السياسة, دولي, التقارير

زعيمة ميانمار تلحق بركب الزعماء اليمينيين المتطرفين "مقال رأي"

"أونغ سان سو تشي" الحائزة على جائزة "نوبل" للسلام والحاكمة الفعلية لميانمار تنضم إلى صفوف قادة اليمين المتطرف مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره المجري فيكتور أوربان

12.06.2019 - محدث : 12.06.2019
زعيمة ميانمار تلحق بركب الزعماء اليمينيين المتطرفين "مقال رأي"

Myanmar

ماونغ زارني/ الأناضول

اعترتني القشعريرة ومشاعر الخوف لدى رؤيتي الصور الواردة من بودابست لمستشارة الدولة في ميانمار، أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وهي تبتسم أثناء مصافحة، رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، المعروف بمواقفه اليمينية.

إنه، الخوف على أصدقائي المسلمين؛ لا سيما في موطني بـ "ماندالاي" (مدينة شمالي ميانمار)، ومسلمي ميانمار بوجه عام، ويشمل ذلك الروهنغيا المضطهدين بشكل ممنهج.

تقارير إعلامية أفادت بأن الزعيمين (سو تشي، وأوربان) تبادلا الآراء حول "خوفهما الصريح" من المسلمين والمهاجرين، وذلك خلال اجتماعهما في بودابست الخميس الماضي.

لقد صنع جيش دولة ميانمار- التي تحكمها سو تشي- صورة نمطية خاطئة عن شعب الروهنغيا ونجح بذلك من خلال اعتبارهم مهاجرين غير شرعيين قادمين من بنغلاديش المسلمة.

لقد أصبحت أيقونة الانتقال الديمقراطي لميانمار مجرد صدى للقتلة بشكل متعمد.

خلال 30 عامًا من النشاط السياسي، والمنح الدراسية المتعلقة بشؤون بلادي، تعلّمت أن أقرأ جيدًا المجتمع البورمي العنصري بشدة، والنظام البوذي المسيس، وقوات تاتمادوا (القوات المسلحة الميانمارية) ذات النزعة القومية المتطرفة.

وقد دعمت طيلة سنوات بمحبة دائمة، المرأة التي تسميها الغالبية البوذية في البلاد، الأم سو(تشي)، ولقد درست عن كثب كلماتها وأفعالها وحتى تعابير وجهها خلال هذه العقود الثلاثة الماضية.

يمكنني الجزم بأن، الصور الواردة من بودابست لا تتعلق فقط بأداء مستشارة دولة ميانمار وفقًا للبروتوكول الدبلوماسي المتمثل في التصرف بلباقة لدى المضيف، والظهور لطيفا أمام الكاميرا.

كان أشبه بلقاء عقلين عنصريين يكرهان الأجانب، غير مباليين سواء بتحذيرات التاريخ الفاشي للبلدين المعنيين إبان الحرب العالمية الثانية، أو الحقائق البشعة على أرض الواقع بما في ذلك سياسات الإسلاموفوبيا للبلدين.

وفي تقرير صادر عن مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، اتُهمت إدارة أوربان بنشر "مواقف معادية للأجانب والخوف والكراهية"، بينما يبرز أوربان نفسه كشخصية محورية بين قادة وديماغوغيي اليمين المتطرف الأوروبيين والأمريكيين الشماليين، بداية من اليد اليمنى السابق لـ (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب، ستيف بانون وصولًا إلى زعيم حزب "الاستقلال" البريطاني السابق نايجل فاراج.

في حالة ميانمار، تتهم بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق رسميًا قيادتها المدنية بالتورط في الإبادة الجماعية المستمرة ضد الروهنغيا المسلمة.

ووفقًا لبيان حكومة أوربان عقب اجتماعهما، قامت "سو تشي" و"أوربان" بتسليط الضوء على "الهجرة"، و"قضية التعايش مع السكان المسلمين الذين يتزايدون باستمرار" باعتبارهما "التحدي الأكبر" أمام "جنوب شرق آسيا وأوروبا".

ليست هذه هي المرة الأولى التي تتقاسم فيها مستشارة الدولة في ميانمار الأضواء مع زعيم يمين متطرف، وتردد الآراء العنصرية السافرة عن المسلمين.

في سبتمبر/أيلول 2017، شاركت سو تشي المنصة الصحفية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الهندوسي الأصولي، حيث قام الزعيمان صراحة بتأطير اضطهاد ميانمار الجماعي للروهنغيا بشكل خاطيء باعتباره رد فعل شرعي من جانب الدولة على "الإرهاب" - أي "الإرهاب الإسلامي".

وقالت: "أود أن أشكر الهند على اتخاذ موقف قوي من التهديد الإرهابي الذي واجهته ميانمار مؤخرًا".

لقد لاحظت كيف أن الزعيمة البورمية -التي دعمتها بفعالية كبيرة خلال أول 15 عامًا من النشاط الدولي في الشتات بالولايات المتحدة- تستمر في تغيير تبريراتها للعنصرية المعادية للمسلمين التي تفشت في الرأي العام في ميانمار، وسياسات الحكومة -- وآرائها الشخصية.

في وقت مبكر من أكتوبر/ تشرين الأول 2013، صاغت سو تشي وجهة نظرها الخاصة بشأن المسلمين في مقابلة مع إذاعة "بي بي سي 4" الرئيسية باعتبارها تصورًا شعبيًا عامًا في بورما.

وقالت سو تشي، زعيمة المعارضة الشهيرة في البلاد آنذاك، لمضيف البرامج البريطاني مشعل حسين، وهو بريطاني مسلم: "أعتقد أنك سوف تقبل أن ثمة تصور بأن القوة الإسلامية العالمية كبيرة للغاية. بالتأكيد، هذا تصور في أجزاء كثيرة من العالم - وفي بلدنا أيضًا".

بعد ست سنوات من مقابلتها الصادمة، خرجت سو تشي، التي تتولى الآن منصب مستشار الدولة ووزير الخارجية، من خزانة الإسلاموفوبيا، لتصنع قضية مشتركة مع أحد قادة أوروبا القوميين اليمينيين المتطرفين بشكل رسمي.

** مخاوف "سو تشي" لا أصل لها

إن مخاوفها بشأن الهجرة المتزايدة ومشكلة السكان المسلمين الذين يتزايد عددهم باستمرار في الوطن في ميانمار لا تدعمها الحقائق.

في عام 2012، قدر وزير الهجرة آنذاك، ورئيس الشرطة السابق العميد خين يي، عدد الروهنغيا بنحو 1.33 مليون نسمة، وهو تقدير متحفظ، بعد موجتي العنف المنظم ضد المسلمين في ولاية راخين.

وعلى نفس المنوال، قال رئيسه، اللواء السابق والرئيس ثين سين لإذاعة "صوت أمريكا" الناطقة باللغة البورمية في يوليو/تموز من نفس العام "اكتشفنا أن الغالبية العظمى من البنغاليين" [أي إشارة رسمية عنصرية إلى الروهنغيا] ولدوا في بلدنا بعد استقلالنا".

هذه الحقائق تجعل من المستحيل تأطير الروهنغيا على أنهم "مهاجرون" من بنغلاديش المجاورة.

إن الفقر الطاحن المتفشي في ميانمار -خلافًا لإحصائيات الناتج المحلي الإجمالي المضللة والتوقعات الاقتصادية الإيجابية إلى حد ما- وعقود من القمع السياسي من جانب قوات الأمن في البلاد، واستنزاف العقول في ميانمار وهجرة البورميين إلى الخارج تتواصل بلا هوادة.

والوقت الراهن، يقدر أن ما بين 4 و5 ملايين بورمي من جميع الخلفيات العرقية والدينية، أي بنسبة 1 من كل 10 أشخاص، غادروا البلاد كعمال مهاجرين إلى حد كبير إلى بلدان جنوب شرق آسيا ذات الدخل المتوسط مثل تايلاند وماليزيا وبدرجة أقل، سنغافورة.

وبعد سوريا، تعد ميانمار أكبر مصدر للاجئين في العالم، وأغلبيتهم العظمى من المسلمين.

إضافة إلى ذلك، فإن سكان ميانمار المسلمين الذين تشكل الروهنغيا بينها أكبر تجمع من الناحية العددية -من إجمالي 16 مجموعة- لا يتزايدون. بل إن الأمر عكس ذلك تمامًا.

بعد مرور سبع سنوات، لا يزال هناك حوالي 0.33 مليون من الروهنغيا في بلدهم الأصلي -- 120 ألفًا منهم في مخيمات المشردين داخليًا المسورة بأسلاك شائكة، حيث لا يُسمح لهم بالمغادرة.

ووفقًا لبعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، محت ميانمار ما يقرب من 400 قرية للروهنغيا خلال "عمليات التطهير الأمني"، التي قام بها الجيش البورمي في عام 2017، وذبح الآلاف من المسلمين بما في ذلك الرضع والأطفال والنساء والرجال وكبار السن.

ربما لن نتمكن على الإطلاق من معرفة عدد القتلى الفعلي، لكن عدد الروهنغيا الذين تم ذبحهم، هو بالتأكيد أكبر بكثير من أولئك البوسنيين (مسلمو إقليمي البوسنة والهرسك) الذين قتلوا في مذبحة سريبرينيتشا في يوليو/تموز 1995، تلك المذبحة التي اعتبرها القضاء عملًا من أعمال الإبادة الجماعية.

هناك انعدام للنمو بين أكبر تعداد للسكان المسلمين في ميانمار داخل موطن أجدادهم بولاية راخين. بل على النقيض تمامًا، فقد أدت موجات الترحيل الجماعي العنيف عن طريق الاغتصاب والإبادة الجماعية وهدم وإحراق القرى المسلمة منذ عام 1978 إلى خفض العدد بأكثر من النصف في أكبر جيب للمسلمين في البلاد -عرقية الروهنغيا- غربي ميانمار.

يعيش سكان الروهنغيا المسلمون الباقون في بلدة بوثيداونج في ظروف تشبه نظام الفصل العنصري، ويعانون من خوف واسع النطاق ومستمر من التعرض للذبح في الجولة المقبلة من الأعمال الوحشية الجماعية التي توجهها/تديرها الدولة في ميانمار - مثل تلك التي شاهدها العالم على "فيسبوك" و"تويتر" في عام 2017 -- أو التعرض للقتل في تبادل لإطلاق النار الحالي بين جيش أراكان (البوذي) وقوات حكومة ميانمار.

استنادًا إلى خبراتي المهنية المباشرة في إدارة العديد من الجلسات حول الحساسية العنصرية والوعي لمجموعات من صناع الرأي في ميانمار بمن فيهم الراهبات والرهبان والصحفيون ونشطاء في مجال الحقوق، لقد تعلمت شيئًا واحدًا قاسيًا: الحقائق لا تقلل العنصرية أو تغير العقول العنصرية. وسو تشي ليست استثناء.

عادةً ما يسمع المرء التفسير غير المنطقي بأن سو تشي لا تملك السيطرة على الجيش البورمي، وهذا سبب صمتها المدروس فيما بشأن آثام هذا الأخير.

لم تعد جرائمها تقتصر على رفضها إدانة "جيش أبيها" أو "جريمة الإغفال" كما جاء في تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق المكون من 444 صفحة (صدر في 18 سبتمبر/أيلول 2018). كما أنها ليست مجرد إنكارها المتكرر على نطاق واسع لـ"التطهير العرقي" في ميانمار، كما فعلت في أشنع لقاءاتها مع "هيئة الإذاعة البريطانية" و"قناة أخبار آسيا".

في واقع الأمر، تُبرهن مستشارة دولة ميانمار نفسها أنها شريك متعمد في الجرائم الوحشية التي ترتكب بدوافع عنصرية والتي ارتكبتها القوات المسلحة التي أسسها والدها تحت رعاية اليابان الفاشية.

إن تاريخ العالم الحديث منذ أيام القتل الجماعي في عهد هتلر مليء بالأنظمة الشعبوية التي تصل إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع، وحشد عنصرية الأغلبية في الناخبين على حساب الأقليات الدينية والعرقية والعنصرية. إن عملية الانتقال الجارية في ميانمار تحت قيادة سو تشي ليست نحو مجتمع ديمقراطي شامل ولا ديمقراطية ليبرالية؛ بل إنها تتجه نحو نظام سياسي بوذي قومي إقصائي، حيث يجري شيطنة المسلمين والأقليات العرقية الأخرى دون حقوق أو حماية من الدولة.

في ضوء هذه التطورات، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إعادة النظر بجدية في سياساتهما الداعمة ظاهريًا "للانتقال الهش" مع سو تشي باعتبارها القابلة (المولدة) الوحيدة المؤهلة التي تتمتع بشعبية، للديمقراطية البورمية.

شاركت السيدة، أو "ملكة الديمقراطية" في الغرب -كما وصفتها مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في ميانمار، يانغهي لي، على القناة الإخبارية الرابعة بالمملكة المتحدة في عام 2018- بنشاط في صياغة وتبرير ونشر رؤية عالمية سامة ينطبق عليها وصف "يمينية متطرفة"، بدلًا من تعزيز الحريات المدنية والدفاع عنها وحرية الصحافة وحقوق الإنسان وحماية الأقليات لجميع الشعوب والمجتمعات الدينية داخل ميانمار.

سو تشي، هي مارين لوبان (زعيمة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بفرنسا) ميانمار، وليست مجرد سياسية براغماتية تحاول التوفيق بين المطالب والأولويات والتوقعات المفروضة على قيادتها خلال فترة انتقالية هشة. وكلما أسرع العالم في تفهم تحوّل سو تشي، كان ذلك أفضل للناشطين البورميين المنخرطين في جهود على مستوى المجتمع لبناء مجتمع شامل وديمقراطي ومناهض للعنصرية.

------

* كاتب المقال "ماونغ زارني" هو منسق "ائتلاف الروهنغيا الحر"، والمؤلف المشارك، مع ناتالي برينهام في كتابة مقالات حول الإبادة الجماعية في ميانمار

** الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لوكالة الأناضول

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.