"نبع العوجا" بالضفة.. شريان مياه سرقه مستوطنون لتهجير الفلسطينيين (تقرير)
يعد "نبع العوجا" واحدا من أهم وأشهر ينابيع المياه في "غور الأردن" شرق الضفة الغربية، كما يعد موقعا سياحيا يلجأ إليه الفلسطينيون في فصل الصيف لوفرة مياهه..

Ramallah
أريحا/ قيس أبو سمرة/ الأناضول
في بلدة العوجا إلى الغرب من مدينة أريحا، شرقي الضفة الغربية، يتوقف مجرى الحياة مع جفاف نبع المياه الأشهر في الأغوار الفلسطينية، لأول مرة منذ عقود، وسط اتهامات للمستوطنين الإسرائيليين بتجفيفه عمدًا لتهجير السكان.
يقول سكان العوجا إن "نبع العوجا"، الذي كان شريانًا زراعيًا وسياحيًا رئيسيًا، لم يعد يتدفق كما اعتادوا، متهمين مستوطنين إسرائيليين بتحويل مجرى المياه إلى آبار تغذي بؤرًا رعوية وزراعية أنشئت مؤخراً بدعم رسمي من السلطات الإسرائيلية.
وفي ظل غياب المياه، يخيم القلق على مزارعي البلدة ومربي الثروة الحيوانية، وسط خسائر اقتصادية مباشرة ومخاطر بيئية متصاعدة، تُضاف إلى موجة الاعتداءات والانتهاكات التي تصاعدت بالضفة الغربية منذ اندلاع حرب الإبادة في قطاع غزة.
في مايو/ أيار 2024، شيد مستوطن إسرائيلي بؤرة رعوية على أرض نبع العوجا، في خطوة اعتبرها السكان محاولةً واضحة للسيطرة على المنطقة ومنعهم من الوصول إلى مورد المياه الأساسي.
ويقول فلسطينيون من البلدة، إن المستوطن، الذي يملك قطيعًا من الأغنام، يفرض سيطرته على محيط النبع، ويمنع المزارعين والرعاة من استخدام المياه، في محاولة لتهجيرهم قسرًا من أراضيهم، بدعم إسرائيلي رسمي.
ويعد "نبع العوجا" واحدا من أهم وأشهر ينابيع المياه في "غور الأردن" شرق الضفة الغربية، كما يعد موقعا سياحيا يلجأ إليه الفلسطينيون في فصل الصيف لوفرة مياهه.
لكن الحال اليوم تغيّر كليًا؛ فقد النبع مياهه، وجف مجراه تمامًا، ولم يعد هناك ما يدل على الحياة في المكان، ما دفع السكان لوصف ما حدث بـ"كارثة" تسبب بها المستوطنون، بمساندة مباشرة من السلطات الإسرائيلية، بحسب تعبيرهم.
بالتوازي مع الإبادة الجماعية بغزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 960 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف آخرين، إضافة إلى تسجيل 16 ألفا و400 حالة اعتقال، وفق معطيات فلسطينية.
ووفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية)، نفذ المستوطنون 341 اعتداء ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة، خلال أبريل/نيسان الماضي، وحاولوا إقامة 10 بؤر استيطانية.
** معاناة
ويقول رئيس بلدية العوجا فخري نجوم للأناضول إن "نبع العوجا لم يعد كما السابق، جفت المياه، مما يتسبب بمعاناة كبيرة لمربي الثروة الحيوانية، ولمزارعي البلدة الذين يعتمدون على مياه النبع لري المزروعات".
ومجرى النبع يشق طريقه من الغرب إلى الشرق، قاطعا الاف الدونمات الزراعية على جانبيه، وصولا إلى نهر الأردن الفاصل بين الضفة الغربية والأردن.
وأشار نجوم إلى أن " معاناة السكان بدأت قبل نحو عام مع إقامة المستوطنين في المنطقة، حيث عمدوا إلى منع الرعاة من الوصول إلى النبع لري مواشيهم، وضيّقوا الخناق على الأهالي من خلال سرقة القطعان والاعتداءات المتكررة، وصولًا إلى تجفيف النبع بالكامل في محاولة لطرد السكان وفرض السيطرة على الأرض.
ولفت إلى أن الموسم المطري لهذا العام كان ضعيفًا، إلا أن مياه النبع لم تكن تنقطع بشكل كامل أو في وقت مبكر من السنة كما حدث هذا العام، متهماً المستوطنين واتهم المستوطنين بسرقة المياه.
وحذر من أن موسم الزراعة لهذا العام مهدد بالفشل جراء شح المياه.
**تجفيف النبع
في تجمع "رأس النبع"، الواقع عند أطراف بلدة العوجا، تتكثف معاناة السكان الذين يعتمدون بشكل أساسي على مياه نبع العوجا في تربية المواشي والزراعة.
ويقول المزارع سليمان زايد، للأناضول إنه يعيش في تجمع رأس النبع مع عائلته منذ ثمانيات القرن الماضي، يعتمد على تربية الأغنام، ونبع العوجا مصدر رئيسي لري القطيع.
ولفت إلى أن "الاحتلال يضيق على السكان منذ سنوات عبر الهدم ومصادر المساكن، لكن المعاناة تضاعفت منذ 7 أكتوبر ثم مع وجو بؤرة رعوية استيطانية".
وأشار إلى أن المستوطنين يشنون أعمال ترهيب وتضييق على السكان بمنعهم من الري من مياه النبع، وحرمانهم من المراعي والاعتداء عليهم واقتحام منازلهم.
ولفت إلى أن المستوطنين سرقوا نحو 1500 رأس غنم في مارس/آذار الماضي.
وقال زايد: "اليوم دون مقدمات نستفيق بلا مياه، تم تجفيف نبع العوجا، نحن نشاهد فعل المستوطنين، هناك مضحات نصبت وسحب المياه إلى آبار جمع، وأخرى ضخت من مصدر النبع في جبال شرقي الضفة إلى مستوطنات زراعية إسرائيلية".
وتابع: "المياه شريان الحياة، بدون مياه يعني موت الحياة هنا في العوجا، يريدون ترحيل السكان كما حدث في تجمعات سكانية أخرى".
من جانبه، يقول هيثم زايد، أحد سكان تجمع رأس النبع، لـ"الأناضول"، بينما يشير بيده إلى عدد من المستوطنين الرعاة في المنطقة " يشنون أعمال عربدة في كل مكان غير محاسبين، بل يقدم لهم الجيش الإسرائيلي الحماية والمساعدة".
زايد يقول إن نحو 1200 فلسطيني يعيشون في تجمع رأس النبع يستفيدون من مياه النبع لري الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى أن بلدة العوجا الملاصقة للموقع تعتمد على المياه لري المزروعات.
وأضاف "كان النبع يعج بالسياحة الداخلية وفي أيام الجمعة يزوره نحو 10 الاف فلسطيني، لكن منذ تشييد البؤرة الرعوية تغير الوضع، المستوطنون يشنون اعتداءات حتى على السياح".
وأشار إلى مجرى النبع وقال "تحول النبع إلى مكرهة صحية لم يعد موقعا سياحيا".