مخيم "قاح" بسوريا.. نذر كارثة إنسانية
ينتشر مرض "اللشمانيا" بين سكانه نتيجة لقلة مستوى النظافة والرعاية الصحية، ومهدد بانتشار الأوبئة مع دخول فصل الصيف

الكارثة التي يعاني منها الشعب السوري منذ أكثر من سنتين لها أوجه متعددة، ففي حين يعاني من بقوا في مدنهم وقراهم من خطر الموت جراء القصف أو الاشتباكات، يكافح من فر بحياته إلى المخيمات، ليبقى حيا، وليحصل على احتياجاته الأساسية، دون أن يكون النجاح حليفه دائما في هذا الصراع.
مخيم "قاح"، أحد المخيمات التي أنشأها النازحون داخل الأراضي السورية، في محافظة "إدلب"، بجانب قرية "قاح"، القريبة من الحدود التركية. يقطن به حوالي سبعة آلاف وخمسمائة شخص، معظمهم من النساء والأطفال. ويعاني سكانه من أوضاع مزرية، سواء من حيث مستوى النظافة والرعاية الصحية، أو من حيث نقص الاحتياجات الأساسية.
زار د. "مصطفى النجار"، النائب في البرلمان المصري السابق، والطبيب، مخيم "قاح"، ضمن مشاركته في قافلة "حياة" لدعم الشعب السوري، التي حملت للداخل السوري، مساعدات بقيمة أكثرمن مليون دولار، بينها 11 سيارة إسعاف، بالإضافة إلى فريق للدعم النفسي، عمل لمدة 5 أيام مع أهالي مخيم "قاح" خاصة الأطفال. وصف النجار للأناضول الأوضاع في المخيم، قائلا إن أول ما يستقبل زائر المخيم هي رائحة الصرف الصحي المنتشرة به، والحشرات، التي تهدد بكارثة صحية وشيكة مع قدوم فصل الصيف، وقلة الرعاية الصحية. فالصرف الصحي لدورات المياه وللخيم، يجري في قنوات مكشوفة، من أعلى التلة التي يقع عليها المخيم إلى أدناها، مارا بين الخيم. ودورات المياه نفسها بحالة مزرية، حيث أن عددها قليل جدا بالنسبة لعدد قاطني المخيم، كما أنها شبه مكشوفة، ولا توجد بها مياه في معظم الوقت.
هذه الأوضاع أدت كما يقول النجار، إلى بدء انتشار مرض "اللشمانيا"، الذي يؤدي إلى انتشار البثور في أنحاء الجسم، ويضعف جهاز المناعة، وينتقل عن طريق الحشرات، وينتشر بسبب قلة النظافة، كما أن المخيم مهدد بانتشار أمراض جلدية أخرى، وأمراض تنفسية.
الجوع أمر معتاد في المخيم
فيما يتعلق بالطعام يقول "أبو خيرو" مدير المخيم إنه لا توجد وجبات توزع بانتظام على النازحين، ويقوم الهلال الأحمر التركي، بمعدل مرتين أو ثلاث في الأسبوع، بتوزيع حوالي ألفي وجبة، تتكون كل منها من قطعة خبز صغيرة، وعلبة عسل صغيرة جدا، وعلبة شيكولاته صغيرة أيضا. ويحاول السكان القيام بأي عمل في القرى المجاورة للحصول على مال لشراء الطعام، إلا أن العمل ليس متوفرا، كما أن هناك أسرا استشهد عائلها، وتتكون بالكامل من النساء والأطفال، ولا يوجد مصدر دخل لها، وهو ما يجعل الجوع أمرا معتادا في المخيم.
لاحظ النجار كذلك عدم وجود ما يكفي من الخيم لإيواء جميع النازحين، ما اضطر عدد منهم للبقاء في العراء تحت أشجار الزيتون، والتعرض للدغات العقارب والثعابين، التي لا يسلم منها حتى القاطنين في الخيام. كما أن نوعية المواد التي تصنع منها الخيام تجعلها قابلة للاشتعال السريع، وهو ماحدث بالفعل عدة مرات كما يقول النجار، بالإضافة إلى أن الخيم تحولت إلى ما يشبه الأفران مع ارتفاع درجة حرارة الجو، إذ لم يتمكن النجار ومرافقيه، من المكوث أكثر من نصف ساعة داخل إحدى الخيم، بسبب الحرارة الشديدة.
دفعت الأوضاع السيئة البعض للتفكير في العودة، ويحكي النجار عن طيار منشق من قاطني المخيم، أخبره بتفكيره الجدي في العودة لقريته، بدلا من الموت مع أولاده من الجوع ونقص المرافق في المخيم.
الخبز.. معاناة يومية أخرى
بدوره تحدث "يحيى زكريا"، الطبيب والناشط المصري، للأناضول، عن جوانب أخرى من معاناة المخيم، الذي زاره ضمن قافلة "حياة". إذ يواجه أهالي المخيم صعوبة كبيرة في توفير احتياجاتهم من الخبز. يقول زكريا: "قدم لنا أحد الأشخاص نفسه على أنه مسؤول عن نصف المخيم، وأخبرنا أنه من أجل توفير الخبز لأهالي المخيم، لابد أن تتبرع جهة ما بمبلغ مالي يوميا، يقدم لمخبز القرية، لخبز 800 ربطة خبز، تكلفة الربطة 25 ليرة سورية، لتلبية احتياجات المخيم، وفي الأيام التي لا يتوفر فيها هذا المبلغ، يبقى أهالي المخيم بلا خبز".
وفي الجانب الصحي، ينقل زكريا شكوى أهالي المخيم من عدم توافر الأدوية، سواء لعلاج الأمراض المعتادة كالبرد وغيره، أو لعلاج الأمراض المزمنة. كما أشار أيضا إلى انتشار مرضى اللشمانيا، محذرا من أن انتشار مرض وبائي كالكوليرا، وهو أمر وارد جدا، قد يقضي على جميع سكان المخيم. ولفت زكريا إلى أن الرعاية الطبية في المخيم تتمثل في طبيب واحد فقط، يحاول بالإمكانيات الضعيفة المتاحة له مداواة الأهالي، كما يوجد في القرية مركز طبي يعاني هو الآخر من نقص شديد في الإمكانيات.
ورغم سوء الأوضاع، لا يزال البعض يحاول دخول المخيم، إلا أن محدودية الأرض التي بنى عليها، وعدم وجود إمكانية للتوسع، تحول دون استقبال نازحين جدد. يقول زكريا: "شاهدنا خلال وجودنا في قاح، نازح قادم مع أسرته يحاول دخول المخيم، إلا أن المشرفين رفضوا قبوله لعدم وجود أماكن، ما اضطره إلى المغادرة والتوجه إلى المخيمات المجاورة عسى أن يقبله أحدهم، وهي مهمة ليست سهلة، إذ أن بعض المخيمات لا تقبل سوى أبناء مناطق معينة، كما أخبرنا هذا النازح".
وصدم زكريا كذلك بالأوضاع في مخيم "أطمة" القريب من قاح والملاصق للحدود التركية، حيث يقول: "عندما رأيت الأوضاع في مخيم قاح اعتقدت أن هذا هو الأسوأ، ولكن عندما زرت مخيم "أطمة"، وجدت هناك الأكثر سوءا. فالمخيم عشوائي تماما، ومبني على أرض غير مناسبة، وسط الأشجار، وأرضيته مبتلة بشكل دائم، ولو استمر الأمر على هذا الحال فهناك كارثة إنسانية محققة ستحل به. لا يجدي مع هذا المخيم إعادة التنظيم، بل لابد من نقله بأكمله إلى مكان مناسب لتجنب الكارثة".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.