الدول العربية, أخبار تحليلية, التقارير, تونس

عودة الاحتجاج النقابي في تونس.. أزمة حقيقية أم سحابة صيف عابرة؟ (تحليل)

شهدت العاصمة تونس ومدن أخرى إضرابا لعمال النقل لثلاثة أيام في 30 و31 يوليو و1 أغسطس ما أثار تساؤلات بشأن توقيت وأهداف هذا التصعيد النقابي

Adel Bin Ibrahim Bin Elhady Elthabti  | 09.08.2025 - محدث : 09.08.2025
عودة الاحتجاج النقابي في تونس.. أزمة حقيقية أم سحابة صيف عابرة؟ (تحليل)

Tunisia

تونس/ عادل الثابتي/ الأناضول

* شهدت العاصمة تونس ومدن أخرى إضرابا لعمال النقل لثلاثة أيام في 30 و31 يوليو و1 أغسطس ما أثار تساؤلات بشأن توقيت وأهداف هذا التصعيد النقابي
** سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل:
- الإضراب دوافعه اجتماعية حيث ثمة تدهور بالمقدرة الشرائية وتدني الأجور ولابد من الحوار لخفض التوتر
** محمود بن مبروك أمين عام حزب "مسار 25 جويلية" المساند للرئيس قيس سعيد:
- احتجاجات الاتحاد لها دور غير وطني لعرقلة المسار الاقتصادي بتعطيل النقل وقطاعات أخرى ونقف مع الدولة في رفض الحوار مع الاتحاد بتشكيلته الحالية
*** المحلل السياسي عبد الرزاق الخلولي (مقرب من السلطة):
-  الاتحاد أصبح رهينة لأطراف خارجية وما يقوم به مجرد مناورة فهو في "موت سريري" ولم يعد مؤثرا في البلاد والحكومة ترفض التفاوض معه

إضراب عمال النقل بالعاصمة تونس ومدن أخرى لثلاثة أيام، أثار تساؤلات بشأن دوافع وأهداف التصعيد النقابي الذي جاء عقب هدوء طويل منذ إجراءات رئاسية في 25 يوليو/ تموز 2021 ساندها الاتحاد العام للشغل، وتراجع لاحقا عن دعمها.

وفي 29 يوليو/ تموز المنصرم، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، تنفيذ إضراب شامل في قطاع النقل البري لمدة 3 أيام (30 و31 يوليو و1 أغسطس/آب 2025)، بعد فشل مفاوضات مع الحكومة بشأن مطالب نقابية.

وفي اليوم الأول للإضراب، قال الأمين العام المساعد باتحاد الشغل صلاح الدين السالمي، في تصريحات إعلامية، إن "الإضراب متواصل حتى تحقيق المطالب المشروعة لأعوان (عمال) النقل".

وأبدى السالمي "استعداد النقابة لاستئناف التفاوض مع الحكومة في أي وقت من أجل التوصل إلى اتفاق".

ويحتج عمال النقل البري على "تدهور ظروف العمل وغياب أدنى معايير السلامة المهنية"، وفق بيان للاتحاد.

وقالت الجامعة العامة للنقل التابعة للاتحاد، في 31 يوليو، إن "الإضراب في يومه الثاني سجل نجاحا باهرا وأنه سيتواصل".

كما أقرت الهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الأساسي، في 2 أغسطس، عدة تحركات من أجل مطالبها الاجتماعية، منها تنفيذ يوم غضب في الأسبوع الأخير من أغسطس الجاري وإضرابا عاما يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وتتزامن عودة روح الاحتجاج إلى أكبر نقابة تونسية مع ارتفاع كبير لأسعار منتجات أساسية.

ويعاني قطاع النقل في تونس منذ سنوات من تراجع كبير في مستوى الخدمات، بسبب تراكم الديون وتقادم الأسطول، إلى جانب ارتفاع كلفة الأجور، في ظل أزمة اقتصادية حادة تعاني منها البلاد صعّبت جهود إنعاش هذا القطاع الحيوي.

يذكر أن الاتحاد العام التونسي للشغل ساند في البداية إجراءات الرئيس سعيد، قبل أن يبدي تحفظاته بعد رفض الأخير دعوات للحوار الوطني أطلقها الاتحاد خلال ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وبدأ سعيد، في 25 يوليو/ تموز 2021 فرض إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

** اتهامات بعرقلة الاقتصاد

محمود بن مبروك، أمين عام حزب مسار 25 جويلية (مساند للرئيس قيس سعيد) قال للأناضول، إن نشاط الاتحاد العام للشغل "ليست عودة للاحتجاجات، فهي دائما موجودة".

وأضاف: "هذا الدور غير الوطني الذي يقوم به الاتحاد (العام التونسي للشغل) لعرقلة مسار 25 جويلية و المسار الاقتصادي في البلاد بتعطيل النقل وقطاعات أخرى".

وتابع بن مبروك: "هناك توجه من الدولة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة، لكن هناك من يعرقل المسار. ومطالب الاتحاد الحالية استجابت لها الدولة من خلال صرف زيادات للعمال دون تفاوض مع الاتحاد".

وأشار أمين عام الحزب إلى "احتقان غير مسبوق في الشارع التونسي ضد إضراب النقل، فلا مسائل أكيدة داعية لهذا الإضراب، ووزير النقل الحالي فتح أبوابه للتفاوض، والناس يرون توفير الدولة لحافلات جديدة، والإضراب من جهة الاتحاد" فقط.

وليلة الإضراب، قالت وزارة النقل التونسية إنها "اتخذت جملة من الإجراءات الاستثنائية لضمان حق المواطنين في التنقل، تبعا للاضطرابات المنتظر أن تطرأ على سفرات النقل العمومي في تونس الكبرى ومختلف الجهات نتيجة الإضراب".

وأشارت إلى أنه جرى "منح ترخيص استثنائي لسيارات الأجرة والنقل الريفي للعمل في مختلف مناطق الجمهورية دون التقيد بالنطاق الجغرافي المحدد".

ولفتت الوزارة إلى "تسخير عدد من الأعوان لتأمين الحد الأدنى من تنقل المواطنين".

** رسائل سياسية

وبخصوص الرسائل الموجهة من الإضراب، يرى بن مبروك أن الاتحاد أراد توجيه رسالة للمنظومة الحالية أنه "لا يزال في الساحة ودوره النقابي متواصل، وبإمكانه تعطيل مسار الدولة ووقف عائدات كبيرة لخزينة الدولة التونسية"، وفق تعبيره.

وأوضح أن الإضراب جاء في إطار "حرب الاتحاد مع السلطات التي ترفض التحاور مع النقابة وخاصة الطبوبي (الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي) الذي يشغل منصبا بصفة غير قانونية وتجاوز المدة القانونية دون انتخابات".

وأكد بن مبروك أن السلطات التونسية ترفض المكتب الحالي للاتحاد، وقال إن الأطراف النقابية "تتحرك في إطار صراع سياسي، أكثر من تحسين ظروف النقل".

وأضاف بن مبروك: " كحزب (مسار 25 جويلية) نقول على الاتحاد تخفيف العبء عن الدولة بالتخفيض من عدد الإضرابات ونحن في نفس تمشي السلطة نرفض الحوار مع الاتحاد بتشكيلته الحالية".

وتابع: "لا شيء يدعو إلى التفاوض دون جدوى باعتبار الخلفيات السياسية للإضراب وبحث الاتحاد عن التموقع لإخفاء ملفات الفساد التي هو متورط فيها".

** وضع متأزم

سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل والناطق باسمه، أشار إلى تصاعد الحركة الاحتجاجية العمالية.

وقال للأناضول: "ليس هناك إضراب للنقل فقط، بل إضراب بقطاع المحروقات، والأسبوع القادم إضراب عمال الموانئ الجوية وسكك الحديد".

وأوضح الطاهري أن أهداف الإضرابات "دون تأويل وتفسير تآمري، هي اجتماعية واضحة أمام الناس، حيث ثمة أزمة اجتماعية كبيرة وتدهور للمقدرة الشرائية وتدني الأجور".

وتابع: "ثمة خسارة كبيرة في جيب العمال مع تدني الخدمات، فالعامل كان يتداوى في المستشفيات العمومية بأجور معقولة، لكنه الآن يلجأ للمرافق الخاصة مرتفعة الثمن، والنقل العمومي والتعليم مترديان ما يضطر المواطن للجوء إلى القطاع الخاص".

وقال الطاهري: "التونسيون أصبحت عليهم أعباء إضافية أمام عجز الدولة عن تقديم خدمات اجتماعية تخفض الأعباء".

وأكد أن الدوافع الوحيدة للإضرابات هي "تأزم الوضع الاجتماعي إلى أبعد الحدود، ومع غياب الحوار تضطر القطاعات إلى شن إضرابات".

والخميس الماضي، قال الاتحاد إن "عصابة غريبة أقدمت على التجمهر أمام دار الاتحاد ببطحاء محمد علي، محاولة اقتحامه"، واعتبر ذلك "نتيجة حملات تجييش وتحريض يقوم بها أنصار الرئيس سعيد".

كما تشهد وسائل التواصل الاجتماعي تهجمات على الاتحاد من أشخاص يقولون إنهم مع مسار إجراءات الرئيس سعيّد، تصاعدت بعد إضراب النقل الذي شل الحركة في العاصمة.

** هل الحل في التفاوض؟

الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، قال: "اتهامنا بأغراض سياسية وغير ذلك، هو هروب من الحل وهو التفاوض وتلبية الطلبات القانونية، وليس هناك وراء هذا سوى استفحال الأزمة الاجتماعية وغلق باب الحوار".

وأضاف الطاهري أن "استمرا غلق باب الحوار ورفض التفاوض لن يزيد إلا في تعفين الجو وزيادة التوتر الاجتماعي وهذا ما عشناه قبل 2010"، في إشارة إلى ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 و14 يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدي بن علي.

وتابع: "الهروب من الحوار يخلق مشاكل أخرى، ولابد من الحوار الكفيل بخفض التوتر وجعله في مستوى أدنى".

وأوضح الطاهري أن "ووصول التوتر إلى حد معين سيكون خطرا على البلاد، ونحن نقدم الحوار على الإضراب ولكن إذا اضطررنا إليه ننجزه".

وحول إصرار الاتحاد على المطالب قال الطاهري: "أصل وجود الاتحاد هو الدفاع عن العمال. حشاد (فرحات حشاد مؤسس الاتحاد عام 1946) قام بأول إضراب بشأن زيادة الأجور".

وأكد أن الاتحاد "لا يمكن أن يتفرج في العمال الذين يطالبون بمطالب مشروعة ولا يساندها ويدعمها ويدعو للحوار لفضها".

بالمقابل، يرى بن مبروك أن على الاتحاد "تخفيف العبء عن الدولة بتخفيض عدد الإضرابات، مؤكدا وقوف حزبه مع السلطة التي ترفض الحوار مع الاتحاد بتشكيلته الحالية.

وقال: "لا شيء يدعو إلى التفاوض دون جدوى باعتبار الخلفيات السياسية للإضراب ومحاولة الاتحاد إخفاء ملفات الفساد التي هو متورط فيها"، حد تعبيره.

** اتهامات لأطراف خارجية

المحلل السياسي عبد الرزاق الخلولي (مقرب من السلطة)، قال للأناضول إنه "من الطبيعي أن يرغب الاتحاد اليوم في العودة من جديد إلى الساحة، لإظهار أنه لا يزال فاعلا وله قوة".

وأضاف الخلولي: "لكن في نهاية الأمر، نجد أن أسباب الإضراب أساسها أن الاتحاد أصبح رهينة تعليمات من أطراف معنية للقيام بإضرابات واعتصامات نيابة عنهم".

وتابع: "الدولة اقتنت 1315 حافلة من الصين، وتتوجه في صفقاتها بقطاع النقل وغيره إلى الشرق إلى الصين، لذلك تحركت دول الغرب" ضد الدولة.

ووفق الخلولي: "الدول الغربية (لم يسمها) كانت تعول سابقا على الأحزاب، وبعد غياب الأخيرة أعطيت التعليمات للاتحاد بالإضراب لشل حركة الإنتاج والعمل وخاصة في قطاع النقل باعتباره قطاعا حساسا واستراتيجيا".

وشدد على "وجوب عودة الاتحاد إلى حجمه الطبيعي"، قائلا إن "الوقت حان لتقليم أظافره وتجميد مكتبه التنفيذي ووضعه تحت المراقبة والتدقيق المالي ومصادرة أموال أعضاء المكاتب التنفيذية من 2011 إلى اليوم، أو تجميدها على الأقل".

** استفاقة متأخرة

وبخصوص رسائل الاتحاد من الإضراب، قال الخلولي: "من الطبيعي أن يكون له رسائل، ولكنه استفاق متأخرا لأنه في أزمة ووضع لا يحسد عليه، لذا يقتنص الاتحاد الفرصة للعودة من جديد للساحة النقابية لأن الجميع بدأ يتناساه".

وحول تأثير اتحاد الشغل على تصاعد توترات الوضع الاجتماعي، قال الخلولي: "الاتحاد لم يعد قويا وليس بإمكانه التأثير في الناس ولا القيام بأي شيء في البلاد".

وأضاف: "ما يقوم به الاتحاد مجرد مناورة، ولن يستطيع الوصول إلى الأهداف المرجوة بالتأثير على الاقتصاد والعمال الذين هم منقسمون أصلا، والاتحاد لم يعد مؤثرا في البلاد".

وتابع الخلولي: "الاتحاد لم يعد مؤثرا، والحكومة ترفض التفاوض معه".

وخلص المحلل السياسي إلى أنه يمكن اعتبار الاتحاد في "موت سريري"، قائلا إن الاتحاد "لا يمكنه التأثير في أي شيء ولا فائدة في التفاوض معه، ولو كانت الحكومة تعرف أن الاتحاد قوي لذهبت مسرعة إلى التفاوض".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.