التقارير

"سيدرا" الأثرية التركية.. عاصمة تاريخية لمعاصر الزيتون (تقرير)

رئيس بعثة التنقيب الأثرية بالمدينة إرتوغ إرغورر: - توثيق أكثر من 100 معصرة داخل المدينة يؤكد أن الإنتاج لم يكن محليًا فقط بل موجّها للتجارة عبر المتوسط

Mustafa Kurt, Hişam Sabanlıoğlu  | 31.12.2025 - محدث : 31.12.2025
"سيدرا" الأثرية التركية.. عاصمة تاريخية لمعاصر الزيتون (تقرير)

Antalya

أنطاليا/ مصطفى كورت/ الأناضول

رئيس بعثة التنقيب الأثرية بالمدينة إرتوغ إرغورر:
- توثيق أكثر من 100 معصرة داخل المدينة يؤكد أن الإنتاج لم يكن محليًا فقط بل موجّها للتجارة عبر المتوسط
- يميز المدينة وجود معاصر الزيت داخل النسيج العمراني وليس خارج أسوارها كما هو شائع في أغلب المواقع القديمة
- استقبلت المدينة الوافدين والنشاط الاقتصادي في القرن الرابع الميلادي إبان اضطرابات الإمبراطورية الرومانية

على إثر أعمال تنقيب في مدينة سيدرا الأثرية في قضاء ألانيا بولاية أنطاليا جنوبي تركيا، تكشّفت معطيات جديدة تؤكد أن المدينة كانت أحد أهم مراكز إنتاج زيت الزيتون في العصور القديمة، بعد توثيق وجود أكثر من 100 معصرة زيتون داخلها.

وتعود مدينة سيدرا إلى نحو 3 آلاف عام، حيث تحتضن حضارات متعددة تعود إلى العصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية، إضافة إلى الفترة السلجوقية، ما يجعلها نموذجًا غنيًا لفهم تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية في شرق البحر المتوسط.

وتجرى أعمال التنقيب الأثري في المدينة ضمن مشروع "التراث من أجل المستقبل" الذي تشرف عليه وزارة الثقافة والسياحة التركية، بقيادة الدكتور إرتوغ إرغورر أستاذ كلية السياحة في جامعة علاء الدين كيقباد.

** معاصر الزيتون

وأوضح رئيس البعثة الأثرية إرتوغ إرغورر، في حديث للأناضول، أن معاصر الزيتون تُعد من أكثر العناصر المعمارية التي تم العثور عليها خلال أعمال الحفر.

وقال إن فرق التنقيب كشفت حتى اليوم عن نحو 20 معصرة بشكل كامل، إلى جانب توثيق أكثر من 100 معصرة أخرى منتشرة في مختلف أنحاء المدينة، ما يدل على وجود إنتاج مكثف ومنظم لزيت الزيتون في سيدرا خلال العهود القديمة.

وأضاف أن هذا العدد الكبير من المعاصر لا يمكن تفسيره باعتباره إنتاجًا منزليًا محدودًا، بل يعكس نشاطًا اقتصاديًا واسع النطاق.

وأشار إرغورر إلى أن ما يميز سيدرا عن كثير من المدن الأثرية الأخرى هو وجود معاصر الزيتون داخل النسيج العمراني نفسه، وليس خارج أسوار المدينة كما هو شائع في أغلب المواقع القديمة.

وأوضح أن معظم الأبنية السكنية كانت تتكون من طابقين أو ثلاثة، حيث خُصصت الطوابق السفلية للورش والمعاصر، بينما كانت الطوابق العلوية مخصصة للسكن.

وأضاف: "وجود معاصر الزيتون داخل المدينة مباشرة أمر لافت، إذ يدل على أن الإنتاج كان جزءًا من الحياة اليومية، وليس نشاطًا هامشيًا، وهذا يعكس حجم الطلب وكثافة الإنتاج".

** عرض سياحي

وفي إطار المشروع، تمكنت الفرق الأثرية عام 2024 من توثيق معصرة زيتون في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة، كانت جميع عناصرها المعمارية وأحجارها وأدواتها في مواضعها الأصلية.

وأوضح إرغورر أن المعصرة تضم أيضًا وعاء تخزين ضخم يُعرف في العصور القديمة باسم "بيثوس" (Pithos)، كان يُستخدم لتجميع زيت الزيتون بعد عصره.

وبعد توثيق هذه المكتشفات علميًا، جرى ترميم المعصرة وإعادة تشغيلها بصريًا، بحيث يتمكن الزوار من فهم مراحل إنتاج زيت الزيتون قديمًا، بدءًا من طحن الثمار، مرورًا بالعصر باستخدام آليات خشبية، وصولًا إلى التخزين والنقل، وفق إرغورر.

** تجارة متوسطية

وبشأن البعد الاقتصادي، أشار إرغورر إلى أن القرن الرابع الميلادي شهد اضطرابات كبرى في غرب الإمبراطورية الرومانية، ما أدى إلى انتقال السكان والنشاط الاقتصادي نحو الأناضول.

وأضاف أن هذه المرحلة شهدت زيادة ملحوظة في الإنتاج الزراعي، ومن ضمنه زيت الزيتون، مؤكدًا أن سيدرا لعبت دورًا محوريًا في هذا السياق.

وأوضح أن المدينة كانت تنتج أواني النقل الخاصة بها، وأن المنتجات كانت تُصدَّر على الأرجح عبر ميناء يُعرف باسم "آدا طاش" إلى سواحل البحر المتوسط الأخرى.

وأردف: "عدد المعاصر مقارنة بعدد السكان كبير جدًا، وهذا يؤكد أن الإنتاج لم يكن للاستهلاك المحلي فقط، بل كان موجّهًا للتصدير ضمن شبكة تجارية واسعة".

وأشار رئيس البعثة الأثرية إلى أن أعمال تجهيز مسارات الزيارة ومناطق الاستقبال لا تزال مستمرة داخل الموقع.

وذكر أن معصرة زيت الزيتون التي جرى ترميمها أصبحت جزءًا من المسار السياحي، وسيتم فتحها بالكامل أمام الزوار عند بدء استقبال الجمهور، مع توفير لوحات تعريفية ووسائل شرح بصرية تتيح فهمًا معمقًا لدور سيدرا الاقتصادي في العصور القديمة.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.