة" بالأردن.. القضاء يقطع الطريق على ضغوط السياسة (تحليل)

Jordan

عمان/ ليث الجنيدي/ الأناضول

- الكاتب فايز الفايز: واشنطن تتخلى عن حلفائها.. الأردن يحتمي سياسيا بأحكام القضاء.. وأستبعد تدويل القضية
- الأكاديمية سحر الطراونة: رفض الأردن لـ"صفقة القرن" عرضه لضغوطات.. وعلى المملكة إعادة النظر في تحالفاتها
- الأكاديمي محمد الشرعة: الإسراع في المحاكمة يدل على إصرار الأردن على عدم السماح بالتدخل في شؤونه الداخلية

أغلقت الأحكام القضائية الأردنية بحق المدانين في ما تُعرف بقضية "الفتنة"، المرتبطة بالأمير حمزة بن الحسين، باب التأويلات والتكهنات حول احتمال رضوخ المملكة لضغوط سياسية خارجية للإفراج عنهما من دون محاكمة.

والإثنين، قضت محكمة "أمن الدولة" بسجن رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف عبد الرحمن حسن بن زيد، المتهمين الرئيسيين في القضية المذكورة، 15 عاما مع الأشغال المؤقتة.

وأدانت المحكمة المتهمين بـ"التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم بالمملكة" و"القيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة"، بالإضافة إلى إدانة الشريف بن زيد بحيازة "مادة مخدرة" (بقصد التعاطي).

وهذه المحكمة هي ذات ولاية قضائية خاصة على الجرائم التي تضر بالأمن الداخلي والخارجي للمملكة، وأُنشأت عام 1959، وتتشكل هيئاتها من مدنيين وعسكريين، وأحكامها قابلة للطعن لدى محكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية بالمملكة).

وعلى الرغم من إمكانية الطعن على الأحكام أمام محكمة "التمييز"، إلا أن هذه الأحكام أغلقت الباب أمام أي تدخلات خارجية من شأنها محاولة التأثير على استقلالية الدولة الأردنية في مواجهة أي أحداث تمس من أمنها وشأنها الداخلي، بحسب مراقبين.

السلطات الأردنية، وفي بيان رسمي عقب اعتقال المتهمين في 4 أبريل/ نيسان الماضي، تحدثت عن علاقة جهات "خارجية" و "أجنبية" لم تحددها، ما يعني بالتالي، وفق مراقبين، وجود محاولات للتأثير على حالة الاستقرار التي تعيشها المملكة وسط إقليم ملتهب.

ونظرا لحساسية القضية، ومحاولة الابتعاد عن دائرة الاتهام، سارعت معظم دول العالم إلى إعلان تأييدها للمملكة؛ لتؤكد أنها غير معنية بمخطط "الفتنة" الذي جرى إحباطه، وبأنه لا مصلحة لها في عدم استقرار الأردن.

وسبق أن ذكرت تقارير صحفية أمريكية أن السعودية حاولت الضغط على الأردن، للإفراج عن عوض الله، المقرب من الرياض، وذلك عبر إرسال العديد من مسؤوليها إلى عمان، إلا أنها لم تفلح في ذلك.

ويحمل عوض الله الجنسيات الأردنية والسعودية والأمريكية، وشغل مناصب مهمة عديدة، أبرزها وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي (2001 - 2005)، ثم وزيرا للمالية.

كما عمل رئيسا للديوان الملكي (2007- 2008)، ثم مبعوث الملك عبد الله الثاني بن الحسين الخاص للسعودية، وبعدها عمل مستشارا لولي العهد السعودي الحالي، الأمير محمد بن سلمان.

وبعد إدانة المتهمين بما نُسب إليهما، يرى مراقبون أن واشنطن والرياض ستبتعدان عن محاولة القيام بأي أدوار مستقبلية من شأنها التأثير على سير تنفيذ الحكم بحق المدانين، خاصة بعدما احتلت القضية حيزا كبيرا في وسائل الإعلام العالمية.

صدور هذه الأحكام لا يعني بالمطلق استبعاد صدور عفو ملكي عن المدانين، لكن القرار فيه يعود لعاهل البلاد الملك عبد الله الثاني، خاصة بعد حل الخلاف مع أخيه غير الشقيق، ولي العهد السابق الأمير حمزة (41 عاما)، في إطار الأسرة الهاشمية.

** تضارب المصالح الدولية

فايز الفايز، كاتب ومحلل سياسي حاضر دائما على طاولة الملك، قال للأناضول: "قطعا لا يمكن الدفع بمسوغات نقل أي مواطن يحمل الجنسية الأردنية ليقضي مدة محكوميته لدى دولة أخرى، حتى وإن كان يحمل جنسية الأخيرة".

وأضاف أن "القضية مرتبطة بأمن واستقرار الدولة التي يمثلها الملك، بغض النظر عن وجهة نظر القانونيين، فالقضية سياسية ستنعكس على فرض ثبوت أفعالها لاستجرار زعزعة استقرار النظام وإدخال البلد بصدام متضاد".

وتابع: "المتهم الرئيس باسم عوض الله، رغم أنه يحمل الجنسية الأمريكية عبر والده المتجنس في الولايات المتحدة، فهو متحصل مسبقا بالجنسية الأردنية وليس حاملا لجواز سفر مؤقت، وولد في القدس وترعرع كمواطن أردني، وهذا قد يدعم إثبات عدم نقله إلى أي دولة أخرى".

واستطرد: "في حالة التصديق على قرار الحكم، فهو بمثابة قطع كامل لأي نقض فيما بعد، والقرار هنا هو قضائي تحتمي به إرادة الدولة سياسيا، فلا تطابق بين الأحكام القضائية والرغبات السياسية؛ لأن الأردن القوي لا يخضع لتفسيرات جانبية توحي بسلب إرادته بناء على تضارب المصالح الدولية".

واستدرك: "رغم ذلك، فإن صمت السياسة الأمريكية على فرض تدخلها بالقضية، يعطينا إثباتات من التاريخ لتخلي واشنطن عن حلفائها في العالم بعدما تنتهي منهم".

وأردف: "فهي اليوم ترحل من كابل وتترك أفغانستان لمصيرها بعد عشرين عاما (من غزوها)، وتخلت قبلها عن حليفها (رئيس وزراء إسرائيل السابق) بنيامين نتنياهو (2009-2021) والرئيس (المصري) الراحل حسني مبارك، وقبلهم شاه إيران، عدا عن رجالهم في أمريكا اللاتينية، فالإدارات الأمريكية توقف خدماتها بعد تحقيق مصالحها".

أما فيما يخص الأردن سياسيا وعلاقته مع واشنطن، قال الفايز إن "واشنطن تدعم الأردن والملك عبدالله شخصيا، والبيت الأبيض أعطى أول مقابلة لزعيم عربي ليلتقي الرئيس جو بايدن للملك الذي يتواجد في واشنطن ويشتبك مع العديد من صناع القرار في الكونغرس قبيل اللقاء المرتقب".

ورأى أن "هذا يؤشر إلى مدى أهمية الحفاظ على العلاقة التاريخية مع الأردن كمركز استقرار سياسي في الشرق الأوسط لا يمكن العبث به".

وزاد بأنه "عبر سنوات بعيدة، لم يسجل للأردن أنه مارس التعذيب مع أي سجين سياسي، ونحن نرى ذلك (..) وهذا ما يدفع بالظن استغلال جهات بعينها لتدويل القضية وتضليل الرأي العام للوصول الى غايات خاصة ربما".

** تدخلات خارجية

سحر محمد الطراونة، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط (خاصة)، اعتبرت في حديث مع الأناضول أنه "بناء على ما تم في القضية، بدا واضحا أن هناك تدخلات خارجية في محاولة زعزعة الاستقرار الداخلي، معززا بضخ إعلامي يسعى لتشويش الرأي العام والتشكيك برواية الدولة الأردنية، في محاولة للتأثير على القرارات السياسية، وبالتالي على سيادة الدولة، خصوصا في الملفات الإقليمية الحساسة".

وأضافت أن "صفقة القرن والموقف الأردني منها شكل جبهة خارجية غير راضية عن هذا الموقف، حيث سعت (الجبهة) إلى إضعافه تجاه القضية الفلسطينية، والوصاية الهاشمية على المقدسات وموضوع القدس واللاجئين".

و"صفقة القرن" هي خطة أمريكية لتسوية سياسية، طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2017-2021)، أوائل 2020، وهي منحازة لإسرائيل ومجحفة بحقوق الفلسطينيين، وواجهت رفضا فلسطينيا.

واستدركت الطراونة: "بالتالي زادت الضغوطات الاقتصادية والسياسية على المملكة".

ورأت أن "هذا الأمر يترتب عليه إعادة النظر في العلاقات الخارجية والتحالفات الدولية، لا سيما أن الأردن بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، ولاعتبارات عديدة أخرى، لا يمكن وبأي شكل تهميش دوره في أي حلول متعلقة بالقضية الفلسطينية".

** محاكمة سريعة

أما محمد كنوش الشرعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك (حكومية)، فقال للأناضول إن "الإسراع في عملية المحاكمة، وهي تعتبر نوعية بالنسبة للقضايا الموجودة في المحاكم الأردنية، يدل على إصرار الأردن على عدم السماح بالتدخل في شؤونه الداخلية، واعتبار السيادة الوطنية الأردنية هي أولوية ولا تهاون في أي قضية تؤثر على الأمن الوطني".

وزاد بأن "الأردن بعث بالحكم على المتهمين رسالة سياسية مفادها بأنه لن يسمح لأية جهة كانت بالتدخل بقراراته".

وتابع: "على الرغم من حمل عوض الله للجنسية الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة لن تحاول التأثير على قرار الأردن، خاصة أن واشنطن تدرك أهمية استقرار المملكة كحليف استراتيجي في المنطقة".

ورأى أن "بعض الدول (لم يسمها) لا يعجبها مواقف الأردن في العديد من القضايا الإقليمية، وخاصة الملف الفلسطيني، لذا فهي تحاول التأثير على أمنه واستقراره والضغط عليه بشتى الوسائل والطرق".

واستدرك: "لكن تلك المحاولات لن تؤثر على قناعة الشعب الأردني ورضاه عن أدوار الملك، رغم المطالبات المستمرة بتحقيق الإصلاحات الشاملة في البلاد".

وفي 3 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت السلطات الأردنية اعتقال عوض الله وبن زيد و16 متهما آخرين؛ لـ"أسباب أمنية" لم توضحها آنذاك.

وفي 22 من الشهر ذاته، قررت النيابة العامة الإفراج عن 16 موقوفا، بعد توجيه من عاهل البلاد، إلا أن القرار استثنى عوض الله وبن زيد، لاختلاف أدوارهما وتباينها والوقائع المنسوبة إليهما ودرجة التحريض التي تختلف عن بقية المتهمين الذين تم الإفراج عنهم"، من دون تفاصيل.

وأعلنت عمان، في 4 أبريل الماضي، أن "تحقيقات أولية" أظهرت تورط الأمير حمزة (41 عاما) مع "جهات خارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة"، وهو ما نفى صحته الأمير.

وتدخل الأمير الحسن، عم الملك، لاحتواء الخلاف داخل الأسرة الهاشمية، لتجنب محاكمة الأمير حمزة، وهو ما حدث بالفعل، حيث أسفر هذا المسعى عن توقيع الأخير رسالة أعلن فيها الولاء للملك عبد الله الثاني.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.