الدول العربية, أخبار تحليلية, التقارير, تونس

أزمة تلوث قابس.. خلل في معادلة الاقتصاد والصحة (تقرير)

مصنع كيميائي لإنتاج الأسمدة كلف خبراء بإعداد تقرير أظهر وجود مخالفات وتلوث شامل يضر بالهواء والبحر ما أصاب بعض السكان بأمراض

Adel Bin Ibrahim Bin Elhady Elthabti  | 03.11.2025 - محدث : 03.11.2025
أزمة تلوث قابس.. خلل في معادلة الاقتصاد والصحة (تقرير) مسيرة سلمية بمدينة قابس للمطالبة بتفكيك الوحدات الصناعية الملوّثة بالمجمع الكيميائي-وكالة تونس إفريقيا للأنباء

Tunisia

تونس / عادل الثابتي/ الأناضول

- مصنع كيميائي لإنتاج الأسمدة كلف خبراء بإعداد تقرير أظهر وجود مخالفات وتلوث شامل يضر بالهواء والبحر ما أصاب بعض السكان بأمراض
- أكثر من 100 ألف شخص تظاهروا في قابس للمطالبة بإغلاق المصنع الذي تصدر منه انبعاثات غازية ملوثة للبيئة ومضرة بصحة السكان
- الرئيس قيس سعيد غداة احتجاجات حاشدة في المدينة الجنوبية المتضررة: مظاهرات قابس نابعة من شعور عالٍ بالمسؤولية والوطنية لدى المواطنين
- وزير التجهيز والإسكان صلاح الزواري تعهد أمام البرلمان باتخاذ إجراءات "عاجلة واستثنائية" للحد من التلوث الصادر عن المصنع
- متحدث "تحالف أحرار" (مقرب من السلطة) أحمد الهمامي: هناك جانبان للمشكل الجانب الصحي والجانب الاقتصادي ومردوديته على الشعب ويجب تفعيل الإصلاحات وتعزيز المشاريع البيئية
- عضو حراك "أوقفوا التلوث" بقابس صابر عمّار: تكاليف استمرار المصنع أكبر من إغلاقه. ويمكن تعويض العمال وتوفير فرص عمل لهم

في جنوب شرقي تونس تتصاعد أزمة التلوث الصناعي في قابس أكبر مدينة للصناعات الكيمائية في البلد العربي.

فمنذ فترة تشهد قابس احتجاجات تطالب بوقف التلوث والانبعاثات الغازية الصادرة عن مصنع للفوسفات مملوك للدولة.

ويوجد المصنع في منطقة "شاطئ السلام" بقابس، وتم إنشاؤه عام 1972، وبداخله وحدات لتصفية مادة الفوسفات لإنتاج الأسمدة.

ويعيش في المنطقة نحو 18 ألف نسمة، وهي تبعد حوالي 4 كلم عن مدينة قابس مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه.

وفي 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تظاهر بحسب منظمين أكثر من 100 ألف شخص بقابس للمطالبة بإغلاق المصنع.

واعتبر الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء هذه المظاهرات، أن "مظاهرات قابس نابعة من شعور عالٍ بالمسؤولية والوطنية لدى المواطنين".

وأضاف سعيد، خلال لقائه رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، أن "المواطنين الصادقين يواجهون محاولات توظيف آلامهم لحسابات مكشوفة ومعروفة"، دون إيضاحات.

فيما تعهد وزير التجهيز والإسكان صلاح الزواري، في كلمة أمام البرلمان يوم 20 أكتوبر الماضي، باتخاذ إجراءات "عاجلة واستثنائية" للحد من التلوث الصادر عن المصنع.

** مخالفات كثيرة

في يوليو/ تموز الماضي وفي ظل احتجاجات في قابس، صدر تقرير حكومي أنجزه فريق خبراء بتكليف من المصنع، واطلع عليه مراسل الأناضول.

التقرير أفاد بوجود "مستوى مرتفع وخطير من عدم المطابقة مع المعايير البيئية والاجتماعية التونسية والدولية".

وخلص إلى وجود "تلوّث هوائي شامل ناجم عن انبعاثات مكثّفة لغازات الكبريت والفليور والأمونياك والروائح الكريهة من وحدات الإنتاج، دون وجود منظومة فعّالة لمعالجة الانبعاثات".

كما توجد "تجاوزات جسيمة في المياه المصرفة من حيث درجة الحرارة ونسبة الفوسفور والفليور، مما يهدّد النظام البحري والساحلي"، وفقا للتقرير.

و"تم تسجيل تصرّف خطير للفوسفوجيبس، عبر إلقاء مباشر ومستمرّ في البحر (الأبيض المتوسط) دون معالجة، مما يسبّب تدميرا للتنوّع البيولوجي البحري وتلوثا متراكما يصعب تداركه".

والفوسفوجيبس هو نفايات صناعية صلبة تنتج عن عملية تصنيع حمض الفوسفوريك من الفوسفات الطبيعي.

وبحسب التقرير، "لا توجد منظومة واضحة للتصرّف في النفايات الخطرة، ولا يوجد سجلّ لتتبّعها أو وجهتها النهائية".

كذلك "توجد نقائص جسيمة في شروط السلامة المهنية من ارتفاع مستويات الضوضاء إلى غياب التدريب الدوري ووسائل الحماية الفردية للعاملين".

كل ذلك خلّف "تأثيرا مباشرا على صحة سكان المناطق المجاورة، حيث تم تسجيل حالات اختناق والتهابات تنفّسية مرتبطة بالانبعاثات الغازية"، وفقا للتقرير.

التقرير أوصى بـ "وقف نهائي لرمي الفوسفوجيبس في البحر، ووضع خطة لإعادة المعالجة أو التخزين الآمن".

كما أوصى بـ"إرساء منظومة معالجة شاملة للغازات والمياه الصناعية، وإصلاح شامل للبنية التحتية الصناعية والسلامة المهنية".

وشدد التقرير كذلك على ضرورة "إحداث لجنة دائمة للتواصل مع المجتمع المحلي ونشر تقارير شفافة حول جودة الهواء والمياه".

** جانبان للأزمة

متحدث "تحالف أحرار" (مقرب من السلطة) أحمد الهمامي قال للأناضول: "من حق قابس وأبنائها أن يعيشوا في هواء نقي".

واستدرك: "ولكن مشكلة قابس لم تحدث الآن، هي تعود إلى تركيز (إنشاء) المجمع الكيميائي منذ عام 1972".

وأضاف: "هناك جانبان للمشكل، الجانب الصحي والجانب الاقتصادي ومردوديته على الشعب التونسي".

في الجانب الصحي، قال الهمامي إن "من حق أهالي قابس العيش في بيئة سليمة، ونحن ساندناهم".

وتابع: "ورأيناهم حتى في خروجهم من أجل بيئة سليمة لم ينادي أي منهم بإسقاط النظام أو الرئيس قيس سعيد، بل نادوا بالحق في حياة كريمة وببيئة سليمة".

أما بالنسبة للجانب الاقتصادي فإن "الحلول الممكنة ليست في حل المجمع (إغلاق المصنع)، لأنه يشغل ألفي شخص بصفة مباشرة"، بحسب الهمامي.

واستطرد: "إذا فككنا المصنع الآن فهناك أزمة اقتصادية ستتفاقم على أهل قابس وعلى الشعب التونسي، فهو ينتج أسمدة فلاحية ومنتجات أخرى".

** الحل في الإصلاح

الهمامي اعتبر أن "الحل هو في إصلاح ما يجب إصلاحه، وكما قال الرئيس هناك خطة منذ 2017 لبيع المجمع الكيميائي لأطراف أخرى".

وحول أسباب عدم تطبيق توصيات تقرير يوليو الماضي، قال الهمامي إن "الإشكالية في تنفيذ هذه القرارات من الإدارة، ولابد من تشريعات قانونية أو أوامر حكومية تُلزم المنفذين والإداريين بتنفيذ الإصلاحات".

وتابع: "ليس من المعقول أن يستمر المجمع في قتل الناس، فأعلى نسبة إصابة بمرض السرطان توجد في قابس، ومن يريد منهم التداوي عليه الذهاب الى مدينة صفاقس".

وأردف: "أي مَن يريد الحق في الصحة عليه التوجه إلى ولاية أخرى، وهذا من مخلفات سنوات عديدة، وليست مخلفات حكم الرئيس قيس سعيد".

الهمامي خلص إلى أنه "يجب تفعيل المسائل الإصلاحية وتعزيزها وتعزيز المشاريع البيئية، ولا يكفي إصلاح المجمع فقط، لأن ذلك سيتكرر بعد سنوات قليلة".

و"يجب العمل على مشاريع بيئية ذات مردودية بيئية تحسن مناخ العيش في المنطقة، فليس من المعقول ألا يستطيع القابسي صيد السمك في بحره (جراء تلوثه) ولا يستطيع التنفس في بلاده"، كما أضاف.

** "لا حلول فعلية"

أما عضو حراك "أوقفوا التلوث" (أهلي) بقابس صابر عمّار فقال إن "الحكومة لم تطرح حلولا فعلية، وما قدّمه وزير التجهيز والإسكان هي إجراءات وردت في تقرير المجمع الذي كان عليه تنفيذها".

وأضاف عمّار للأناضول: "إلى حد اللحظة ليست هناك حلول، وأهالي قابس ينتظرون قرارا سياسيا في مستوى وزن وحجم المشكل، والقرار هو تفكيك وحدات المجمع".

وبخصوص التوصيات التي وردت في التقرير، قال عمّار: "كان يمكن للتوصيات أن تحل المشكل لو كان هذا قبل سنوات".

واستدرك موضحا: "ولكن المعمل الآن تجاوز عمره الافتراضي، والدولة عجزت عن القيام بنفقات في حدود 15 ألف دينار (5 آلاف دولار)، ولن توفر إصلاحات بستة ملايين دينار (2 مليون دولار)".

واعتبر أنه حتى لو توفرت الموارد المالية للإصلاح "فلن تحل مشكل الفوسفوجيبس، الذي يُلقى في البحر ومشكل التلوث الهوائي".

وتابع: "المشكل عميق يتعلق بالفوسفات وتحويله ولمَن يصّدر. المستفيد هو الشركات الفلاحية الفرنسية والشركات الفرنسية المنتصبة في قابس والتكلفة يتحملها أهالي قابس".

عمّار اعتبر أن "المشكل ليس مجرد مصفاة، بل بمنوال (منهج) اقتصادي وتنموي فاشل، ونطالب بمنوال تنموي جديد يخلق التنمية والتشغيل".

** تكاليف عالية

وحول الحديث عن تضرر نحو ألفي عامل في المصنع بحال إغلاقه، قال عمّار إن "هذا كلام غير عليم وغير اقتصادي، فكلفة عدم تفكيك الوحدات أكبر".

وتساءل مستنكرا: "لماذا لا يتكلمون عن البحارة الذين فقدوا مصدر رزقهم بسبب تلوث البحر، ولم يتم إحصاء المرضى بأمراض خطيرة جراء المجمع؟!".

وتابع : "هل تم الحديث عن كلفة اجتماعية عالية لعدم إيقاف المجمع؟! فالأهالي ينقلون أولادهم للدراسة في أماكن أخرى، والبحر تم تدميره".

عمّار وصف العمليات الحسابية التي يقوم بها المدافعون عن استمرار المصنع بأنها "كحساب تاجر صغير".

وأردف: "أما في مستوى الاقتصاد الكلي، فهناك خسائر في قطاع الصيد البحري والسياحة والصحة والفلاحة".

واستطرد: "لا نطلب إحالة عمال المجمع على البطالة، ولكن بعد تفكيك المجمع يمكنهم الاشتغال في عمليات إزالة التلوث التي ستستمر لسنوات، كما يمكن للدولة أن تعوضهم".

وختم بأن "مَن يحسبون الخسائر التي قد تنتج عن تفكيك المجمع لا يعرفون أن هناك تكاليف عالية أخرى تنتج عن بقائه، مثل صرف العملة الصعبة لشراء الأدوية للأمراض المستعصية التي تنتج عن التلوث".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.