أكاديمي أمريكي: خطاب مكافحة الإرهاب بعد 11 سبتمبر مهّد للإبادة بغزة (مقابلة)
الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ولاية أريزونا الأمريكية خالد علي بيضون قال إنه لو لم تُنتج الولايات المتحدة هذا الخطاب "لما تمكنت إسرائيل من ممارسة هذا القدر من العنف المفرط"..

Ankara
أنقرة/ شعلة أوزكان/ الأناضول
قال الأكاديمي والكاتب الأمريكي خالد علي بيضون، إن خطاب "الحرب على الإرهاب" الذي عمّمته الولايات المتحدة عالميًا، عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، "مهّد الطريق للإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة".
وفي حديث مع الأناضول بالذكرى الرابعة والعشرين لهجمات 11 سبتمبر، أضاف بيضون المتخصص في دراسة ظاهرة الإسلاموفوبيا: "لو لم تنتج أمريكا هذا الخطاب، لما استطاعت إسرائيل أن تمارس هذا القدر من العنف المفرط ضد غزة".
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلّفت 64 ألفا و718 قتيلا، و163 ألفا و859 جرحى من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 411 فلسطينيا، بينهم 142 طفلا.
بيضون الذي يشغل منصب أستاذ في كلية الحقوق بجامعة ولاية أريزونا الأمريكية، أوضح أن تلك الأحداث "أفرزت نظامًا قانونيًا جديدًا في الولايات المتحدة حصر الهوية الإسلامية ضمن إطار التهديد الأمني، وهو ما أسس لعملية تجريم المسلمين ليس فقط في أمريكا بل على المستوى العالمي".
وأشار إلى أن سلسلة من القوانين والإجراءات التي أعقبت الهجمات، ومنها إنشاء وزارة الأمن الداخلي ووضع برامج تسجيل خاصة بالطلاب الأجانب وآليات مراقبة واسعة، "كلها قامت على تصوير الهوية الإسلامية كخطر أمني وإرهابي".
وقال بيضون: "لم يكن الأمر مجرد اتهامات فردية، بل إطارًا جماعيًا صوّر المسلمين، سواء كانوا مواطنين أم غير ذلك، كتهديد دائم. الدولة بدأت ترى الهوية الإسلامية من خلال عدسة الإرهاب، ومعاداة أمريكا، والتخريب".
- الهوية الإسلامية "تهديد"
مؤكدا أن الدستور يكفل حرية الدين، لكن التطبيق جاء عكس ذلك، قال بيضون: "كلما عاش المسلمون هويتهم بشكل أوضح وأكثر حرية، كلما اعتُبروا تهديدًا في نظر الدولة. هذا التصوّر جرى تقنينه عبر القوانين".
وأشار إلى أن قانون "باتريوت" كان "أكثر السياسات صرامة وشمولًا" في أعقاب 11 سبتمبر، إذ سمح بمراقبة واسعة شملت الأسر والأعمال التجارية الإسلامية، وفتح الباب أمام تجميد الحسابات المصرفية وتعطيل التحويلات المالية.
وأوضح بيضون أن هذه الإجراءات أثرت خصوصًا على العائلات المسلمة في الشتات وفي الجامعات التي قامت بإبعاد بعض الأكاديميين.
وأضاف أن بعض الولايات اعتمدت سياسات تحت عنوان "مكافحة التطرف" عززت التعاون بين الشرطة المحلية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وشجعت على مراقبة المسلمين من داخل مجتمعاتهم.
- "مختبر" العراق وأفغانستان
الأكاديمي الأمريكي اعتبر أن حربي العراق وأفغانستان كانتا بمثابة "تجارب جديدة للاستعمار الأمريكي"، موضحًا أن واشنطن تعاملت مع العراق تحديدًا ليكون "مختبرًا" لتطبيق استراتيجية "فرّق تسُد".
وأضاف أن توسع النفوذ الأمريكي في المنطقة والسعي للوصول إلى موارد النفط كانا من بين الدوافع الرئيسية للحرب على العراق.
وقال بيضون: "الاستعمار الجديد ليس سوى الاستعمار القديم نفسه. الفارق أنهم غلّفوه بمبررات مثل محاربة الإرهاب أو التخلص من صدام حسين، لكن الحقيقة أن صدام في ثمانينيات القرن الماضي كان حليفًا للولايات المتحدة وهذه التناقضات تكشف حجم النفاق والازدواجية".
وفيما يتعلق بأفغانستان، أوضح أن "الدعم الذي قدّمته واشنطن للمجاهدين الأفغان خلال الحرب الباردة انقلب لاحقًا إلى ذريعة لاستخدام أيديولوجيات غربية ونسوية لتبرير الغزو".
وأكد أن هذه الازدواجية تمثل مفتاحًا لفهم ما يجري اليوم في غزة، مضيفا: "من يتابع الأخبار يرى بوضوح أن الحكومات لم تقم بأي مبادرة لإنقاذ النساء المسلمات في غزة، ولم تسعَ لإرساء الديمقراطية أو سيادة القانون هناك".
وأوضح أن "السبب في ذلك هو أن القيم المدنية وحقوق الإنسان لا تُطرح على الأجندة إلا عندما تتوافق مع المصالح الاقتصادية والسياسية للقوة العظمى".
- الإعلام لترويج الرواية الرسمية
أوضح بيضون أن الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2010، وفي ظل غياب وسائل التواصل الاجتماعي، شهدت احتكار وسائل الإعلام التقليدية للرواية المهيمنة حول المسلمين.
وقال: "في نشرات الأخبار الصارمة على قنوات مثل "بي بي سي" و"سي ان ان" وسكاي نيوز"، جرى تصوير الأفراد والمؤسسات والدول المسلمة في الغالب كجهات مرتبطة بالتنظيمات الإرهابية".
وأردف: "أما في هوليوود والمسلسلات التلفزيونية فقد جرى اختزال الهوية الإسلامية في صورة تهديد للأمن القومي."
وبيّن أن الإعلام "رسّخ صورة الإسلام كدين غريب، عنيف، وداعٍ للحروب، وعزّز القناعة حول أن أتباع هذا الدين، حتى لو كانوا أمريكيين منذ أجيال، لا يُعدّون أمريكيين حقيقيين بل ينبغي النظر إليهم كإرهابيين".
وأضاف: "جرى تصوير المسلمين على أنهم كتلة واحدة بلا وجه أو هوية فردية؛ النساء وُصفن بالخضوع والحرمان، والرجال بالاستبداد والنزعة للعنف".
وتابع: "هذه القوالب جرى تحديثها بعد 11 سبتمبر لتنتج صورة الإرهابي العصري، بدعم من سياسات الحرب على الإرهاب، وكل ذلك متجذر في التاريخ والفكر الاستعماري".
- الإبادة في غزة امتداد لخطاب الحرب على الإرهاب
وشدد بيضون على أن خطاب "مكافحة الإرهاب" لم يقتصر على الولايات المتحدة، بل أثّر في الأطر السياسية والقانونية حول العالم، مستشهدًا بسنّ قوانين في عهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أسهمت في تعزيز الحملات الإسلاموفوبية، فضلًا عن السياسات الأوروبية، وخاصة في فرنسا، حيث تحولت العلمانية إلى أداة لتقييد الحضور العلني للمسلمين.
وأضاف: "بعد 7 أكتوبر 2023، تبنى وزراء الحكومة الإسرائيلية خطابًا يتطابق بدرجة كبيرة مع خطاب الحرب على الإرهاب في أمريكا. إذ وصفوا الفلسطينيين بالإرهابيين، وبالحيوانات على صورة بشر، وبأنهم خطر يجب سحقه."
وأكد بيضون على أن ما يجري في غزة اليوم يمثل "امتدادًا مباشرًا لخطاب الحرب على الإرهاب".
وختم قائلاً: "جزء كبير من الرأي العام العالمي لم يعد ينظر إلى العرب والمسلمين والفلسطينيين كأناس مكتملين في إنسانيتهم، ولذلك مُنحت إسرائيل مساحة لارتكاب هذه المآسي. لو لم تنتج أمريكا هذا الخطاب، لما تمكنت إسرائيل من ممارسة هذا القدر من العنف المفرط".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.