رفع العقوبات الأمريكية.. نقطة تحول بمسار الاقتصاد السوري (تقرير)
الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية عبد المنعم حلبي: القيمة الحقيقية للقرار تكمن في كونه جزءا من استراتيجية أميركية شاملة

Istanbul
إسطنبول / طارق عبدالعزيز / الأناضول
** الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية عبد المنعم حلبي:- القيمة الحقيقية للقرار تكمن في كونه جزءا من استراتيجية أميركية شاملة
- المرحلة المقبلة ستشهد توسعا لافتا في جهود التعافي الاقتصادي
** الخبير الاقتصادي فراس شعبو:
- التعافي يتطلب إصلاحات هيكلية وجذرية بترشيد الإنفاق واستثمار الموارد
- لابد من تعزيز المشاريع الصغيرة في الأرياف للحد من الضغوط في المدن
اعتبر خبيران اقتصاديان رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا "قرار تاريخي" يفتح الباب أمام الفرص، ويستوجب إصلاحات هيكلية، وأشارا إلى بدء مرحلة التعافي في بلد أنهكه النظام البائد.
ومطلع يوليو/ تموز المنصرم وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بإنهاء العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، وفق بيان البيت الأبيض.
ولفت البيان إلى إبقاء العقوبات المفروضة على رئيس النظام المخلوع بشار الأسد وداعميه، ومنتهكي حقوق الإنسان، وتجار المخدرات، والأشخاص المرتبطين بأنشطة الأسلحة الكيميائية، وتنظيم "داعش" والمنظمات التابعة له، ووكلاء إيران.
ويأتي القرار وسط ترقب دولي لتداعيات هذا التحول في اقتصاد خسر 800 مليار دولار على مدى عقد ونصف، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
** تعافٍ اقتصادي
الباحث بالعلاقات الاقتصادية الدولية عبد المنعم حلبي، قال إن القرار "تاريخي ويمثل استكمالا للمسار الذي أطلقه ترامب من العاصمة السعودية الرياض (منتصف مايو/ أيار)، حين أعلن توجه الولايات المتحدة لتخفيف الضغوط الاقتصادية على دمشق".
وأضاف حلبي للأناضول أن "القيمة الحقيقية لهذا القرار لا تكمن فقط في تخفيف العقوبات، بل في كونه جزءا من استراتيجية أميركية شاملة، وليست مجرد إجراءات فنية أو مساعدات مرحلية مرتبطة بملف التعافي الاقتصادي في سوريا".
وأوضح أن المرحلة المقبلة ستشهد توسعا لافتا في جهود التعافي الاقتصادي، مشيرا إلى أن البلاد "بدأت بالفعل منذ أشهر في استعادة بعض النشاط الاقتصادي".
ولفت إلى أن "الأهم في هذه المرحلة هو إمكانية دخول شركات تطوير عقاري كبرى إلى السوق السورية، ما يعد مؤشرا على انطلاق مرحلة حيوية من إعادة الإعمار".
وفيما يتعلق باستمرار تصنيف سوريا "دولة راعية للإرهاب"، أوضح حلبي أن هذا يعود إلى العام 1979 وأنه "فقد مضمونه العملي والسياسي، لأن الأسباب التي استند إليها القرار في حينه، كالعلاقة مع إيران، لم تعد قائمة اليوم".
وحول مؤتمر بروكسل الأخير (في مارس/ آذار)، الذي تعهد بتقديم أكثر من 6.3 مليارات دولار للسوريين، قال حلبي إن "التجربة أثبتت أن المهم هو التنفيذ وليس الإعلان فقط".
حلبي أشار إلى أن "المؤتمرات السابقة كانت تعاني من تدني نسب التنفيذ بسبب العقوبات وتعدد جهات السيطرة، لكن رفع القيود اليوم سيسهل تنفيذ نسبة أكبر من التمويل الموعود، خاصة مع انخراط البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بفعالية أكبر."
أما بخصوص قانون قيصر الذي لم يشمله القرار، فرأى حلبي أنه ما زال يشكل "عامل ضغط كبير على الاقتصاد السوري"، لكنه أشار إلى "وجود تحركات أميركية لتمديد تعليق العمل به لفترة طويلة، مع احتمال المضي قدما نحو إلغائه تشريعيا، من خلال القنوات القانونية داخل الكونغرس الأميركي".
كما شدد الخبير الاقتصادي على أن "الفائدة الكبرى من هذا المسار ليست في رفع القيود فقط، بل في إتاحة الفرصة لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى سوريا، لا سيما في قطاعات الطاقة والمصارف"، مضيفا أن "قرار ترامب يمهد لعودة سوريا للمرة الأولى منذ سنوات طويلة إلى السوق المالية الدولية".
** إصلاحات جذرية
في السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري فراس شعبو، إن "رفع معظم العقوبات لن يترجم تلقائيا إلى انتعاش اقتصادي سريع، رغم أن العقوبات كانت تمثل قيدا حقيقيا على الاقتصاد السوري، وأحد عوامل تراجع قدرته على النمو".
وأوضح شعبو للأناضول، أن "إزالة هذا القيد يفتح الباب أمام الفرص، لكنه لا يعني نهاية المعاناة الاقتصادية التي تفاقمت خلال السنوات الماضية".
وأشار إلى أن "التعافي الاقتصادي يتطلب إصلاحات هيكلية وجذرية تشمل ترشيد الإنفاق، واستثمار الموارد المتاحة بشكل أكثر كفاءة، إلى جانب توسيع دور القطاع الخاص".
كما تتطلب المرحلة المقبلة، وفق شعبو "تطبيق الحوكمة والتخطيط المؤسساتي، بالإضافة إلى تحديث الإطار القانوني والانفتاح على المجتمع الدولي لجذب المساعدات والاستثمارات".
وبشأن تحديات تنفيذ القرار، أشار الخبير إلى وجود "دمار في البنية التحتية الأساسية، وغياب السيطرة على جزء كبير من الموارد الوطنية"، مشيرا إلى أن "نحو ثلث مساحة البلاد، وما تحتويه من ثروات نفطية وزراعية ومائية، لا تزال خارج سلطة الدولة المركزية".
ولفت إلى وجود "أزمة ثقة كبيرة في المؤسسات، وخاصة المالية"، موضحًا أن "القطاع المصرفي ضعيف للغاية وغير مؤهل لتمويل عمليات إعادة الإعمار".
وبرر الضعف بالقول إن "رأس مال أكبر مصرف في سوريا 10 ملايين دولار، بينما تتراوح رؤوس أموال باقي البنوك التي يبلغ عددها في البلاد 16 بنكا بين 500 مليون و3.5 مليارات دولار، وهو فارق هائل يُظهر محدودية قدرة الجهاز المصرفي على لعب دور حيوي في المرحلة المقبلة".
وتحدث شعبو عن أن "هجرة العقول والكفاءات خلال السنوات الماضية، أسهم في تآكل القدرات البشرية المؤهلة لقيادة عملية التعافي الاقتصادي".
وعن المرحلة المقبلة، رجح شعبو أن "تشهد البلاد خلال 3 أعوام تحسنا تدريجيا في سعر صرف العملة، وانتعاشا نسبيا في البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة، إلى جانب بوادر عودة بعض الاستثمارات".
وشدد على أن "المستثمر الأجنبي يحتاج إلى مؤشرات استقرار وثقة قبل ضخ أمواله في السوق السورية".
** مكافحة الفقر
وأشار شعبو إلى أن "مكافحة الفقر يجب أن تكون أولوية في المرحلة المقبلة، ليس فقط على المستوى المادي، بل أيضًا في الجوانب التعليمية والصحية، عبر حماية الفئات الهشة وتقديم منح وامتيازات تخفف من الأعباء المعيشية".
كما شدد على "ضرورة تعزيز المشاريع الصغيرة، لا سيما في المناطق الريفية، للحد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في المدن".
وأكد "أهمية التعاون مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي، لدعم برامج التنمية المستدامة، إضافة إلى وكالات الأمم المتحدة".
وجراء الحرب التي شنها نظام الأسد على السوريين، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50 بالمئة، وارتفع معدل الفقر من 33 بالمئة إلى 90 بالمئة حاليا، بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ولفت التقرير إلى أن 75 بالمئة من السكان يحتاجون لمساعدات إنسانية، تشمل الرعاية الصحية والتعليم والوظائف والأمن الغذائي والمياه والطاقة والمأوى.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على البلاد، منهية 61 سنة من حكم حزب البعث، بينها 53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.